الأسواق الناشئة عالقة بفخ سيولة «الاحتياطي الفيدرالي»
في غرفة محاضرات مزدحمة في كلية هارفارد للأعمال هذا الشهر، ظهر جو باراتا، واجهة عمليات الأسهم الخاصة التابعة لشركة بلاكستون، مشيراً إلى أن الأسواق الأمريكية وغيرها من البلدان، تقدم فرصاً أكثر ربحا للاستثمار من الأسواق الناشئة، بالنظر إلى المخاطر والعثرات.
بعد ذلك صعد إلى المنصة ديفيد روبنشتاين، الشريك المؤسس لمجموعة كارلايل، وقال "إن الصين تعرض أكبر إمكانيات لأي سوق، بالنظر إلى معدل النمو المغري هناك – على أساس نسبي بطبيعة الحال. في العام الماضي، وظفت مجموعة كارلايل أكثر من مليار دولار من رأسمال الأسهم، للعمل فى البر الصيني.
أحد أصعب القرارات التي تواجه المستثمرين في جميع أنحاء العالم، هو إما الرهان على وعد الأسواق الناشئة، أو التمسك بآفاق أكثر شفافية بكثير، ولكن أكثر واقعية في الأسواق المتقدمة. وإذا اختلف أذكى المستثمرين في تقرير ذلك، ماذا يفترض أن تفعل بقيتنا؟
فضلا عن ذلك، إذا لم يستطع المحللون أن يتفقوا على ما أدى إلى تراجع التوقعات بشأن الأسواق الناشئة في الماضي، كيف يمكن للمرء التنبؤ بالمستقبل؟
تزداد حالة عدم التيقن ولا تنخفض بسبب التغيير في قيادة مجلس الاحتياطي الفيدرالي.
لقد كانت إشارة الرئيس السابق للمجلس بن برنانكي في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) الماضيين، إلى أن التيسير الكمي لن يستمر إلى الأبد، ما عجّل بهبوط أسواق الأسهم والسندات المحلية في كل من الأرجنتين والبرازيل وأوروجواي وحتى تركيا وإندونيسيا. احتمال ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق الأمريكية أدى على الفور إلى خروج الرساميل من هذه الأسواق، حيث العوائد، كما يشير باراتا، لا تبرر المخاطر.
الدلائل تشير إلى أن الانسحاب التدريجي في كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير) الماضيين، ربما كان فعلاً سابقاً لأوانه. يقول محللون في بنك إتش إس بي سي "إن المعدلات في الأسواق الأمريكية يمكن أن تنخفض قبل أن تصعد، وذلك لأن أحدث سلسلة من البيانات عن الاقتصاد الأمريكي لا تزال تظهر أن الانتعاش بعيد المنال، وأن الانكماش، الذي يكرهه المصرفيون، لا يزال يشكل تهديدا أكثر إلحاحاً من التضخم".
كما أنها تشير أيضا إلى أن التيسير الكمي لم يعمل بشكل جيد للغاية في الآونة الأخيرة. نمو الإنفاق الحساس للائتمان على مصروفات كبيرة، مثل السكن والاستثمار في الأعمال التجارية الثابتة، كان أضعف في 2013 مما كان عليه في 2012، وأضعف في الربع الرابع من العام الماضي، وفقاً لبيانات من بنك جيه بي مورجان. الحل السريع من الأموال السهلة الميسرة، يثبت أنه حل مؤقت دون احتمال الحصول على كثير من ذلك.
أصبحت الأسواق الناشئة أرخص بكثير منذ أيار (مايو). مضاعِفات الأسهم في الأسواق الناشئة أقل بأربع نقاط من نظرائها في الأسواق المتقدمة؛ كما أن السندات المحلية توفّر ما يقرب من أعلى احتمال خلال عشر سنوات، وثلثا عملات الأسواق الناشئة التي يتابعها بنك جيه بي مورجان تقدر بأقل من قيمتها.
حتى الآن هذا العام، فإن جميع فئات الأصول الرئيسية هي أقل مما كانت عليه في نهاية العام الماضي. حتى في ضوء الأسعار الأكثر جاذبية، وحتى لو كانت الأموال السهلة على جدول الأعمال في "الاحتياطي الفيدرالي"، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة، أنه يجدر بالمستثمرين العودة إلى الأسواق الناشئة.
ما وراء حركات تدفقات رأس المال، تعتبر المشكلات التي يشير إليها باراتا عميقة الجذور. لقد انخفضت قيمة الليرة التركية إلى النصف في غضون عامين. كم عدد المستثمرين على أساس الدولار الذين يمكنهم العثور على أي شيء مربح بما يكفي في تركيا، للتعويض عن ذلك؟
ما مدى صعوبة التحدي للخروج من الاستثمار في الصين، في الوقت الذين كانت فيه سوق الاكتتابات العام الأولية مغلقة منذ سنوات؟ ماذا تفعل عندما تصعب الحكومة الهندية عملية الخروج من الأزمة، وتحملك فاتورة الضريبة بناء على سياسات بأثر رجعي – بخلاف القول إنك مستثمر طويل الأجل جداً؟
المشكلة هي أنه ما وراء مرهم السيولة من "الاحتياطي الفيدرالي"، فإن الخطوات الطويلة المدى التي تحتاج الأسواق الناشئة إلى اتخاذها، تؤدي جميعاً إلى تقليص النمو – على الأقل لفترة من الوقت – وستكون نتيجة ذلك كله هي إبطاء النمو في العالم بشكل عام. تقلص العجز في الحساب الجاري يعني استيرادات أقلّ، وهو ما يضر آفاق النمو للشركاء التجاريين.
التصدي للمخاوف بخصوص النمو المفرط في الائتمان يعني تشديد السياسة النقدية محلياً، وارتفاع أسعار الفائدة يعني أيضاً تباطؤ النمو. ويجب أن يعني كل ذلك على المدى الطويل مزيداً من الحذر في تخصيص رأس المال، ومزيداً من النمو ذي الجودة الأعلى.
تصديق ذلك يتطلب ثقة بالحوكمة، وهو أمل بعيد التحقق في كثير من الأسواق الناشئة، كما يشير باراتا.
وهناك الصين. قد يكون روبنشتاين على حق في أن الصين تقدم معظم آفاق النمو المغرية، مقارنة بأي مكان آخر، لكنها تمر بمرحلة من تقليص مديونيتها وجهودها للتحول إلى نمو يكون أقل اعتمادا على الاستثمار، وأقل اعتمادا على السلع الأساسية. وفي الوقت الذي تكافح فيه الصين من أجل ترتيب أوضاعها الداخلية، قد تكون مصدراً للعدوى لبقية العالم.
فن الرقص بين سيولة "الاحتياطي الفيدرالي" التي تقود الأسواق إلى أعلى، والأساسيات الأكثر سلبية، من المتوقع أن يستمر لفترة أطول. عليه، فإن الراقصين في حاجة إلى نقل خطواتهم بعناية، لأن تلك الأساسيات السلبية تعتبر مستعصية إلى حد كبير.
( فايننشال تايمز 21/2/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews