فرصة التداول خارج المنصة OTC والتحول الاقتصادي الكبير
منذ سنوات كتبت عن أهمية بقاء هيئة السوق في دورها كمنظم ومراقب للسوق، وتحدثت عن استقلالها وأن تعمل بجهد على ضمان تدفق معلومات كافية إلى جميع الأطراف، ولكن يجب ألا يتحول ذلك إلى وصاية على المستثمرين، يجب أن نضمن حرية اقتصادية كاملة ومعلومات وافية وصادقة تضمن تنفيذ العمليات الاقتصادية بطريقة متكافئة.
وحلا لكثير من الإشكاليات التي كنت أتوقعها طالبت منذ ذلك الحين بأن يتم تقسيم السوق وإنشاء سوق موازية يتم فيها تداول أسهم الشركات التي لا تنطبق عليها الشروط كاملة، أو التي تتعرض لمشكلات مالية، كتبت في هذا حتى مللت الكتابة في السوق المالية كلها فتوقفت.
وخلال هذه المدة ظهرت مشكلات كبيرة في شركات عدة لم تكن "بيشة" أولها ولا "وقاية" ستكون آخرها، كلها تشير إلى مشكلة واحدة هي الإصرار على تطبيق الوصاية على قرارات الناس، الوصاية باسم الحماية، فتم تعطيل تداول الأسهم لهذه الشركات، ولمدد تجاوزت أربع سنوات لبعض الشركات، فلا هي تحولت إلى نوع آخر من الشركات ولا تم تصفيتها، وكل ما أنجزناه هو منع الناس من ممارسة حقهم القانوني في بيع الأسهم وتداولها، فأصبحت الشركات مساهمة مع وقف التنفيذ.
وبينما تمت عمليات بيع لصفقات كبار الملاك خارج السوق بقي الصغار تحت الوصاية والمنع من ممارسة هذا الحق، ولا تبرير لذلك سوى فرض الوصاية على الناس. ثم أخيرا تم تحرير السوق وفتح المجال لما يسمى التداول خارج المنصة، OTC، وهي وللحق قفزة كبيرة في السوق السعودية نحو تحقيق مفاهيم أوسع في الحرية الاقتصادية للناس، وسيكون لها ما بعدها إن نحن أحسنا استغلال هذه الفرصة وهذه الوسيلة.
قد قلتها مرة وأعيدها الآن يجب ألا نتحول من حماية الناس إلى حماية الهيئات والوزارات، هذا شرط أساسي لأي اقتصاد حر. فالكثير من القرارات التي ظاهرها حماية الناس هي في جوهرها حماية الوزارة والوزير، هي قرارات كارثية. ذلك أننا (كثقافة عامة متأصلة) كلما ظهرت مشكلة من باب فإن أفضل وأقصر حل لها هو إغلاق الباب، ولا يهم من سيبقى في الخارج، المهم أن ترتاح المؤسسة ويرتاح معاليه من هذه المشكلة. إنها القاعدة الفقهية المشهورة (سد الذرائع) هناك مشكلة غلق الباب دونها. وهناك الكثير من الأمثلة التي لا حصر لها حول ممارسات الحد من الحرية الاقتصادية، التي قادت المملكة اليوم إلى أن تتراجع في التنافسية العالمية.
قاعدة سد الذرائع، هي التي جعلتنا نصر تماما على خنق سوق العمل بـ"نطاقات" حتى نحل مشكلة البطالة بفرض وصاية على السوق وإجبارها على التوطين دون مراعاة مستوى التنافسية في سوق العمل وعدالتها، وما زلت أشك أن "نطاقات" سينجح بالقوة، التي إن استمرت اليوم فمن يضمن بقاءها غدا، وسنبقى كذلك حتى نعود إلى المفاهيم الاقتصادية البحتة وليس إلى القرارات الحمائية لنعالج مشكلة التنافسية في السوق. "سد الذرائع" هي التي تجعل وزارة التجارة تعتقد أن مشكلاتنا مع التجار ستحل بمجرد إصدار القرارات حتى وإن تم مراقبتها ليلا ونهارا. إنها الوصاية التي أوصلت مشكلة "المتكاملة" إلى هذا الحد، وهي التي جعلت "هيئة الاتصالات" تمارس دور وزارة التجارة.
الاقتصاد الحر ومفاهيم المنافسة هما اللذان سيحلان معظم الإشكاليات، المهم أن نضمن تدفقا صحيحا للمعلومات إلى السوق والمهم قبل هذا أن يكون لدينا فعلا معلومات. وأن يتم فتح السوق تماما ومن منابعه أمام المستثمرين وأن نشجع الناس صغيرهم وكبيرهم على الاستثمار، هذا وحده سيعاقب كل من يتجه إلى التلاعب بالأسواق حيث ستكون الأسواق له بالمرصاد، وليس القرارات العقابية فقط. لقد ظهرت مشكلاتنا الاقتصادية - وستظل هكذا - كلما أغلقنا الأسواق بحجج واهية مثل تقنين حجم السوق، الجودة، المساحات التي يجب أن يعمل بها المشروع، المواقع التي يجب أن يستأجرها، وإذا كان بعضها له علاقة بالصحة والبيئة فإن الكثير منها ليس له هدف سوى إغلاق السوق بهذه الشروط. تغلق الأسواق في كثير من الحالات بسبب ضخامة الاستثمارات المطلوبة لها، وهنا يأتي دور منصة التداول خارج السوق لحل هذه الإشكاليات. وهنا بيت القصيد.
فمشروع التداول خارج المنصة، OTC، هو أهم مشروع اقتصادي يمكن لنا العمل من خلاله في هذا العقد والعقد الذي يليه. نعم أقولها بكل ثقة، هذا هو الحل السحري لكثير من المشكلات. لكن بشرط أن نضمن الحرية الاقتصادية. فيجب أن يتحول التداول خارج المنصة إلى سوق فعلية، يمكن لأي شخص لديه مشروع متوسط أو حتى إن كان صغيرا وناجحا أن يرفع هذا المشروع على هذه المنصة، من أجل الاستفادة من السوق في الحصول على تمويل ضخم يقود مؤسسته إلى أن تصبح مؤسسة كبيرة قادرة على المنافسة وبسرعة، فهذه السوق ستعمل كرافعة اقتصادية تنقل الشركات المتوسطة وحتى الشركات الكبيرة التي تريد الحصول على تمويل رخيص من أجل بناء توسعات ضخمة والفوز بحصص أكبر في السوق وتحقيق اختراق للاحتكارات القائمة. ولي عودة إلى هذا الموضوع في مقال قادم.
( الرياض 2014-09-07 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews