أسعار الفائدة السلبية تفقد قوتها
سياسة أسعار الفائدة السلبية هي أشبه قليلاً بسر دفين: جيدة إذا بقيت طي الكتمان، وأقل فاعلية عندما تُصبح معروفة بشكل كبير.
يُمكن العثور على روّاد هذه السياسة غير التقليدية في أوروبا، حيث استخدمتها سويسرا والسويد والدنمارك في الأعوام الأخيرة لمعالجة مجموعة من المخاوف المترابطة: ارتفاع العملات غير المرغوب، وضعف النمو، وانخفاض معدل التضخم، وتدفّقات رأس المال الداخلة.
البنك المركزي الأوروبي انضم إلى الحفلة في عام 2014، في حين إن بنك اليابان هو أحدث مُعتنق للفكرة، بإعلانه عن سعر فائدة سلبي مُفاجئ الشهر الماضي.
باعتبارها أداة من أدوات البنك المركزي، تأتي أسعار الفائدة السلبية من المجموعة نفسها من الأدوات التي من شاكلة برنامج التسهيل الكمي، التي تهدف إلى تخفيف الشروط النقدية بدون الحاجة إلى الدفع من أجل شراء الأصول.
سياسة أسعار الفائدة السلبية تبدو محاولة متعمّدة لإدارة أسعار صرف العملات، لكن هل تؤدي فقط إلى الكشف عن عدم وجود خيارات متاحة أمام البنوك المركزية؟
الفكرة هي أن سياسة أسعار الفائدة السلبية، أو برنامج التسهيل الكمي، ينبغي أن تؤدي إلى خفض قيمة العملات لأنها تدفع المستثمرين للبحث عن أصول ذات عوائد أفضل في أماكن أخرى.
هذا أمر أكثر ترجيحاً عندما يكون هناك عدد من العوامل موجودا: علامات على نمو ملموس في الخارج، وعملة ذات قيمة مُبالغ فيها، وتشغيل البلاد التي تطبق سياسة أسعار الفائدة السلبية عجزا في الحساب الجاري.
هناك علامات قليلة للغاية عن تلك الظروف لجعل سياسة أسعار الفائدة السلبية في البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان فعّالة. كل منهما يُشغّل فوائض كبيرة في الحساب الجاري، وآفاق نمو الأسواق الناشئة محدودة، وعملاتها ارتفعت مقابل اتجاه سلمي على نحو متزايد من الاحتياطي الفيدرالي الذي يهدف إلى إضعاف الدولار.
يقول تشارلز سانت أرنو، مختص استراتيجية صرف العملات الأجنبية في شركة نومورا "إعادة تسعير التوقعات بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي كانت كبيرة جداً بحيث تبيّن أن الفرق في أسعار الفائدة لمصلحة الدولار بشكل أقل بكثير، تاركاً بعض العملات مع أسعار فائدة سلبية لرفع قيمتها".
ويقول سيمون ديريك من "بي إن واي ميلون"، إذا كان هدف البنك المركزي الأوروبي من سياسة أسعار الفائدة السلبية هو الحصول على عملة أكثر قدرة على التنافس، فقد "حصل على ما أراد"، على الأقل في البداية.
لقد تم إدخال سياسة أسعار الفائدة السلبية من قِبل البنك المركزي الأوروبي في حزيران (يونيو) 2014 عندما كانت قيمة اليورو نحو 1.37 دولار، وأسهمت في إضعاف اليورو إلى مستوى منخفض وصل إلى 1.05 دولار في آذار (مارس) 2015. لكن اليورو أصبح أقوى منذ ذلك الحين بنسبة 7 في المائة، على الرغم من زيادة تخفيض تسهيلات الودائع في كانون الأول (ديسمبر).
في كل مرة تظهر فيها مخاطرة، مثل أزمة اليونان أو صدمات سعر صرف العملات في الصين في آب (أغسطس) وكانون الثاني (يناير)، تلجأ السوق إلى عملات الملاذ، مثل اليورو أو الين.
وتعمل أسعار الفائدة المنخفضة أيضاً على تعزيز المشاعر السلبية، ولهذا السبب اعتماد بنك اليابان سياسة أسعار الفائدة السلبية بدأ بشكل سيئ للغاية. فقد تراجع الين لفترة وجيزة فقط بعد الإعلان عن سياسة أسعار الفائدة السلبية، وبمجرد انخفاضه في الأسواق ستبرز عوامل عديدة ترفع من قيمته أعلى مما تستطيع سياسة بنك اليابان إبطاله.
قوة الين غير المرغوبة أوصلته الأسبوع الماضي إلى حدود 110-112 يناً مقابل الدولار. ووفقاً لمختصي استراتيجية الأسهم في شركة دايوا للأوراق المالية، فإن فترة طويلة بسعر 110 ينات من شأنها إنهاء نمو الأرباح على نحو فعّال بالنسبة إلى الشركات في مؤشر توبيكس.
في الوقت نفسه يجري اختبار الثقة ببنك اليابان. فقد فوجئ أولريش لوشتمان، رئيس أبحاث صرف العملات الأجنبية في كوميرزبانك، بانخفاض توقعات العملاء اليابانيين للسياسة التوسعية في بنك اليابان.
يقول "إذا لم يتوقع أي أحد سياسة نقدية توسّعية للحصول على تأثير تضخمي على المدى المتوسط إلى البعيد، فإن تأثير أسعار صرف العملات لهذه التدابير سيخف".
على الرغم من أن عددا من مختصي استراتيجية صرف العملات الأجنبية ما زالوا يعتقدون أن الين يُمكن أن يرتفع إلى 120 ينا في غضون عام، يتوقع عدد قليل منهم أن يتلاشى التقلّب في الأسابيع المقبلة.
في الوقت الحالي البنوك المركزية ستخضع وتوسّع استراتيجيات سياسة أسعار الفائدة السلبية فيها. وبإمكانها الذهاب إلى مستوى منخفض يصل إلى ناقص 4.5 في المائة في منطقة اليورو، كما يقول "جيه بي مورجان"، وحتى ناقص 1.3 في المائة في الولايات المتحدة.
لكن كلما فعلت هذا أكثر، يزيد تلاشي سياسة أسعار الفائدة السلبية باعتبارها سلاحا. يقول ديريك "مع تحوّل المشاعر إلى سلبية أكثر وانتقال البنوك المركزية الأخرى نحو أسعار فائدة سلبية، من الواضح أنها تخسر فعاليتها".
لقد تفاقمت عمليات البيع المُكثّف الأسبوع الماضي في أسهم القطاع المالي الياباني بسبب مخاوف من أن سياسة أسعار الفائدة السلبية ستجعل من الصعب على المصارف والسماسرة توليد الدخل.
الأسوأ من ذلك، يقول ماسافومي ياماموتو، كبير مختصي استراتيجية العملات في شركة ميزوهو للأوراق المالية، "إن عمليات البيع المُكثّفة للأسهم تلك تُخاطر بزيادة الضغط على الين لدرجة أنها يُمكن أن تجعل من الصعب على بنك اليابان المضي قُدماً في مزيد من خفض أسعار الفائدة".
ليس فقط سياسة أسعار الفائدة السلبية هي التي تخسر قوتها. كذلك أيضاً، هي أسس السياسة، في البنوك المركزية نفسها.
في "حلقة مفرغة" من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية التي تؤدي إلى رد فعل الاحتياطي الفيدرالي لوقف تطبيع أسعار الفائدة أو حتى عكسها، يجب أن تُدرك البنوك المركزية، كما يقول سانت أرنو، أن السياسة النقدية تفشل في توليد التضخم.
ويضيف "ربما حان الوقت لصنّاع السياسة لمعالجة جذور المشكلة بدلاً من مجرد معالجة الأعراض".
(المصدر: فاينانشال تايمز 2016-02-20)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews