المستثمرون يركزون على حدود صلاحيات البنوك المركزية
ما حدود صلاحيات البنوك المركزية؟ عاد السؤال بعد قرارات أخرى من أكبر البنوك المركزية في العالم تميل أكثر من قبل نحو تجارب غير مسبوقة، ليتم استقبالها باستجابة سوق تبدو مُعاكسة لما كان متوقعا. في آخر دَفعة من هذه الإجراءات، البنك المركزي الأوروبي، الذي كان رئيسه ماريو دراجي قد وعد بالفعل "بهيمنة نقدية"، تمكّن من مفاجأة الأسواق بحزمة نقدية ذهبت أبعد مما كان متوقعاً.
قرر البنك ثلاثة أشياء. أولاً، زاد من عمليات شراء الأصول "المعروفة على نطاق واسع باسم التسهيل الكمي"، ووسّعها لتشمل سندات الشركات غير المصرفية. هذه محاولة لإجبار الناس على شراء الأصول الخطرة، وكانت قد نجحت في أماكن أخرى، ولا سيما في الولايات المتحدة، حيث غذّى برنامج التسهيل الكمي سوقا صاعدة لفترة طويلة. الفكرة هي خلق "تأثير الثروة" - لأن الناس الذين يحتفظون بالأصول يُصبحون أكثر ثراء، بالتالي يشترون مزيدا من الأشياء.
ثانياً، خفّض أسعار الفائدة أكثر، على الرغم من أنها كانت سلبية أصلا. أسعار الفائدة المنخفضة تجعل النقود والاقتراض أرخص، وبالتالي ينبغي أن تُحفزّ الاقتصاد. جنباً إلى جنب مع أسعار الأصول الأعلى لبرنامج التسهيل الكمي والعوائد المنخفضة، هذا ينبغي أن يُضعف العملة "لأن الأموال الدولية تميل إلى التدفق إلى حيث يُمكن أن تكسب أسعار فائدة أعلى".
أخيراً، قدّم البنك المركزي إلى المصارف قروضا جديدة تجعلها تُخفّض تكاليف الاقتراض، وذلك في تدبير لدعم دائنيه. إلى الدرجة التي تكون فيها المصارف المُتعثّرة لا تُقدّم الائتمان وتتحمّل المخاطر اللازمة لتعزيز النمو، فإن هذا ينبغي أن يُساعد الاقتصاد. بشكل عام، هذه كانت حزمة جذرية ارتقت إلى مستوى تصريحات دراجي في وقت مبكر. ويُمكن القول "إنها أعقبت مفاجأة أكبر بكثير في كانون الثاني (يناير)، عندما لجأ بنك اليابان إلى أسعار الفائدة السلبية بشكل حاد في الوقت الذي شدد فيه على إمكانية الذهاب أبعد من ذلك".
علاوة على ذلك، كثير من صلاحيات البنوك المركزية تكمُن في القدرة على التعامل مع التوقعات، وعلى محاولة الأسواق الاستجابة لما تتوقع حدوثه في المستقبل. بالتالي، من المهم أن دراجي قال "إنه لا يتوقع مزيدا من خفض أسعار الفائدة".
الاستجابة كانت واضحة في جميع جوانب السوق. تراجع أولي في اليورو تبعه ارتفاع حاد بمجرد أن أعرب دراجي عن أفكاره فيما يتعلق بمستقبل أسعار الفائدة. هذا صمد إلى حد كبير. اليور، الذي تم تداوله أخيرا بسعر 1.05 دولار، هو الآن أقرب إلى 1.12 دولار.
السوق قد تُغيّر رأيها مرة أخرى. لكن كما هي الحال، هذا أمر مماثل للغاية لاستجابتها إلى قرار بنك اليابان قبل ستة أسابيع. خطوة كان ينبغي أن تُخفض العملة بشكل مباشر أدت بدلاً من ذلك إلى تعزيز الين بشكل دائم. فهو يبلغ الآن نحو 112 ينا للدولار، مقابل 118 ينا قبل أن يتخذ بنك اليابان قراره، بعد وصوله أخيرا إلى ذروة بلغت 125 ينا.
ما نفهمه من كل هذا هو أننا نصل إلى حدود صلاحيات البنوك المركزية. "تأثير الثروة" لبرنامج التسهيل الكمي لم يكن يملك أبداً تأثيراً كبيراً، سواء منحا أو أخذ علامات محيّرة للنمو في الولايات المتحدة. قرارات بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي استخدام ما هو أكثر من برنامج التسهيل الكمي، وخطواتهما لشراء فئات أصول جديدة، نظر إليها المستثمرون على أنها تبين أن حدود برنامج التسهيل الكمي تقترب؛ ببساطة لم تعد هناك أي أصول كافية لشرائها.
في الوقت نفسه، أسعار الفائدة السلبية تُلحق الضرر بأرباح المصارف. إذا كانت المصارف ضعيفة وبحاجة إلى الدعم من أجل معالجة ديونها، عندها يُحتمل أن يكون هذا أمراً كارثياً. إذن الدرس الذي استخلصته السوق هو أن أي نظام مصرفي ضعيف، كما في اليابان أو أوروبا، يُقيد إلى أي مدى يُمكن أن تصل أسعار الفائدة السلبية.
أطلق البنك المركزي الأوروبي مُساعداته إلى المصارف للتصدّي لهذا الأمر. نظامه المصرفي دخل الأزمة المالية وهو أكثر تضخماً حتى من المصارف الأمريكية. وتحتفظ البنوك المركزية بكثير من الصلاحيات لتجنّب انهيار النظام المصرفي. لكن من الصعب النظر إلى هذا باعتباره أداة يُمكن أن تدفع النمو الاقتصادي. المكان الذي يتركنا فيه هذا هو ما وصفه محمد العريان في كتابه الجديد بـ "تقاطع T". صلاحيات البنوك المركزية لإبقاء الاقتصاد ثابتاً، بدون مساعدة من السياسة المالية العامة أو الإصلاحات الهيكلية، تصل إلى نهايتها. المستقبل ثنائي: إما أن يجد الاقتصاد بريقه أخيراً، وإما أن ينتكس ويتبيّن أنه تم تأجيل تأثير أزمة عام 2008. يصر العريان على أن صنّاع السياسة ليسوا عاجزين. السياسة المالية المُهيكلة جيداً والإصلاحات الهيكلية، التي كانت غير موجودة، ستكون مفيدة للغاية. بالنسبة إلى المستثمرين، يُعتبر اقتراحه متوقّعاً. المكافآت للاحتفاظ بالنقود لم تكُن أبداً ضئيلة أكثر من ذلك، لكن ينبغي لنا الاحتفاظ بها. هذا يمنحنا مرونة إذا حدث الأسوأ، إضافة إلى المرونة للنشر الفوري في المجالات الواعدة إذا نجح الوضع بشكل جيد.
هذه نصيحة جيدة. أود أن أُضيف سببا آخر للتحول إلى النقود في الولايات المتحدة، حيث سوق الأسهم الصاعدة التي تبعت أزمة الائتمان احتفلت بعيدها السابع الأسبوع الماضي. الارتفاع في الأسابيع القليلة الماضية خلق فرصة بيع رائعة. الأسهم الأمريكية مُكلفة وتوقعات أرباحها تتراجع، لذلك فإن النقود لها جاذبيتها.
على الرغم من المظاهر، من المحتمل أنه لم يتم الوصول بعد إلى حدود صلاحيات البنوك المركزية. لكن الحيازات النقدية هي بمثابة تأمين جيد.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2016-03-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews