البورصات الكبيرة تتصدى لمنصات التداول «المظلمة»
تعتزم بورصة لندن إثارة معركة حاسمة في وضح النهار، وفي مرمى النار ستكون مجاميع التعاملات المعتمة – وهي منصات التعامل المعقدة التي تديرها في الغالب المصارف وشركات الوساطة المالية. ولاستعادة الأعمال من هذه المجاميع المعتمة، سوف تطلق بورصة لندن مزادات أثناء التعاملات النهارية، وسط جدل متزايد حول الدخلاء الذين يستخدمون التكنولوجيا العالية. لكن هل يستطيع الابتكار المواكبة؟ وهل هذا جيد بالنسبة للمستثمرين؟
قال أحد المختصين في صنع السوق (أي شراء وبيع كميات من الأوراق المالية بأسعار محددة في جميع الأوقات) في بورصة نيويورك: "هذا يبدو رائعاً. يجدر بنا أن ننفذ المزادات أثناء التعاملات النهارية هنا في نيويورك. أنا أرحب بأي شيء يأتي بالأعمال لإضاءة البورصات ويبتعد عن المجاميع المعتمة. بالنسبة لي أصحاب المجاميع المعتمة هم من الأشرار".
لا غرابة في أن يقول ذلك. فلا تزال بورصة نيويورك تتنافس مع المجاميع المعتمة من خلال مزاداتها المشهورة عند الافتتاح والإقفال. ومنذ عام 2000 كانت بورصة لندن أيضاً تجري تعاملاتها في أيام التداول بالطريقة نفسها.
لكن المجاميع المعتمة، حيث لا يتم الكشف عن الأسعار وأحجام الطلبات إلا بعد إقفال التعامل ـ من أجل الحؤول دون تحرك الأسعار في البورصات "المضاءة" التقليدية – كانت في تصاعد منذ فترة لا بأس بها. وأي مستثمر كبير ولديه طلب شراء أو بيع كبير الحجم يريد تنفيذه، ربما يفضل أحد المجاميع المعتمة بدلاً من التعامل التقليدي في البورصة. وفي الوقت الحاضر يجري تداول ما بين 6 و10 في المائة من الأسهم البريطانية من حيث القيمة في الظل، مقارنة مع بنحو 15 في المائة بالنسبة للأسهم الأمريكية.
لكن في الوقت نفسه، صدقية المجاميع المعتمة – التي تديرها المصارف وشركات الوساطة المالية وشركات البورصات – تتعرض للضرر. كتاب مايكل لويس المثير للجدل، بعنوان "شباب التعاملات الخاطفة"، ادعى أن بعض المتداولين من ذوي السرعات العالية يستطيعون استقراء ما يضعه المستثمرون الكبار خلال المجاميع المعتمة وينتفعون مالياً من وراء ذلك.
إريك شنايدرمان، النائب العام في نيويورك، اتهم بنك باركليز بالكذب على المستثمرين في مواده التسويقية بخصوص الحماية المتاحة من المنخرطين في التداولات الخاطفة في أحد المجاميع المعتمة الأمريكية. لكن البنك نفى هذه الادعاءات.
وتركز الأجهزة التنظيمية على جانبي الأطلسي أنظارها على شركات المجاميع المعتمة ويعتزم الاتحاد الأوروبي وضع قيود معقدة. ويقول المنتقدون إن هذه القيود يمكن أن تكون نتيجتها هي أن ثلث الأسهم المدرجة في مؤشر فاينانشيال تايمز 350 يجري استبعادها بصورة مؤقتة من المجاميع المعتمة حين يتم التداول بها بكميات صغيرة.
المزاد النهاري الجديد الذي تريد بورصة لندن تطبيقه، والذي يبدأ العمل به في وقت متأخر من السنة المقبلة، يشكل استجابة لإصلاحات من المقرر أن يبدأ العمل به في 2017. وقال بريان شويجر، رئيس قسم الأسهم في البورصة: "نحن ندرك أن السوق بحاجة إلى طريقة أفضل من كتل التداول".
والمزادات التي تقوم بتجميع وتأجيل طلبات البيع والشراء المفردة يفترض فيها أن تساعد على إخفاء المعلومات الحساسة عن المستثمرين – لكن دون أن يكون بمقدور المتداول في الوقت الحقيقي أن يتلاعب على نحو يضر بالمجاميع المعتمة.
بورصة لندن تعمل على التحوط لحماية رهاناتها. فهي لم تظهر أي اعتراض أيديولوجي على المجاميع المعتمة، وهي أعمال تتنافس فيها شركة توركواز، وهي شركة تابعة للبورصة نفسها. لكنها لا تريد أن تُترَك خارج المزادات – لاحظ مثلا أن البورصة الألمانية، التي سبق أن تقدمت بعرض للاستحواذ على بورصة لندن، تعمل منذ الآن في تشغيل مزاد مشهور للتعاملات النهارية على الأسهم.
لاري تاب، الرئيس التنفيذي لمجموعة تاب، وهي شركة استشارية لأبحاث الأسواق الأمريكية، يقر بأن المزادات النهارية يمكن من الناحية النظرية أن تحل محل المجاميع المعتمة. لكنه يشكك في قدرتها على القيام بذلك دون قوانين تنظيمية مساندة. ويقول: "المنصات التي تحاول أن تكون لديها مزادات نهاية لم تتمكن من تحقيق ذلك". ويلاحظ تاب أن الحصة السوقية للمجاميع المعتمة كانت تشهد ارتفاعاً في الولايات المتحدة، رغم الضجة التي أثارها كتاب مايكل لويس.
ويرى تاب أن السبب في ذلك يعود جزئياً إلى تراجع عمولات شركات الوساطة المالية، التي لم تكن قادرة على الحد منها من خلال تقليص التكاليف على البورصات المضاءة. ودائما ما تواكب شركات الوساطة المالية والمصلرف الاستثمارية بعض الطلبات الكبيرة خارج البورصات. وكانت المجاميع المعتمة هي التوسع الطبيعي لذلك. والسؤال هو ما إذا تطورت لكي تخدم الوسطاء والمتداولين المختصين بدلاً من مستثمري الأمد الطويل.
والخطر أبرز ما يكون في الولايات المتحدة، إذ تشير بيانات من فينرا، وهي جهاز تنظيمي مستقل للأوراق المالية، إلى أن أكثر الأسهم الأمريكية سيولة يتم تداولها من خلال 43 "نظاماً بديلاً للتداول"، معظمها من المجاميع المعتمة التي تديرها بنوك مثل كريدي سويس ودويتشه بانك ومورجان ستانلي. وتفتت السيولة نتيجة للقوانين الأمريكية التي تُلزِم البورصات بتمرير الطلبات إلى جهات منافسة تعرض أفضل الأسعار.
والمجاميع المعتمة ليست شرا محضا. فلدى البورصات المضاءة تاريخها الخاص بها من التجاوزات والمخالفات. لكن تكاثر المجاميع المعقدة وازدياد تعقيدها يخلق مخاطر يحق للأجهزة التنظيمية والمستثمرين أن يشعروا بالتخوف منها. وكلما ازدادت صعوبة فهم المجاميع المعتمة من قبل مديري الصناديق العاديين، ازدادت قدرة الخبراء على إنشاء وإدارة حلقات تحيط بهم.
الإصلاحات التي وضعها الاتحاد الأوروبي تعتبر خرقاء من حيث تصميمها، لكن نيتها سليمة. لا بد أن تعمل الأجهزة التنظيمية على الموازنة بين المبادئ من قبيل تنفيذ أفضل الأسعار وبين الحاجة إلى البساطة. كذلك ينبغي أن يفضل المستثمرون البورصات الكبيرة الشفافة التي يديرها مختصون، بدلاً من منصات التداول التي تديرها المصارف وشركات الوساطة المالية، التي يوجد بينها تضارب في المصالح. مزادات الأسهم جديرة بالحصول على مساندة المستثمرين.
الفايننشال تايمز 2014-11-12
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews