التأجير التمويلي في شركات التمويل والاستثمار الإسلامية

د . محمد فوزي

تحتاج المؤسسات المالية والاقتصادية عامة إلى تمويل العملية الإنتاجية والتي تكون غالبا من المصادر (الداخلية - الخارجية ) المتمثلة في الأموال الخاصة أو الأرباح المحجوزة والاحتياطيات أو إصدار الأسهم في السوق المالي ومن المصادر الخارجية في الائتمان الخارجي بمختلف أنواعه إلا إن هناك مصادر تمويل أخري مهمة وفعالة في نفس الوقت مثل التأجير التمويلي خاصة المؤسسات التي تعاني من مشكلات تمويلية كالمديونية أو ضعف المصادر الذاتية وصعوبة الحصول علي الائتمان الخارجي وبهذه التطبيقات تتمكن المؤسسات من الحصول علي الأصول والآلات والمعدات واستخدامها في أنشطتها باستئجارها دون تحمل تكاليف الشراء كاملة كنوع من أنواع التمويل سواء في الأسواق ( المحلية - الخارجية ) خصوصا بالدول الصناعية الكبرى لما ينطوي عليه من مميزات علي صعيد اقتصاديات هذه المؤسسات الإنتاجية وعلي صعيد الاقتصاد الوطني ككل كما تستفيد منها أيضا الشركات التمويلية سواء مصارف أو شركات تمويل واستثمار متخصصة بالإضافة إلى المستثمرين والمستأجرين والموردين كل حسب علاقته في أطراف تنفيذ تطبيق التأجير من المرونة المتعلقة بتركيبة رأس المال المستثمر ومصادر التمويل والوضع المالي للمؤسسة الإنتاجية نفسها التي تسهم في تحديد البديل الأمثل لنوع التمويل لتجنب المصاعب والالتزامات التي ترتبط بعملية الاقتناء الأصول وقد أتاحت المعاملات المالية الإسلامية العديد من خيارات وصيغ لعقود التأجير، بما في ذلك التأجير المباشر، والتأجير مع خيار إعادة الشراء، والتأجير من خلال عقد إعادة الشراء التدريجي ولكن المهم الاختيار لنموذج الإيجار المناسب لأصول كل شركة فهناك العديد من أشكال عقود التمويل المتوافقة مع الشريعة والتي تستخدمها المصارف لتقديم الأصول أو لاستخدام تلك الأصول لعملائها سواء كانوا أفراداً أم شركات ويعتبر التأجير التمويلي من أكثر صيغ التمويل المنتشرة حديثاً فى المجتمع العربي والغربي، ولاسيما فى حالات كبر قيمة الآلات والمعدات والتى يصعب على بعض المؤسسات شراؤها أو أنها لا تستطيع أن تستغل طاقتها بالكامل، ويجب أن تنضبط عقود التأجير التمويلي المعاصرة بالقواعد والضوابط الإسلامية حتى تكون مطابقة لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وهومحاور التقرير .
أولا : مفهوم التأجير التمويلي (Financial Leasing )
يعرف الإيجار انه عقد تمليك منفعة مدة معلومة بعوض معلوم أما التمويل بمعناه العام فهو تدبير الأموال أو الموارد اللازمة للنشاط الاقتصادي سواء كان من الموارد الذاتية للشخص أو غيره والتمويل من الاخرين يسمى ائتمان ويقوم على نقل القدرة التمويلية من فئات الفائض إلى الفئات التى تحتاجه لاستخدامه في النشاط كما يمثل التأجير التمويلي نشاطا تمويليا لشراء معدات أو أصول رأسمالية بغرض التأجير وفيه يقوم المؤجر والذي يكون عادة إحدى المؤسسات المالية بتمويل شراء أصول مادية ومطلوبة بمعرفة شركة أو مؤسسة المستأجر وتؤجر إليه بعقد طويل الأجل غير قابل للإلغاء بحيث تغطي الدفعات الإيجازية خلال فترة التعاقد الأموال المدفوعة في الأصل أو المعدة والعوائد وهامش ربح يقترب إلى ما يسمى التغطية الكاملة لقيمة الأصول أي أن التأجير التمويلي أحد أنواع أعمال الوساطة المالية، وفيه لا يكون المؤجر منتجاً للأصل وإنما تتمثل وظيفته فى تقديم التمويل لشراء الأصل من المنتج لحسابه وباسمه ثم يؤجره إلى المستأجر، ويناسب هذا النوع من التأجير التمويلي بالمؤسسات المالية المختلفة كإحدى صيغ الاستثمار الإسلامي
ثانيا : أقسام عقود تطبيقات التأجير( Leasing)
يمكن التمييز بين مجموعات رئيسية من عقود التأجير تبعاً لآجل العقد والتزامات أطرافه كالتالي
* التأجير التشغيلي Operating Lease) )
عادة يكون لمدة تقل عن العمر الإنتاجي للعين المؤجرة ولا يتضمن حقاً للمستأجر بشراء العين عند نهاية العقد، كما أن المؤجر لا يلقى فيه عبء التأمين والصيانة والمسئوليات الأخرى المتعلقة بالعين المملوكة على المستأجر
* التأجير المقترن (البيع - التمويل) تأجير عين معينة لمدة من الزمن على أن تنتقل ملكية العين للمستأجر في نهاية مدة الإيجار وهذا النوع يماثل تماماً في طريقة احتساب القسط والإجراءات المالية والمحاسبية عقد البيع بالتقسيط مع حفظ حق الملكية من أهم خصائص هذا العقد أنه يراعى في تحديد أقساط الإيجار استرداد المؤجر تكلفة العين المؤجرة إضافة إلى هامش ربح وعائد أو فائدة على الرصيد المتبقي بعد سداد كل قسط وبالتالي فقسط الإيجار هنا يزيد عن قسط الإيجار التشغيلي لنفس العين المستأجرة
* التأجير المنتهى بالتمليك عقد تأجير العين مدة معينة ثم يقترن بها كشرط في العقد،يستهدف تمليك العين للمستأجر في نهاية مدة الإيجار أو خلالها تدريجياً سواء بثمن رمزي أو حقيقي أو مجانا.
* التأجير التمويلي (Finance Lease )
يوجد فيها ثلاثة أطراف فمنتج أو بائع للعين ومستأجر يرغب في تأجيرها ولكن المنتج أو البائع يريد الثمن الآن وليس معه وممول يشترى العين التي يرغبها المستأجر من منتجها ويؤجرها للمستأجر وهنا نرى أن دور المؤجر هو دور تمويلي بالدرجة الأولى وبالتالي سمى تأجيراً تمويلياً
ثالثا : الخصائص المميزة لتطبيقات التأجير التمويلي
عقد الإيجار التمويلي له خصائص مميزة عما يتشابه معه من عقود الإيجار الأخرى، حيث أنه عقد يجمع بين (التأجير - التمويل - البيع) ورغم أن كثيرا من الاقتصاديين يشملونه ضمن عقود الإيجار ما ترد مصنفة لدى نصوص القانون ومعايير المحاسبة التى تنظم تحديد حقوق وواجبات كل طرف من أطراف عقد التأجير التمويلي ثلاثة (بائع - ممول ومؤجر - مستأجر) وفيما يلى أهم هذه الخصائص :
* انتقال ملكية العين المؤجرة في نهاية مدة الإجارة إلى المشترى إما إلزاما بنص عقد الإيجار وإما بإعطاء المشترى حق الخيار بالشراء
* قسط الإجارة في التأجير التمويلي يكون أكبر من قسط الإجارة التشغيلية علي أن تحدد قيمة أقساط الإيجار خلال فترة التعاقد بما يغطى ويضمن للمستأجر استرداد رأسماله من الأموال المدفوعة للحصول على العين وعائد على الأموال المستثمرة فيه يتمثل في هامش ربح يغطي الرصيد المتناقص المتبقي في ذمة المستأجر
* تغطى مدة العقد القسم الأعظم من العمر الإنتاجي والانتفاع للعين المؤجرة، وبعضهم حددها بما يعادل ( 75% ) فأكثر من العمر
* لا يكون عقد تطبيق التأجير التمويلي قابلاً للإلغاء حتى يضمن المؤجر استرداد قيمة العين المؤجرة وإذا فسخ العقد قبل انتهاء مدة الإجارة بواسطة المستأجر كان عليه أن يدفع باقي الأقساط
رابعا : أطراف عملية تطبيق أدوات التأجير التمويلي
التأجير التمويلي أسلوب من أساليب التمويل يقوم بموجبه الممول المؤجر نحو المبادرة بشراء أصل رأس مالي يتم تحديد مواصفاته عن طريق المستأجر الذي يستلم هذا الأصل من المورد بعد معاينته شريطة أن يقوم بأداء قيمة إيجاريه محددة للمؤجر في فترات متتابعة ومحددة مقابل استخدام وتشغيل هذا الأصل ويمكنه شراؤه بعد سداده كامل الأجرة وهم ثلاثة إطراف:
(المؤجر) المؤسسة المالية التي تقبل تمويل عملية التأجير التمويلي والتي تتصف بالملكية القانونية للأصل موضوع الإجارة ( عقاري - منقول- مادي - معنوي ) موضوع التأجير فهي تقوم بنشاط مالي مخصص والمستأجر يتحمل كل الالتزامات المتعلقة بالأصل.
( المستأجر) الطرف الذي يسعي للاقتناء والحصول علي الأصل بأنواعه بالتفاوض مع المورد حسب المواصفات والسعر والتكاليف والوقت طبقا لاحتياجاته
( المورد ) الطرف الذي يسلم الأصل بأنواعه المطلوب من طرف المؤجر وفقا للمعايير والمواصفات المتفق عليها بينه وبين المستأجر
خامسا : المزايا والمنافع لتطبيقات التأجير التمويلي
يعتبر التأجير التمويلي فكرة حديثة لتجديد طرق التمويل سجل توسعا قويا وسريعا في الاستثمارات والمعاملات من قبل المستثمرين بسبب المزايا التي يوفرها تطبيقاته وهو عبارة عن تقنية للتمويلات تستخدمها كل من المؤسسات المالية سواء المصرفية وغير المصرفية مثل المؤسسات المتخصصة في التمويل والاستثمار وما ينعكس ذلك علي الاقتصاد الوطني وافرد والمجتمع ( مالك – مستأجر – مؤجر- مستثمر- مورد ) من المزايا التالية :
* تحسين ميزان المدفوعات في حالة استخدام التأجير التمويلي من خارج الحدود بما يساعد علي تصدير الآلات والمعدات والحصول علي العملات الأجنبية
* المنافسة بين مصادر التمويل يؤدي لانخفاض التكاليف للمشروعات الاقتصادية محليا وخارجيا بالإضافة لانخفاض تكاليف الشركات المتخصصة ونسب أرباحها العادلة عندما تقوم بعملياتها التمويلية والاستثمارية
* فرص إقامة المشروعات الاقتصادية الكبري باستخدام التمويل أكثر مرونة وتبسيطا للإجراءات
* يمثل التأجير التمويلي صيغة استثمارية جذابة لأنه يحقق عائداً تنافسياً على الأموال المستثمرة ومنافسا قويا للأساليب التقليدية التي تعتمد علي الفائدة
* وجود ضمان جيد للأموال المستثمرة يتمثل فى الأصول المؤجرة حيث أن ملكيتها تظل للمؤجر كما تستفيد من عوامل التضخم.
* إمكانية تحقيق وفورات ضريبة حسب النظم المتبعة من خلال خصم نسبة تمثل قسط إهلاك الأصول المؤجرة من أرباح المؤجر للوصول إلى الربح الخاضع للضريبة
* يمكن للمؤجرأن يحقق ربحية عالية جداً من القيمة المتبقية للأصل وخاصة فى ظل ظروف ارتفاع الأسعار المستمر او حالات التضخم .
* توفير تمويل كامل بنسبة (100 %) للأصول المؤجرة ، ومن ثم عدم استغراق المصادر التمويلية للشركة فى الأصول الثابتة.
* الحصول على الأصول المطلوبة وبأسعار اليوم، بخلاف الاعتماد على زيادة رأس المال لتمويل الشراء أو الاعتماد على الاقتراض من البنوك الربوية وخاصة فى حالة عدم استجابة سوق رأس لمال للطالب المتزايد على الأموال أو فى حالة وجود عوائق أمام المؤسسات المالية لمنح الائتمان .
* يوجد من الحالات ينقل فيها التأجير التمويلي مخاطرالقيمة المتبقية للأصل إلى المؤجر.
سادسا : القواعد الشرعية المنظمة لتطبيقات التأجير التمويلي
لقد نظمت الشريعة الإسلامية المعاملات المالية إنطلاقاً من مقصود الشريعة وهو تحقيق مصالح الناس الذي يعنى به تحصيل المنافع ودرء المفاسد، ولذلك بينت العقود في الشريعة الإسلامية على قواعد عامة مستقاة بالتطبيق على أدوات التأجير التمويلي تحقيق المنافع لإطراف المعاملة كما لعقد التأجير التمويلي لأنه يمثل تطوراً لأساليب وصور الائتمان المقترن بعمليات حقيقية، وبالنظر في الحاجة التى أدت إلى هذا التطور وتتمثل المنافع :
* الحد من مخاطر الائتمان بعدم إمكانية تحصيل الأقساط، ذلك أنه في البيع بالأجل والذي تنتقل فيه الملكية للمشترى يصعب على البائع استرداد السلعة أووجود حق له عليها عند الإفلاس، أما اقتران البيع بصيغة التأجير، فإنه قانوناً وشرعاً تظل ملكية العين المستأجرة في يد المؤجر وبالتالي إذا توقف العميل عن السداد يسترد المؤجر العين
* توافر جانب شرط عدم إلغاء العقد والتأمين ضد الإلغاء يضمن للمؤجر تحصيل جميع أقساط الأجرة حتى نهاية العقد.
* المزايا الضريبية حسب النظم المتبعة التى يحققها هذا النوع من التعامل للمؤجر فضلاً على الإعفاء الجمركي على الأعيان المستوردة بغرض التأجير.
* هذه الصيغة توفر للمستأجر الحصول على الأصول اللازمة لنشاطه بطريقة سهلة وبدون دفع مقدم كما في البيع بالتقسيط وبالتالي تمنحه ائتماناً بنسبة ( 100% ) من قيمة الأصل ويسدده من إيرادات استخدام الأصل.
* عدم وجود غرر أو جهالة أو ربا إن عقد التأجير التمويلي تتحقق فيه المعلومية لكل من عناصره فأقساط الأجرة معلومة والمدة معلومة والعين المؤجرة معلومة ولكن نظراً إلى أن جزءاً من قسط الإيجار يحسب بصفته فائدة على باقي الأقساط في ذمة المستأجر وأن سعر الفائدة يختلف من وقت إلى آخر فإنه توجد صورة للتأجير التمويلي ينص فيها على تحديد القسط طبقاً لسعر الفائدة الساري وقت احتسابه، ومن هنا يكون قسط الإيجار غير معلوم إذ أنه ينظر في تحديده دورياً في ضوء سعر الفائدة الساري مما يدخل فيه الغرر هذا فضلاً على احتساب فائدة كجزء من قسط الإيجار.
* التراضي الكامل بين طرفي المعاملة وما يقتضيه ذلك من عدم تضمين العقد شروطاً تنقص من الإرادة الحرة للمتعاقدين.