الأسواق الناشئة تعاني متاعب التطور

مرت الأرجنتين بهذه الحالة من قبل. كذلك فعلت كثير من الأسواق الناشئة الأخرى. للمرة الثانية خلال ستة أشهر عادت الأموال إلى الخروج وعانت عملات الأسواق الناشئة ضغطا حادا، وكذلك السندات والأسهم.

لكن النقطة المهمة حول الأزمات في الأسواق الناشئة هي أنها لا تبدأ هناك. إنها بصورة شبه دائمة تقريباً، نتاج أفعال المستثمرين أو إجراءات البنوك المركزية في البلدان المتقدمة.

حققت الأسواق الناشئة خطوات واسعة خلال العقدين الماضيين. فباستثناء حالات قليلة، تركت هذه الأسواق عملاتها لتتعوم، وأنشأت المؤسسات اللازمة لرأسمالية السوق الحرة، وطورت أسواقاً محلية للسندات من أجل تقليص الاعتماد على الأموال الأجنبية.

لكن تظل بعض الحقائق موجودة. فلا تزال حركة الأموال المحلية تتضاءل أمام حركة رأس المال الأجنبي. وفي الوقت الذي تواصل فيه الأموال القدوم، هناك إغراء بالتصرف مثلما فعلت الأرجنتين، وحين تخرج هذه الأموال يمكن أن تقع المشاكل.

لننظر إلى سابقة تاريخية تعود إلى موجة أزمات الأسواق الناشئة في أواخر التسعينيات، التي تفجرت مع أزمة التكيلا في المكسيك. فقد بدأت في 1994 حين تخلت الحكومة عن الدفاع عن قيمة مرتفعة للبيزو.

كانت المكسيك تنفق فوق طاقتها، لكن فتيل الأزمة جاء من الولايات المتحدة، حين رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بصور حادة للتصدي للتضخم في السنة نفسها. وهذا جعل الدولارات تعود إلى موطنها وكشف عن المشاكل في المكسيك.

وأحداث هذا الأسبوع تشبه ما حدث في 1994، مع فرق هو أن الصين ظهرت لتكون ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم. والأحداث التي تجري في الصين، كما في الولايات المتحدة، يمكن أن تجعل الأموال تعدو مسرعة بحثاً عن ملجأ.

والأرجنتين حالة خاصة. ففي السنة الماضية تم تخفيض مرتبتها الائتمانية، بسبب مخاوف من الفريق الاقتصادي للرئيسة كريستينا فيرنانديز، وبالتالي امتنعت مؤسسات كثيرة عن الاستثمار في سندات الأرجنتين. بل لم تعد حتى تعتبر من الأسواق "الناشئة" من قبل مؤشر مورجان ستانلي المركب، الذي يحرس هذا المصطلح لأسواق الأسهم، وبالتالي لا يستطيع كثير من مستثمري الأسهم شراء أسهم الأرجنتين.

وليس هناك سبب يذكر يجعل الأرجنتين تؤثر على البلدان الأخرى خلاف جيرانها.

وخروجها من الأسواق الناشئة كان مدفوعاً بتجدد المخاوف حول الاحتياطي الفيدرالي. فقد أدى الحديث في الصيف الماضي عن أنه سيبدأ الانسحاب التدريجي من مشترياته من السندات، التي أبقت أسعار الفائدة الأمريكية متدنية وشجعت الأموال على الذهاب إلى البلدان الأجنبية، إلى عمليات بيع مكثفة في الأسواق الناشئة.

وحين بدأ الاحتياطي الفيدرالي عملية الانسحاب بالفعل في كانون الأول (ديسمبر)، عملت هذه الخطوة على إخفاء آثار الإرشاد المتقدم الذي وعد من الناحية العملية بألا ترتفع أسعار الفائدة حتى 2015 على الأقل. وجاءت عمليات البيع المكثفة لعملات الأسواق الناشئة الأسبوع الماضي، لأن مخاوف ساورت المتداولين مفادها أن مثل هذا "الإرشاد المتقدم" لا يمكن الوثوق به.

وهناك توضيح لهذه المشكلة نجده في مصير الإرشاد المتقدم الذي عرضه في آب (أغسطس) الماضي مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا. فقد وعد بعدم رفع أسعار الفائدة على الأقل حتى يهبط معدل البطالة إلى 7 في المائة. ومنذ ذلك الحين هبط المعدل أسرع من التوقعات، متراجعا إلى 7.1 في المائة. وبالتالي قلل كارني الأسبوع الماضي من أهمية إرشاده. وكانت الرسالة التي فهمها المتداولون هي أن البنوك المركزية يمكن أن تتراجع دائماً عن الإرشاد إذا اضطرت إلى ذلك.

وهناك الصين أيضا. فبحسب تقديرات سريعة من بنك إتش إس بي سي لمؤشر مديري العرض هذا الأسبوع، يشهد الاقتصاد الصيني حالة من التقلص. فضلاً عن ذلك، أسعار الفائدة في السوق الصينية تحلق إلى أعلى، في محاولة فجة من قبل السلطات لوضع الائتمان تحت السيطرة. وتواجه الصين اختبارا فيما يتعلق بما إذا كانت ستسمح بإعسار صناديق القروض التي هي من قبيل بنوك الظل.

وحين وجدت الأموال الأمريكية والغربية نفسها في مواجهة مثل هذه المخاوف اتجهت إلى موطنها وإلى سندات الخزانة، التي تعطي عوائد تعادل تقريباً ما كانت عليه حين أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن الانسحاب التدريجي في كانون الأول (ديسمبر).

ويغلب على المشاعر حول الأسواق الناشئة أن تتحرك في موجات طويلة. فقد تغلبت الأسواق المتقدمة على الناشئة خلال السنوات الـ 20 الماضية، وهي فترة بدأت في أعقاب أزمة التكيلا – حتى مع أن الأسواق الناشئة سجلت معدلات نمو أعلى.

ومن الصعب إيقاف مثل هذه الموجات من المشاعر. ويمكن للموجة الحالية أن تستمر فترة أطول. وبالفعل عانت صناديق الأسواق الناشئة التدفقات الخارجية المتواصلة لأكثر من ثلاثة أشهر، وفقاً لبيانات من EPFR، لكنها بقيت دون ما يدعو إليه بنك أوف أميركا ميريل لينتش "الاستسلام" الحقيقي. وهذا يعني أن معدل التدفقات الخارجة أكثر من 20 مليار دولار أسبوعياً، وقد شهد الأسبوع الأخير تدفقات خارجة بمقدار 2.4 مليار دولار.

وبالنسبة إلى العملات، فإن مقاييس القيمة العادلة التي يسجلها ألان راسكين، من دويتشه بنك، تشير إلى عدم تسجل أية عملة زيادة على المقرر حتى الآن، وأن الريال البرازيلي قريب من متوسطه لعشر سنوات، بعد احتساب أثر التضخم.

على المدى البعيد تظل الحجج المعروفة حول الأسواق الناشئة صحيحة: يرجح لها أن تنمو أسرع من الغرب، وألا تبدو أسعارها فوق الحد. وربما يحسن بالذين لديهم أفق استثماري طويل الأجل أن يبدأوا بإدخال بعض الأموال إلى الأسواق الناشئة.

لكن تظل المخاطر عالية كون أصول الأسواق الناشئة يمكن خلال فترة قريبة أن تصبح أرخص حتى مما هي عليه الآن. ويعتمد هذا إلى حد كبير على الاحتياطي الفيدرالي، وليس على الصين.

( بروجيكت سينديكست 27/1/2014 )