أسباب وجيهة للنظر مجددا إلى الأسواق الناشئة
ما الفرص التي تتحقق في عالم الاستثمار من جراء اعتقال الرئيس الأسبق للبرازيل لويز إيناسيو لولا داسيلفا في الوقت الذي تصعد فيه الأسواق الناشئة؟
الأنباء الصادمة، وسط فضائح متصاعدة حول رشا من بتروبراس، شركة النفط في البلاد، قوبلت بانتعاش حاد للعملة وسوق الأسهم في البرازيل، الأمر الذي امتد ليصل إلى الأسواق الناشئة الأخرى.
ظلت الأسواق الناشئة في مسار هابط على مدى خمس سنوات. ويعتقد كثيرون أن هناك حاجة إلى لحظة شافية نهائية قبل أن تصل الأسواق إلى القاع - بمعنى، كما ينص القول المأثور لروتشيلد، ينبغي لنا "الشراء عندما تكون هناك دماء في الشوارع". لاحظ أن انتخاب لولا دا سيلفا رئيسا في عام 2002 كان يبدو في ذلك الوقت وكأنه المسمار الأخير في نعش الأسواق الناشئة - أثار سوقا صعودية تاريخية. فهل يمكن أن يكون اعتقاله هو اللحظة التي تؤكد فيها البرازيل القضاء على مشاكل الفساد لديها والمضي قدما؟
إنها فكرة مغرية. لذا دعونا ننظر في الأسباب وراء صعود الأسواق الناشئة وانخفاضها اللاحق.
كدليل، سأستشهد بأنطوان فان أجتاميل، الذي أوجد مصطلح "الأسواق الناشئة" في أوائل الثمانينيات حين كان يعمل في "إنترناشونال فاينانس كوربوريشن". وكونه نصيرا للأسواق الناشئة منذ فترة طويلة، ينشر هذا الشهر كتابا جديدا عظيما بعنوان "الأماكن الأكثر ذكاء على كوكب الأرض" يوثق كيفية انتقال عصا المايسترو الآن من العالم الناشئ إلى "حزام الصدأ" في العالم المتقدم. باعتبارها بؤرا للابتكار، وعادة ما تحيط بالجامعات الكبرى، فقد كانت هذه المناطق تعمل على تحفيز النمو وتحسينه.
وفقا لفان أجتاميل، اثنان من الافتراضات الحاسمة خلف صعود الأسواق الناشئة انقلبا رأس على عقب. الافتراض الأول أن العولمة كانت أمرا لا رجعة فيه، على الأقل لأنها ترتبط بالحركة المادية للبضائع حول العالم، ثم تبين أن من الممكن أن تسير في الاتجاه المعاكس. وكما أكدت أرقام صادرة الأسبوع الماضي، تنمو التجارة العالمية ببطء أكبر من أي وقت مضى منذ الانهيار في عام 2009.
أما الافتراض الثاني فهو أن العمالة الأرخص في العالم الناشئ سوف تكون ميزة تنافسية دائمة. صحة هذه الفكرة أصبحت الآن أقل بكثير مما كانت عليه من قبل. ما يهمنا الآن، بحسب فان أجتمايل، هو مدى نسبة الذكاء في إنتاج شيء معين، بدلا من قيمة تكلفة إنتاجه.
وقد تبين أن هذا الإنتاج الذكي يحدث في مدن المناطق الصناعية القديمة التي زارها فان أجتمايل، مثل أكرون في أوهايو أو ألباني في نيويورك. وبما أن كليهما محكوم بالضرورة، وبالجامعات المبتكرة التي تحرص على أن تستخدم حاضنات للابتكارات الجديدة، فإنهما تقودان نهضة هادئة. اعتادت أكرون، مثلا، أن تكون العاصمة الكبرى في إنتاج الإطارات للعالم. وقد فقدت شركات تصنيع الإطارات لديها، لكنها الآن تمتلك أكثر من ألف شركة لتصنيع البوليمرات، توظف بشكل مشترك أشخاصا أكثر مما كان لدى شركات الإطارات من قبل.
أضف إلى هذا القوة الهبوطية القوية طويلة الأمد التي تقدمها محاولة الصين تحقيق تحول اقتصادي بعيدا عن التصنيع وباتجاه قطاع الخدمات، وما يتبع ذلك من انهيار في أسعار السلع الصناعية - وستجد نفسك أمام جميع الظروف لوجود سوق هابطة عنيفة في بلدان الأسواق الناشئة.
كل هذا من المستحيل تفنيده. انتهى الآن التحول التاريخي لمصلحة الأسواق الناشئة، الذي أنبأ به فان أجتمايل وغيره قبل جيل مضى. ولم يعد شراء الأسواق الناشئة قصة مثيرة تتعلق بالدينامية والنمو العالمي، لكن هل يمكنها الآن أن تكون قصة أكثر إمتاعا لشراء الأسهم والسندات لأنها رخيصة جدا؟ لقد حصل بالفعل انتعاش في قطاع الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة. على أساس دوري، تشير الدراسات الاستقصائية الأحدث لمديري الإمدادات إلى أن التصنيع يتقدم في كل من الولايات المتحدة وعبر العالم، في الوقت الذي تواجه فيه الأرباح في الولايات المتحدة كلها خطر التعرض لتراجع عام.
ربما كان من المنطقي شراء الأسواق الناشئة مرة أخرى، ببساطة لأنه بعد سنوات طويلة من وجود السوق الهابطة تصبح الأسهم أرخص بكثير، في الوقت الذي تبدو فيه السوق في الولايات المتحدة باهظة الثمن من خلال أي مقياس معقول.
من الصعب تحديد وقت هبوط السوق، إن لم يكن مستحيلا. لكن اعتقال الرئيس لولا ليس السبب الوحيد لنأمل أن الهبوط ربما يكون مناسبا. أولا، هناك المعادن الصناعية التي ساعدت في تحريك ودفع السوق الهابطة. لقد كانت آخذة في الصعود منذ كانون الثاني (يناير)، وهي مرتفعة خلال هذا العام. ومن ثم، هناك عملات الأسواق الناشئة التي تتعرض للضغط منذ عدة سنوات. وباستخدام مؤشر جيه بي مورجان لأسواق الصرف الناشئة، فقد تمتعت بانتعاش مقابل الدولار عندما دخلت الولايات المتحدة في الركود في وقت سابق هذا العام - لكن بشكل حاسم حافظت على مكاسبها، حتى وإن تراجعت تلك المخاوف في الولايات المتحدة مرة أخرى. وهذا ليس صحيحا بالنسبة لعملات الأسواق المتقدمة التي تراجعت بشكل عام مقابل الدولار مرة أخرى. وحتى قبل أنباء اعتقال لولا، كانت أسهم الأسواق الناشئة قد بدأت تتفوق في أدائها على العالم المتقدم.
الحجة الداعية إلى احتفاظ المستثمرين طويلي الأمد بمخصصاتهم أو زيادتها للأسواق الناشئة، على حساب الولايات المتحدة، تبدو فكرة جيدة وأقوى مما كانت عليه في بداية العام.
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-03-06)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews