أسواق النفط .. بصيص ضوء في نهاية النفق
في أحدث تقرير لها عن أسواق النفط العالمية، قدمت وكالة الطاقة الدولية نظرة متفائلة عن أسعار النفط، مشيرة إلى أن أسعار النفط ربما بلغت أدنى مستوياتها وستبدأ في التعافي. الأسباب وراء تفاؤل الوكالة هي: انخفاض الإنتاج سريعا في الولايات المتحدة وغيرها من المنتجين غير الأعضاء في "أوبك"؛ عودة الضخ الإيراني بوتيرة بطيئة؛ انقطاع إمدادات في العراق، ونيجيريا والإمارات؛ ثبات الطلب على النفط رغم فتوره؛ بوادر الضعف الأخيرة في الدولار الأمريكي؛ وقيام الصناديق الاستثمارية بضخ أموال في أسواق النفط الخام. هناك احتمال أيضا أن تقوم منظمة "أوبك" باتخاذ إجراءات أقوى لزيادة الأسعار، لكن من غير المرجح أن تقوم بخطوات جادة للحد من العرض.
يعتبر تقرير الوكالة لشهر آذار (مارس) أكثر تفاؤلا من تقريرها السابق، عندما توصلت إلى استنتاج مفاده أنه "من الصعب جدا أن نرى كيف ستتمكن أسعار النفط من الارتفاع بشكل ملحوظ على المدى القصير". لكن، منذ نشر ذلك التقرير في أوائل شهر شباط (فبراير)، ارتفعت أسعار النفط بنحو 40 في المائة.
الفضل وراء هذا الارتفاع في أسعار النفط يعود إلى تبدل معنويات السوق Market sentiment أكثر منه تبدل الأساسيات. حيث أغلق المضاربون في أسواق النفط جزءا كبيرا من مراكز البيع المكشوفة، مراهنين على أن أسعار النفط قد وصلت إلى أدنى مستوياتها "القاع"، حيث أسهمت هذه الخطوة في القفزة الحادة في الأسعار.
إضافة إلى ذلك، مستويات العرض والطلب الأساسية في أسواق النفط تغيرت بعض الشيء منذ شهر شباط (فبراير). حيث أدى انقطاع خط أنابيب في نيجيريا إلى تعطيل 300 ألف برميل يوميا، انخفضت صادرات العراق بنحو 220 ألف برميل في اليوم في شهر شباط (فبراير)، وشهدت دولة الإمارات أيضا تراجع مستويات الإنتاج بشكل غير متوقع. علاوة على ذلك، تقول وكالة الطاقة الدولية إن عودة إيران إلى السوق"كانت أقل دراماتيكية مما قال المسؤولون الإيرانيون ستكون؛ نعتقد أن ارتفاع الإنتاج بمقدار 220 ألف برميل في اليوم في شهر شباط (فبراير)، مؤقتا، يبدو أن عودة إيران ستكون تدريجية".
انخفاض إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة مستمر، وإنتاجها اقترب من عتبة تسعة ملايين برميل يوميا. حيث إن المزيد من الشركات تقوم بإلغاء خطط الحفر وإيقاف الحفارات، نتيجة لذلك، التراجع الطبيعي في الإنتاج يطغي على نحو متزايد على الإمدادات الجديدة. في هذا الجانب، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتراجع إنتاج الولايات المتحدة بنحو 530 ألف برميل في اليوم. في حين، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية انخفاضا أقوى يصل إلى 700 ألف برميل في اليوم.
وستشهد دول أخرى من خارج "أوبك" هبوطا في الإنتاج، حيث خفضت الوكالة توقعاتها السابقة للإنتاج من البرازيل وكولومبيا ودول أخرى. بصورة عامة من المتوقع أن ينخفض الإنتاج من خارج "أوبك" بنحو 700 ألف برميل في اليوم في هذا العام. وفي تقريرها لشهر شباط (فبراير)، توقعت الوكالة أن يكون التراجع في حدود 600 ألف برميل في اليوم، على الرغم من استحالة التنبؤ بدقة بمستوى التراجع، إلا أن الاتجاه العام هو المهم: اعتبارا من شهر آذار (مارس) ترى الوكالة أن الأسواق ستتوازن أسرع مما كان متوقعا في شباط (فبراير).
جانب الطلب من المعادلة يبدو ثابتا. حيث من المتوقع أن ينمو استهلاك النفط العالمي بنحو 1.2 مليون برميل في اليوم، وهذا التقدير لم تغيره الوكالة منذ عدة أشهر. لكن هذا المستوى من الاستهلاك أقل بكثير من متوسط السنوات الخمس المقدر بنحو 1.8 مليون برميل في اليوم، وهذا يساعد في تفسير لماذا استغرق الطلب وقتا طويلا لامتصاص فائض العرض. استهلاك الصين سوف يستمر في النمو، ولكن بوتيرة أبطأ مما كان عليه في السنوات السابقة. والطلب في الولايات المتحدة مستقر نسبيا. الطلب مستقر أو انخفض في البرازيل، واليابان وفرنسا.
في الوقت نفسه، لم ينهر الطلب، ما بدد بعض المخاوف من الركود الاقتصادي العالمي. وفي باقي الأسواق الناشئة، خصوصا الهند، الطلب سينمو بقوة. وعلى العموم، ترى الوكالة أن الطلب العالمي "معافى، ولكن ليس قويا". هناك فرصة ضعيفة أن تكون هناك مفاجأة في الاتجاه الصعودي للطلب ـــ وأي عدم يقين هو نحو الاتجاه الهابط.
ما يضغط على الأسعار هو الارتفاع المستمر في مخزونات النفط العالمية، وهذا دليل يؤكد حقيقة أن العرض لا يزال يفوق الطلب. ولا تزال المخزونات التجارية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تحقق مستويات قياسية جديدة. على وجه الخصوص ارتفعت مستويات المخزون إلى مستويات عالية. تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن فائض المعروض في أسواق النفط العالمية وصل إلى 1.9 مليون برميل في اليوم في الربع الأول من عام 2016، وهذا المستوى سينخفض إلى 1.5 مليون برميل في اليوم في الربع الثاني. وتبدو الأمور أفضل بكثير في النصف الثاني من هذا العام. حيث من المتوقع أن تخف تخمة المعروض إلى 0.2 مليون برميل في اليوم في الربعين الثالث والرابع، حسب الوكالة.
مع اتجاه الأنظار إلى النصف الثاني من عام 2016، تقول الوكالة إنه "قد يكون هناك ضوء في آخر النفق الطويل المظلم لكن لا يتسنى لنا التيقن من توقيت تحقق التوازن المنشود في سوق النفط في 2017 بالضبط. من الواضح أن اتجاه التحرك الحالي هو الاتجاه الصحيح وإن كان هناك شوط طويل ينبغي قطعه".
(المصدر: الاقتصادية 2016-03-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews