لماذا تم اللجوء إلى الفائدة السلبية في اليابان؟
كل من يودع مالا بهدف الادخار يتوقع دائما أن يحصل على عائد من هذا الادخار في المصارف التقليدية، إذ إن العادة جرت على أن المصارف التقليدية تقدم حسابات ادخارية لتشجع العملاء على ادخار أموالهم مقابل عائد ثابت يسمى الفائدة، ما هو غريب اليوم أن نسمع مثلا أن البنوك المركزية تأخذ مالا على الإيداعات لديها بدلا من أن تقدم عائدا للمودعين، وهذا ما يمكن أن يوصف بأنه فائدة سلبية وهو ما عمد إليه البنك المركزي الياباني، حيث أعلن أن معدل الفائدة على الودائع هو 0.1 في المائة في خطوة فاجأ بها "المركزي الياباني" الأسواق، ما يعني أن البنك المركزي الياباني سيفرض على بعض ودائع المصارف لديه عمولة مقابل إيداع هذه المبالغ لديه.
هذا الإجراء ليس الإجراء الأول من نوعه فقد كانت هناك تجارب سابقة في أوروبا خصوصا في السويد والدنمارك، في عامي 2009 و2010 في السويد وفي عام 2012 في الدنمارك وذلك بهدف الحد من تدفق الأموال الساخنة للبلاد بما يضر بالاقتصاد. وقبل أشهر مضت أعلن البنك المركزي السويسري إجراء مماثلا بتغيير معدل الفائدة ليكون سلبيا، بهدف الحد من ارتفاع العملة مقابل اليورو الذي شهد انخفاضات خلال الفترة الماضية وذلك لإبقاء تنافسية السلع السويسرية.
والسؤال هنا: لماذا تلجأ البنوك المركزية إلى الفائدة السلبية؟
الحقيقة أن هذا السؤال له أكثر من جواب بحسب الحالة لتي يمر بها اقتصاد تلك البلاد, ففي حالة السويد والدنمارك وبحسب ما ذكر موقع إنفستوبيديا www.investopedia.com، أن السبب هو الحد من تدفق السيولة الساخنة التي يمكن أن تضر بالاقتصاد، إذ إن أحد المحفزات التي تدفع السيولة إلى شراء عملة محددة هو أن الفائدة تكون مرتفعة على تلك العملة مع تحسن الاقتصاد وبالتالي سيكون العائد على الاستثمار في الإيداعات عاليا ويشجع ذلك على شراء العملة وبالتالي ارتفاعها في السوق، وهذا الإجراء إذا ما تم بطريقة غير محسوبة فإنه قد يضر بالاقتصاد، ولذلك قد تلجأ البنوك المركزية إلى تخفيض الفائدة للحد من الطلب على العملة.
من الأسباب التي تدفع إلى الفائدة السلبية هو الحد من ارتفاع قيمة العملة الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكلفة صادرات الصناعة في اليابان وبالتالي عدم قدرتها على منافسة الشركات الأجنبية الأخرى ما يؤثر في الاقتصاد بصورة كبيرة، و"المركزي الياباني" لجأ إلى هذه الخطوة من أجل الخروج من حالة الكساد التي يشهدها الاقتصاد الياباني، فالفائدة السلبية لها آثار أخرى تتمثل في تشجيع المصارف على الإقراض بتكلفة منخفضة، حيث يتم الإقبال بصورة أكبر على القروض، وبالتالي تنشيط الاقتصاد وتشجيع - في الوقت ذاته - المستثمرين على الاستثمار بدلا من إيداع الأموال في المصارف التي سيؤدي إيداعها إلى تناقصها بسبب الفائدة السلبية، فالخيار الأفضل هو استثمارها وهو ما يشجع على تنشيط الأسواق المالية سواء الأسهم أو السلع والمعادن، كما يشجع على الإنفاق بصورة أكبر للخروج من حالة الكساد.
لكن نجد في المقابل أن بعض المختصين يرى في مثل هذا الإجراء آثارا سلبية على الاقتصاد، إذ إنه يؤثر بصورة كبيرة في المصارف وعوائدها ويؤدي إلى هروب الاستثمارات بسبب عدم وجود محفزات لشراء العملة، وبالتالي تنخفض قيم الأصول المقيمة بتلك العملة كالين على سبيل المثال في حالة اليابان، وهي حالة مخالفة لما هو معروف في الاقتصاد، ويرى البعض أنها تعتبر إجراء غير مسبوق تاريخيا ولذلك ستبقى الاحتمالات السلبية واردة.
ترد في مثل هذا الموضوع قضية مهمة من الممكن أن يتناولها الفقهاء في هذا المقام خصوصا بعد أن أصبحت اليوم واقعا ممارسا وهي: ما الحكم في مسألة الفائدة السلبية؟ وهل يجري عليها ما يجري على معدل الفائدة الإيجابي أم لا؟ والحقيقة أن هذه الحالة هي من غرائب الاقتصاد المعاصر، ولو أنها حققت نتائج إيجابية في حالة اليابان ـــ باعتبارها عملاقا اقتصاديا تأتي في المرتبة الثالثة عالميا ـــ سيؤدي باقتصادات أخرى إلى تطبيق هذه التجربة من أجل تنشيط الاقتصاد ولعله من الممكن أن يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات قد تكون مشابهة للخروج من حالة الكساد التي يعيشها حاليا.
فالخلاصة أن الفائدة السلبية إجراء استثنائي عالميا له أهداف متعددة باعتبار حالة الاقتصاد ولعل الكساد الذي حصل في اليابان جعل "المركزي الياباني" يغيّر معدل الفائدة إلى أن يكون سلبيا من أجل تنشيط الاقتصاد، والحد من ارتفاع العملة اليابانية للحفاظ عل تنافسية منتجات اليابان في مقابل منتجات الدول الأخرى.
(المصدر: الاقتصادية 2016-05-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews