البنوك المركزية لا تزال تمتلك قوة نارية ضاربة
يمكن للبنوك المركزية خلق المال. وهذا يعطيها القدرة على تحريك الأسواق – وتُحرك معها، معدلات التبادل التجاري بين التكتلات الاقتصادية في العالم - باستخدام بضع كلمات فقط.
إنها تُعَظِّم قوتها من خلال التحكم في التوقعات. ليست أفعالهم فقط هي المهمة. إنها تمارس قوتها في نهاية المطاف من خلال المستويات التي وضعتها الأسواق - لأسعار الصرف، وأسعار السلع، وعائدات السندات. والأسواق تميل إلى أن تقفز عند سماعها للأخبار. ذلك ما يساعد البنوك المركزية، عندما تكون بحاجة لدفعة، لكنه يخلق مشكلات عندما ترغب في الهدوء.
في الأسبوع الماضي قدم اثنان من البنوك المركزية أمثلة بارعة في إدارة التوقعات. يوم الأربعاء في الولايات المتحدة، أوقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي عملية شراء السندات (المعروفة باسم "التسهيل الكمي") دون ظهور ولو همسة تدل على الاستياء ـ كان قد تم إعداد الأسواق وكانت هادئة.
ويوم الجمعة بدأ بنك اليابان بما هو العكس؛ صعَّد في عملية شرائه للسندات، النشطة أصلاً، وأخذ السوق على حين غرة تماما. وشراء السندات وسيلة لإجبارها على خفض عائداتها، وإضعاف العملة، لأن الأجانب سيكسبون أقل من إيداع أموالهم هناك. وهذا يساعد المصدرين الذين يعتبرون مهمين بالنسبة لاقتصاد اليابان.
على المدى القصير، يحصل كلا البنكين على كل ما يريده. فلا تزال أسعار الفائدة الأمريكية منخفضة جدا، لكن لم يعد ذلك يشير إلى الذعر الاقتصادي الذي كانت عليه في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، عندما انخفض العائد على السندات لأجل عشر سنوات لفترة وجيزة إلى 1.86 في المائة ـ الآن 2.3 في المائة. وبالطبع فقد بلغ مؤشر ستاندرز آند بورز 500 للأسهم أعلى مستوياته، بعد رحلة ذهاب وإياب لا يستهان بها. فخلال خمسة أسابيع انخفض بنسبة 9.8 في المائة، ثم ارتد بنسبة 10.8 في المائة.
أما بالنسبة لليابان، فقد أبعد بنك اليابان الين بنجاح إلى مخزن الحطب وأطلق عليه رصاصة بين عينيه. وهو الآن في أدنى مستوياته مقابل الدولار منذ الأسبوع الأول من عام 2008. وانخفض بنسبة 32 في المائة منذ عام 2011. وتتواصل ترجمة الين الضعيف مباشرة في سوق الأسهم اليابانية الأقوى.
ويشتم من إجراءات البنك الياباني رائحة الاستماتة. كان ذلك مفاجأة عالمية تقريبا، إذ تمت الموافقة عليها بأغلبية 5-4 في مجلس المحافظين. والدولار القوي، بفضل نهاية التسهيل الكمي في الولايات المتحدة، هو الآن أعلى 10 في المائة عما كان عليه في الصيف في مقابل شركائه التجاريين الرئيسيين، ما يشكل تحولا كبيرا في معدلات التبادل التجاري – يفترض فيه أن يزيل الضغط عن بنك اليابان، بينما التضخم الأساسي الياباني الذي يبلغ حاليا أعلى مستوياته منذ عقدين من الزمن، كان يتحرك أيضا في الاتجاه الصحيح.
لكن التضخم الياباني ارتفع بسبب ضريبة الاستهلاك التي فرضت في وقت سابق من هذا العام. التضخم الأساسي الكامن جعل بنك اليابان يشعر بأنه مضطر للتصرف. وبسبب أخذه السوق على حين غرة، أكسب الين ضجة أكثر بكثير.
وكما يظهر من الاستجابة في أسعار الأسهم، فإن الأسواق تفضل التسهيل الكمي، لكن المنظور الأوسع مقلق. التحولات الحادة في العملات تعد أمرا محفوفا بالمخاطر، خاصة عندما يحاول كثير من البلدان المختلفة ممارسة الحيلة نفسها في الوقت نفسه. والرسالة من سعر الذهب الذي يعتبر الآن في أدنى مستوى له منذ عام 2010، بانخفاضه 39 في المائة عن ذروته في عام 2011، هي أيضا مثيرة للقلق. إنها تشير إلى أن المخاوف من تجدد طباعة المال عن طريق البنوك المركزية، التي ستعمل على تحفيز التضخم، قد انحسرت - لكن فقط ليحل محلها اعتقاد بأنه لا يمكن للبنوك المركزية تجنب الركود والانكماش. والدولار والاقتصاد الأمريكي ليسا مجرد الأقوى في مجموعة من الضعفاء: يشير سعر الذهب إلى أن المتداولين يتوقعون تعزيز قيمة العملة الورقية مقابل الأصول الثابتة - وهو ما يعني الانكماش.
وهناك قرار من قبل بنك مركزي لا يكترث به الناس كثيراً، البنك المركزي الروسي، يظهر المزيد من المخاطر في روسيا المعتمدة على صادرات الطاقة. فقد أدى سعر النفط المنهار إلى انهيار الروبل الذي انخفض بنسبة 24 في المائة مقابل الدولار هذا العام. وهذا يثير خطر التضخم المتأصل، الذي يبلغ الآن أعلى من 8 في المائة. لذلك رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة 1.5 نقطة مئوية يوم الجمعة لتصل إلى 9.5 في المائة، ما دفع إلى طفرة وجيزة في الروبل - لكنها انعكست على الفور.
وفي الوقت نفسه تم إضعاف عملات الأسواق الناشئة "الهشة" مع ارتفاع العجز في الحساب الجاري مرة أخرى، كما فعلت عندما استعد بنك الاحتياطي الفيدرالي أول مرة لوضع حد للتسهيل الكمي العام الماضي.
وهذا الأسبوع يأتي دور البنك المركزي الأوروبي الذي حاول تجنب شراء الأصول الكبيرة، لكن الضغط عليه يزداد. وكان الدافع وراء تخويف تشرين الأول (أكتوبر) في جزء كبير منه بسبب الخوف من أن البنك المركزي الأوروبي لن يفعل ما كان متوقعا منه، ويشتري السندات. ماذا سيفعل الآن؟
ونوبات الاضطراب في السوق تنذر بالقلق، حتى لو انعكس ذلك سريعا. لقد أظهر الأسبوع الماضي قوة البنوك المركزية في تحريك الأسواق. لكن الارتفاع المتواصل لسوق الأسهم في الولايات المتحدة يعد رهانا خطيرا ومكشوفا على أن البنوك المركزية يمكن أن تحوّل ليس الأسواق فحسب - الجميع يعرف أنها تستطيع أن تفعل ذلك - ولكن أيضا الاقتصاد العالمي.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2014-11-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews