الاقتصاد السعودي بعد تداول سهم «المعجل» خارج المنصة

من خلال متابعة مميزة أكدت "الاقتصادية" نجاح تداول سهم شركة المعجل خارج المنصة، وقد تذبذب سعر السهم كثيرا في اتجاه هابط. بالتأكيد فإن من اشترى السهم يعي تماما كل المخاطر التي تحيق بالشركة، وعليه ألا يلوم أحدا، فقد كان أمامه أكثر من 160 شركة متداولة يوميا في سوق مفتوحة يستطيع أن يبيع أسهمه فيها في أي وقت، فإذا خرج من هذه السوق وقام بشراء سهم خارج المنصة فلن يتمكن من بيعه إلا بعد مدة وبإجراءات طويلة نسبيا، فهذا هو قراره وهذه هي أمواله وهو أعلم بها، وهذه هي روح الاقتصاد الحر. حتى أولئك الذي قرروا التخلي عن السهم يدركون أهمية هذا القرار ومستقبل الشركة التي تخلوا عنها.

حققت هيئة السوق المالية قفزة مهمة بلا شك عندي عندما صنفت الشركات في السوق بحسب خسائرها، حيث أصبح على الشركات التي تحقق خسائر أكثر من 50 في المائة وأقل من 75 في المائة أن تواجه علامة اللون الأصفر، وأن تعلن عن خطوات لتعديل وضعها، كما يجب عليها أن تعلن عن قوائم مالية كل شهر، وهذا مكلف بلا شك، وعلى الشركات التي حققت خسائر أعلى من 50 في المائة وأقل من 100 في المائة أن تواجه مشكلة تأخير تنفيذ المقاصة بيوم واحد إضافة إلى الشروط التي تتعلق بنشر القوائم المالية كل شهر وشروط أخرى. ومع ذلك فإن أهم خطوة قامت بها هيئة السوق هي السماح للشركات بالتداول خارج المنصة إذا تعدت خسائرها 100 في المائة من رأس المال، وهي خطوة قلت في حينها إنها أهم خطوة قامت بها هيئة السوق منذ إنشائها، بل لعلها أهم خطوة اتخذها الاقتصاد السعودي في هذا القرن إذا أضفنا إليها خطوة السوق المالية نفسها.

فمنذ مشكلتي إيقاف شركتي بيشة وأنعام القابضة "مواشي مكيرش حينها" وأنا أتحدث عن مشكلة نظامية خطيرة، فمن له الحق نظاما في منع المساهمين من بيع أسهمهم، وهم الذين وضعوا أموالهم في شركة مساهمة عامة طوعا ونظاميا، لقد قلت في ذلك الحين إنه ليس لهيئة السوق المالية ولا لغيرها الحق في منع أي فرد من بيع أسهمه في الشركة المساهمة إلا بحكم قضائي، وأن إيقاف السهم عن التداول في المنصة الرئيسة لا يمنع الحق في بيعه بأي طريقة أخرى، ويجب على هيئة السوق الخروج عاجلا من هذا المأزق. بعد سنوات جاء قرار التداول خارج المنصة، وبدأ المساهمون في هذه الشركات بيع أسهمهم والتخارج من السهم، ولعل قولي بنجاح التداول في سهم شركة المعجل يؤكد ما كنت أسعى إليه وهو حق الناس في البيع ولو بريال واحد أو أقل ما لم تعلن الشركة إفلاسها. وهذا يقودني اليوم إلى مناقشة فكرة حق التداول "لكل مواطن" و"لكل شركة" خارج المنصة.

كفل الإسلام لكل شخص أن يبيع ما يملكه إذا انتفت الموانع الشرعية، وله الحق في مشاركة الآخرين، وله طلب الآخرين مشاركته في أعماله، وله حق الاقتراض في أي وقت، والنظام السعودي مبني على قواعد الإسلام الراسخة، ونحن نعلن دائما أن جميع الأنظمة في المملكة مبنية على قواعد الإسلام الطاهرة، وهذا صحيح دائما، لكننا في موضوع الشركات المساهمة ومن باب القاعدة الشرعية التي ترى أن على ولي الأمر العمل على حفظ أموال الناس، فقد منع نظام الشركات السعودي أي شخص من إنشاء شركة مساهمة إلا بشروط وقواعد وأنظمة صعبة، ويمكنك أن تتحدث في صعوبة إنشاء شركة مساهمة في المملكة ولا حرج. وهذا خلق مشكلتين أساسيتين في الاقتصاد السعودي ما زالتا تكبلاننا بعنف وتخلقان مشكلات جديدة كل مرة، الأولى أن الحصول على تمويل من بنك "وهو شركة مساهمة في حد ذاته" أسهل من الحصول على تمويل من السوق المالية "رغم أن المخاطر على البنك أكبر"، والثانية إحساس الشارع الاقتصادي السعودي بأن الحكومة مسؤولة عن كل الشركات المساهمة بل وغيرها، وأن أي خسارة في أي شركة وخاصة مساهمة يجب أن تعمل الحكومة على التدخل وحل مشكلتها، مثل المتكاملة والمساهمات العقارية، وهذا أدى إلى تهور الناس اقتصاديا. وفعلا تتدخل الحكومة دائما وبمزيد من القيود وتكبيل الاقتصاد ـــ لذلك أنا دائما ضد أي تدخل حكومي في الاقتصاد.

يجب علينا اليوم استغلال فرصة إنشاء السوق المالية والهيئة مع قرار التداول خارج المنصة في إطلاق العنان للاقتصاد السعودي، في تحرير الاقتصاد بشكل أقوى وأفضل، يجب اليوم رفع القيود عن إنشاء الشركات المساهمة تماما، يجب إحالة هذا الملف بالكامل إلى السوق المالية "وحدها". يجب أن يكون قرار التحول إلى شركة مساهمة قرارا اقتصاديا يخص الملاك ويخص الناس ويخص الاقتصاد وليس الحكومة. حان الوقت لنحرر أنفسنا واقتصادنا، أن نخطو خطوة واسعة جدا إلى الأمام. وهذا لن يتحقق ما لم ينتقل ملف الشركات المساهمة بالكامل إلى هيئة السوق المالية، وهي وحدها التي تقرر إدراج الشركة على المنصة أو خارج المنصة أو عدم إدراجها، والسوق "وحدها" هي التي تقرر القبول بتمويل هذه الشركة كمساهمة أو ترفضها. وهنا الفرق الدقيق جدا بين قرار هيئة السوق وقرار السوق نفسها. كنت أقول دائما كفى وصاية على القرارات الاقتصادية للناس، حان الوقت للنضج الاقتصادي وأن يتحمل كل شخص نتائج تفضيلاته للمخاطر، هذه هي أسواق المال، هذا هو الاقتصاد الحر الناضج.

إذا حدث وانتقلنا إلى هذه المرحلة المهمة، يجب أن يكون قرار الإدراج في السوق المالية على مرحلتين، مرحلة الإدراج خارج المنصة، حيث يجب أن نتوقف تماما عن الإدراج في المنصة الرئيسة، أي اكتتاب جديد يجب أن يكون خارج المنصة، وأن يقع ضمن شروطها، وأن تبذل الشركة وإدارتها جهدا في إقناع هيئة السوق بأحقيتها في الإدراج في المنصة الرئيسة، يجب ألا تتكرر مشكلة "المتكاملة" معنا، فمن حق أي شركة مساهمة أن تبيع جزءا من أسهمها في السوق المالية، وأن يتداول الناس الأسهم فيما بينهم، وبأي سعر، لكن يجب على الجميع تحمل هذه المسؤولية. على هيئة السوق المالية أن تجعل السوق الرئيسة سوقا للاستثمار فقط، وليست للمضاربة، سوق فيها شركات جادة حققت أرباحا ووزعتها، سوق من شركات لها طموح واضح، ومستقبل واعد تشارك الهيئة في صناعته. لكن في المقابل يجب أن نضمن لكل من يريد إنشاء شركة مساهمة أو يريد التوسع في مشاريعه أن يجد التمويل من السوق المالية سهلا ومتوافرا، وأن يكون بسهولة حصوله على تمويل من المصارف، وأن يحمل المساهمون الذين قرروا مشاركته في مشروعه تبعات هذه القرارات، على الحكومة - فقط - أن تضمن سلامة المعلومات التي تقدم للناس، وسهولة التقاضي والتحاكم.

(المصدر: الاقتصادية 2015-02-21)