النماذج الاقتصادية تستقرئ حال بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي
النماذج الاقتصادية لها عديد من الاستخدامات. التنبؤ بالمستقبل ليس واحدا منها. فهي لا تستطيع أن تقول لنا ما الذي سيحدث إذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، لكن عن طريق تسخير الأدلة من الماضي يمكنها تسليط الضوء على القضايا الأكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد البريطاني وأفضل موقف يمكن اتخاذه في حال صوتت بريطانيا لمغادرة الاتحاد.
يطبق الاقتصاديون عموما فئتين من النماذج الاقتصادية على مسألة خروج بريطانيا. الأنموذج الأول يحاول تحديد حجم التكاليف على المدى القصير من عدم اليقين الناجم عن التصويت للمغادرة، في حين يسعى الثاني إلى تسليط الضوء على الآثار طويلة المدى على الأداء الاقتصادي، وتقييم تكاليف وفوائد التخلص من عضوية الاتحاد الأوروبي. المخلفات الرهيبة من الأزمة المالية عام 2007 / 2008 تعلمنا أيضا أن هذا الفصل بين الفئات يعتبر مصطنعا إلى حد ما، على أساس أن المعاناة على المدى القصير يمكن أن تصبح بسهولة مشكلة طويلة الأمد.
وللأسف، النماذج على المدى القصير تعتبر تمارين تمارس ببساطة في قراءة البخت والتنجيم. يمكن للاقتصاد أن يقول بثقة إن التصويت لمغادرة بريطانيا يضر لأنه يدخل الشك، لكن محاولات قياس هذا الأمر هي فقط تخمين. ليست لدينا نقاط مرجعية سابقة لمعرفة مقدار الشركات والأسر التي قد تكبح جماح الإنفاق بعد مغادرة بريطانيا، ولا ما إذا كان الاستثمار الأجنبي سيهرب.
بالتالي لا يوفر الاقتصاد أي دعم لتبجح عمدة لندن، بوريس جونسون، السخيف يوم الأربعاء بأن التصويت للمغادرة لن تكون له أي عواقب اقتصادية، ولكن بالقدر نفسه لا يمكن التمييز بسهولة بين التنبؤ بـ "بعض المتاعب على المدى القصير" من وزير المالية السابق، نايجل لوسون، الداعم لخروج بريطانيا، أو توقعات وزير المالية الحالي، جورج أوزبورن، بوقوع "صدمة اقتصادية".
أفضل تقييم جاء من مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، الذي قال إن التصويت بمغادرة بريطانيا الاتحاد هو "الخطر الأكبر المحلي على الاستقرار المالي"، وأشار أيضا إلى أن بريطانيا تعتمد حاليا على "عطف الغرباء" لتمويل العجز التوأم في حسابها الجاري وفي الميزانية.
النماذج أكثر فائدة بكثير في المساعدة على فهم ما هو مهم بالنسبة للعلاقات طويلة الأمد مع أوروبا. وهي تظهر بشكل قاطع أن الانفتاح التجاري مفيد، خصوصا لناحية تشجيع المنافسة وتحسين الإدارة والإنتاجية ومستويات المعيشة. وكلما ألقي مزيد من الرمال في تروس تجارة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي، ازدادت النتائج سوءا. وتشير جميع الدراسات تقريبا إلى أن هذه الآثار تكون كبيرة من الناحية الكمية مع الحواجز غير الجمركية على التجارة أكثر منها مع التعرفات الرسمية. وكل ما تستطيع بريطانيا أن تلتزم به بصدقية وهي خارج الاتحاد الأوروبي هو تخفيض التعرفة الخارجية من جانب واحد، مع قليل من الربح التقديري.
مقارنة بالتجارة، الآثار المترتبة على تضييق الخناق على الهجرة وتغيير القوانين التنظيمية تعتبر صغيرة. الهجرة تعتبر مهمة بالنسبة للحجم الكلي لاقتصاد المملكة المتحدة، وليس لمستويات المعيشة. وتسيطر بريطانيا بالفعل على أهم القوانين التنظيمية، مثل استخدام الأراضي، ولم تُظهِر رغبة تذكر في تحرير هذه القوانين بطريقة تعزز الأداء الاقتصادي. وبما أن أسواق العمل والمنتجات لديها هي بالفعل من بين الأقل تنظيما من الاقتصادات المتقدمة داخل الاتحاد الأوروبي، فإن النماذج الاقتصادية تشير إلى أن أي مزيد من المكاسب هنا من المحتمل أن يكون قليلا.
الوضع المالي الأولي أيضا تافه. المكاسب الناتجة عن توفير المساهمة الصافية في ميزانية الاتحاد الأوروبي متواضعة ولا تزيد عن 0.5 في المائة من الدخل القومي. المالية العامة حساسة جدا أمام الحظوظ الاقتصادية، وأي ضرر يلحقه خروج بريطانيا بالأداء الاقتصادي، على صعيد التنبؤ بحيث يؤدي إلى تغيير توقعات مكتب مسؤولية الميزانية في ميزاينة الدولة، سيقضي على ما هو أكثر من المساهمات الحالية في الميزانية.
تمارين النمذجة لا تخبرنا عما سيحدث، لكنها تعطينا بالتأكيد نتيجة واضحة. فهي تقول إن خروج بريطانيا سيكون على ما يرام فقط إذا كنا محظوظين ونجونا من الموضوع بقليل من الألم على المدى القصير، وكنا في الوقت نفسه منطقيين في تخفيف الجرح الذي أوقعناه بأنفسنا في علاقاتنا التجارية مع الاتحاد الأوروبي. والباقي هو ضجة.
بالتالي، الاستجابة المتماسكة من نشطاء حملة خروج بريطانيا قد تكون هي الكشف عن نوع من مبادلة الترتيب الذي سيرغبون فيه مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا، وتفصيل القوانين التنظيمية التي يودون تغييرها، وتلخيص قواعد الهجرة التي ستطبق، وتقديم أدلة على الرغبة في إبرام صفقات تجارية سريعة مع دول طرف ثالث.
أي من دعاة حملات خروج بريطانيا لم يفكروا في هذه الأمور ولو من بعيد. بدلا من ذلك يلقون الافتراءات على نزاهة الاقتصاديين الذين ليس لديهم مصلحة شخصية تذكر. وهم يدعون أن نتيجة الأنموذج التي تبين أن خروج بريطانيا من الاتحاد له تكاليف اقتصادية يعتبر أمرا جيدا لحجتهم، لأنه يظهر أيضا "أن الاقتصاد سيستمر في النمو". ويرفضون القول للناخبين ما يأملونه من الهيئة التي سيكون عليها خروج بريطانيا، لعلمهم أن ذلك سيكون أمرا منفرا للكثيرين. من الصعب أن نتصور نهجا أكثر سخرية أو تهكما لحملة الاستفتاء. أنت لا تحتاج إلى أنموذج اقتصادي ليقول لك ذلك.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2016-03-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews