الأسواق الناشئة تهدد بمزيد من الكآبة الاقتصادية

التأثير الكبير من فيلم "ذا بيج شورت"، وهو فيلم عن انهيار سوق الإسكان في الولايات المتحدة، يأتي من تمكين الجمهور. ففي حين أن عددا قليلا فقط من الشخصيات يمكن أن يرى أن الفقاعة على وشك الانفجار، إلا أن المشاهدين يعرفون ذلك. ويعرفون أيضا أن المنتجات المالية المعقدة التي كانت تستخدم لتمويل القروض العقارية المقدمة لأصحاب المنازل المعدومين ما هي سوى "قذارة كلب ملفوفة بقذارة قط". ويعرفون كذلك أنها ستنتهي بالبكاء، لكن في نهاية المطاف، الولايات المتحدة ستتجاوز الأمر.

لا شيء من مثل هذه الشماتة المريحة متاح للأسواق الناشئة. ليست هناك مؤامرة كبيرة واضحة بين "المصارف، ووكالات التصنيف، والحكومة" وهناك وعد ضعيف بالقصاص العادل من الأشرار. الانهيار الاقتصادي الذي يؤثر في العالم النامي هو بمنزلة عملية طحن بطيئة: أعوام من معدلات النمو المنخفضة، ومعدلات البطالة المرتفعة، وقارات بأكملها - أمريكا اللاتينية وإفريقيا - تعاني ضررا دائما. على الرغم من هذه الاختلافات، إلا أن هناك علاقة مهمة بين أزمة الولايات المتحدة عام 2008 ومجموعة خطيرة على نحو متزايد من الضعف الذي يهدد بسحب الأسواق الناشئة وسحبها نحو مزيد من الوحل. ولأن العالم النامي يمثل أكثر من نصف النمو الاقتصادي العالمي، فإن سوء حظه لا يمكن إلا أن يرتد على الغرب.

المرحلة الأخيرة من هذا الشعور بالضيق تنبع من انحسار واحد من "القمرين" الذي يقول مايكل باور، مختص الاستراتيجية في شركة إنفيستيك لإدارة الاستثمار، إنه مسؤول عن حظوظ الأسواق الناشئة.

وضع أحد هذين القمرين - الذي يميزه تراجع الطلب في الصين على الموارد التي تصدرها الدول النامية - هو رواية قديمة. حالات تحول المد والجزر التي يسيطر عليها القمر الآخر، الذي يمثله الاحتياطي الفيدرالي، المصدر النهائي للسيولة المالية العالمية، هي التي تسبب الذعر بصورة خاصة. الزيادة في الإقراض إلى البلدان النامية، الذي دفع الكثير من نموها في الأعوام الـ 15 الماضية، توقف الآن وقد يفسح المجال "لحلقة مفرغة" من تخفيض الرفع المالي، وذلك وفقا لبنك التسويات الدولية، المعروف بأنه البنك المركزي للبنوك المركزية. تحول المد في الأشهر الثلاثة المنتهية في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، لكن الدليل على هذا ظهر للتو في أرقام بنك التسويات الدولية. إجمالي المخزون من الائتمان المقوم بالدولار في السندات وقروض المصارف إلى الأسواق الناشئة، بما في ذلك الحكومات والشركات والأسر، كان 3.3 تريليون دولار في نهاية أيلول (سبتمبر)، منخفضا من 3.36 تريليون دولار في نهاية حزيران (يونيو).

هذا الانعكاس هو بداية فصل كئيب في التكيف العالمي الذي بدأ مع "الانخفاض الكبير". الأزمة المالية التي أعقبت أزمة الإسكان في الولايات المتحدة أرسلت أسعار الفائدة في الغرب إلى أدنى مستوياتها التاريخية. بعد ذلك، تدفقت الأموال من الولايات المتحدة واليابان وأوروبا إلى الأسواق الناشئة بحثا عن أسعار الفائدة المرتفعة.

هذا التدفق أدى إلى ظهور فترة ابتهاج أخرى، قائمة على الجاذبية التي لا تقاوم للائتمان الرخيص. خلال تلك الفترة أنفقت الأسر من البرازيل إلى تايلاند وتركيا أكثر ما تسمح به إمكاناتها المالية. وأقدمت الشركات في الصين على تسييل مواردها، ما دفع إجمالي ديونها إلى 160 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة من بين أعلى المستويات في أي دولة. وفي إفريقيا اجتمع الطلب الصيني المنخفض مع السلع الأساسية، مع الديون المرتفعة في بعض الدول، ليولد حالة إجهاد شديدة. وما يهدد بتحويل هذا إلى أزمة هو أن العلاج العالمي الذي يمكن اختياره - ضخ مزيد من السيولة في نظام مالي مليء بأنظمة التسهيل الكمي - قد يلحق الضرر بالعالم النامي أكثر مما ينفعه.

وفقا لبيانات من بنك التسويات الدولية، مستويات ديون الشركات في الأسواق الناشئة تتجاوز تلك الموجودة في نظيراتها في الدول المتقدمة. لكن العوائد على الاستثمار في هذه الدول انخفضت إلى مستوى أقل من تلك الموجودة في نظيراتها في الدول المتقدمة، ما يعني أن الشركات في الأسواق الناشئة تحصل على أرباح أقل إلى حد كبير عن كل دولار من النقود المقترضة التي تستثمرها. الصين تعتبر بمنزلة دراسة حالة: الانكماش العميق في أسعار المنتجين الذي تولده الطاقة الإنتاجية المفرطة المزمنة أدى إلى تراجع في الأرباح الصناعية العام الماضي.

برؤية هذا، بدأ المستثمرون يهجرون أصول الأسواق الناشئة بشكل جماعي. وبلغت تدفقات رأس المال الخارجة نحو 735 مليار دولار العام الماضي، لتميز وفقا لمعهد التمويل الدولي أول عام لصافي التدفقات الخارجة منذ عام 1998. التراجع في قيم العملات الذي يساعد هروب رأس المال هذا في إيجاده، لا يؤدي سوى إلى تعزيز الشعور بين المستثمرين بأن الآن هو الوقت المناسب للفرار.

الطريقة الوحيدة لمعالجة الضعف في الأسواق الناشئة، كما يقول هيون سونج شين، رئيس الأبحاث في بنك التسويات الدولية، هو أن يطبق العديد من البلدان إصلاحات هيكلية ـ مع أن الرد المناسب سيكون مختلفا في كل بلد ـ وإلا فإن المرجح هو أن ينزلق العالم أكثر نحو الكآبة التي أشارت إليها كريستين لاجارد، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، التي حذرت الأسبوع الماضي من التهديد الذي يتعرض له النمو العالمي بسبب أزمة وشيكة في الأسواق الناشئة.

(المصدر: فاينانشال تايمز 2016-02-16)