أسواق النفط تستعيد توازنها على المدى المتوسط

في تقريرها الأخير عن آفاق الطاقة العالمية الصادر الأسبوع الماضي، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن تستعيد السوق النفطية توازنها تدريجيا وتستقر على سعر يقارب 80 دولارا للبرميل بحلول عام 2020 تحت تأثير عرض أقل وفرة، من غير أن تستبعد إمكانية بقاء الأسعار بين 50 و60 دولارا للبرميل لفترة طويلة ما سيزيد اعتماد الدول المستوردة على بلدان الشرق الأوسط. الشروط التي يمكن أن تحقق هذا السيناريو هي ضعف النمو الاقتصادي على المدى القريب، مرونة الإنتاج من خارج "أوبك"، استقرار منطقة الشرق الأوسط خصوصا الدول التي تسعى إلى زيادة حصتها السوقية.

المشكلة هي أنه لا يوجد دليل على أن وكالة الطاقة الدولية أو أي جهة أخرى يمكنها التنبؤ بدقة بأسعار النفط على مدى السنوات الخمس المقبلة. في تقريرها لعام 2010، توقعت الوكالة أن تكون أسعار النفط الحقيقية في عام 2015 نحو 90 دولارا للبرميل، أي أكثر من 100 دولار للبرميل بالقيمة الأسمية، في حين أن الحصيلة الفعلية كانت دون 55 دولارا للبرميل. يعود السبب في ذلك لأن الوكالة لم تأخذ بنظر الاعتبار في حينها توسع ثورة الغاز الصخري لتشمل إنتاج النفط الصخري أيضا.

لذلك من الإنصاف التساؤل هنا، ماذا غاب عن تقدير وكالة الطاقة الدولية بخصوص أسعار النفط في تقريرها لآفاق الطاقة العالمي الأخير؟ هذا ما سوف تظهره الأشهر أو السنوات المقبلة. على أية حال، لنترك توقعات الأسعار جانبا ونركز على باقي تقرير الوكالة.

يرى السيناريو المركزي (80 دولارا للبرميل في 2020) للوكالة أن الطلب العالمي على الطاقة سوف يزداد بنحو الثلث بين عامي 2013 و2040، مع النمو الصافي مدعوما بالكامل من قبل الدول النامية. ويرى التقرير أيضا أن حصة "أوبك" السوقية سوف تتوسع بعد عام 2020 مع وصول أسعار النفط إلى 80 دولارا للبرميل، حيث إن الإمدادات من خارج المنظمة تتباطأ بسبب خفض النفقات الاستثمارية.

ووفقا لهذا السيناريو، حصة "أوبك" من إمدادات النفط العالمية سوف تبقى ثابتة عند 41 في المائة حتى عام 2020 ثم ترتفع إلى 44 في المائة بحلول عام 2025، أي نقطتين مئويتين أعلى ما توقعت الوكالة العام الماضي. من المتوقع أن يتباطأ نمو الإنتاج من خارج "أوبك" خلال السنوات الخمس المقبلة ويتوقف النمو تماما بحلول عام 2020.

وهكذا، تبين الوكالة أن استراتيجية "أوبك" السوقية تؤتي ثمارها، حيث إن نمو المعروض من خارج المنظمة آخذ في التباطؤ. وتقول الوكالة، أنه على الرغم من أن تراجع أسعار النفط الحاد خلال العام الماضي قد خفض بشدة إيرادات دول منظمة أوبك، إلا أن استراتيجية "أوبك" في الدفاع عن حصتها السوقية سوف تثبت في النهاية بأنها مفيدة وخصوصا للأعضاء القادرين على رفع الإنتاج.

قال التقرير: إن صناعة النفط والغاز العالمية تحتاج إلى مواصلة الاستثمار بنحو 630 مليار دولار سنويا على مشاريع الاستكشاف والتطوير للحفاظ فقط على الإنتاج عند المستويات الحالية، حيث إن معدلات انخفاض الإنتاج في حقول النفط والغاز المتقادمة في ارتفاع. وأضاف التقرير أن الاستثمار التراكمي لعام 2015 تراجع بنحو 20 في المائة، وسوف يتراجع أيضا في العام المقبل – يمثل هذا أول انخفاض في الإنفاق لسنتين متتاليتين منذ ثمانينيات القرن الماضي. هذه التخفيضات في الإنفاق سوف تؤدي إلى استقرار الإمدادات من خارج "أوبك" عند نحو 55 مليون برميل في اليوم قبل عام 2020 – أي نحو 1.3 مليون برميل في اليوم فوق مستويات هذا العام، وأقل من ثلث إجمالي نمو السنوات الخمس المقبلة المقدر بنحو 5.0 مليون برميل في اليوم.

ولاحظ تقرير الوكالة أن انخفاض عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة بنحو 63 في المائة في هذا العام، وتراجع إنتاجها اليومي بنحو 450 آلف برميل عن ذروته في حزيران (يونيو)، يعني أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة سوف يتعثر على المدى القصير. مع ذلك، من المتوقع أن يستأنف إنتاج النفط غير التقليدي مسيرته التصاعدية بمجرد تعافي أسعار النفط ليستقر عند 5 ملايين برميل في اليوم في وقت مبكر من العقد المقبل، على حد قول التقرير. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج بالانحسار تدريجيا في العقد المقبل، مع ارتفاع التكاليف واستنفاد المناطق الأكثر إنتاجية.

من المتوقع أن تضعف الروابط بين النمو الاقتصادي العالمي، الطلب على الطاقة والانبعاثات ذات الصلة بالطاقة، حسب السيناريو المركزي للوكالة. وأشار التقرير إلى أن بعض الأسواق (مثل الصين) سوف تخضع لتغييرات هيكلية في اقتصاداتها، في حين أن أسواق أخرى سوف تصل إلى نقطة التشبع في الطلب على خدمات الطاقة.

توقع التقرير أن تعتمد جميع الأسواق على تقنيات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، على الرغم من أن الفترة الطويلة من انخفاض أسعار النفط يمكن أن تقوض هذه الدعامة الأساسية خلال المرحلة الانتقالية للطاقة؛ حيث إن تقلص الحوافز وطول فترات الاسترداد تعني أن نحو 15 في المائة من وفورات الطاقة قد تضيع في سيناريو انخفاض أسعار النفط.

من جانب الطلب على النفط، توقعت الوكالة أن يبلغ نمو الطلب العالمي السنوي في المتوسط 900 آلف برميل في اليوم في عام 2020، مدفوعا بالاقتصادات الناشئة، مقارنة بمتوسط نمو 1.15 مليون برميل في اليوم بين عام 2000 - 2010. في الوقت نفسه، سوف ينخفض النمو في استهلاك النفط بعد عام 2020 بسبب ارتفاع أسعار النفط، سياسات كفاءة الطاقة، محاولات التخلص التدريجي من دعم الوقود وزيادة استخدام أنواع الوقود البديلة. وبحلول عام 2040، سوف ينخفض الاستهلاك النفطي للولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي واليابان بنحو 10 ملايين برميل في اليوم، وفقا للتقرير.

وقالت الوكالة إنه بحلول عام 2040 إنتاج دول منظمة أوبك سوف يمثل ما يقرب من نصف إنتاج النفط العالمي، أي نحو 49.2 مليون برميل في اليوم. وأضافت الوكالة أن الإفراط في الاعتماد على عدد قليل من المنتجين يثير المخاوف المتعلقة بأمن إمدادات الطاقة، وخصوصا في آسيا. الأهم، لاحظت الوكالة أن النمو في حصة "أوبك" السوقية ليست حتمية. وقال التقرير، إن بعض أعضائها الذين لديهم إمكانية أكبر لزيادة الإنتاج على المدى الطويل (مثل العراق، إيران، فنزويلا) يواجهون أيضا تحديات خطيرة في الحصول على استثمارات كافية لقطاع النفط والغاز بسبب المخاوف الأمنية وعدم الاستقرار السياسي.

(المصدر: الاقتصادية 2015-11-18)