تجميد المشاريع العملاقة يقوض أسواق النفط
على ما يبدو أن مصير عشرات المشاريع النفطية العملاقة المؤجلة بات غير مؤكد على نحو متزايد، حيث إن أسعار النفط تختبر مستويات منخفضة جديدة في دورة الانكماش الحالية. نتيجة التراجع الحاد في الأسعار، قام معظم شركات النفط العالمية الكبرى وعديد من شركات النفط الوطنية خارج الشرق الأوسط بتأجيل الاستثمارات الجديدة في المشاريع العملاقة، في المقام الأول مشاريع المياه العميقة، الرمال النفطية والغاز الطبيعي المسال، سوف لن يعيدوا النظر في ذلك ما لم يروا أسعار نفط كافية أو انخفاضا ملموسا في التكاليف. في هذا الجانب، تظهر مسوحات بعض المؤسسات الاستشارية أن ما يقرب من 62 مشروعا من مشاريع النفط والغاز العملاقة في العالم قد تم تأجيلها منذ منتصف عام 2014، التكاليف الإجمالية لهذه المشاريع تربو على 220 مليار دولار وبطاقة إنتاج إجمالية قصوى تفوق 4.2 مليون برميل من النفط المكافئ في اليوم وتمثل نحو 25 مليون برميل من النفط المكافئ من الاحتياطيات المؤكدة.
من مجموع هذه المشاريع، تم تأجيل 43 مشروعا بسبب الأسعار المنخفضة، في حين تم تأجيل 19 لأسباب سياسية أو تقنية أخرى ــــ على الرغم من أن انخفاض الأسعار يمكن أن يؤثر أيضا في كيفية المضي قدما. معظم 4.2 مليون برميل من النفط المكافئ في اليوم كان من المتوقع أن تكون في الأسواق بين عامي 2017 و2023.
جميع هذه المشاريع العملاقة قد تجاوزت جميع مراحل التقييم، ما يدل على أن الشركات كانت جادة جدا في تطويرها قبل أن تبدأ أسعار النفط في الانخفاض في منتصف عام 2014. هذا التباطؤ في الاستثمار في المشاريع العملاقة أثار فزع بعض المسؤولين في منظمة "أوبك" الذين كانوا يشعرون بالقلق من احتمال حدوث أزمة في إمدادات النفط في المستقبل. في هذا الجانب، دعا المهندس علي النعيمي وزير النفط السعودي في وقت سابق من العام الماضي، إلى الاستمرار في وتيرة الاستثمار إن لم يكن بالإمكان زيادتها لضمان استقرار أسواق النفط العالمية على المديين القصير والطويل.
وتشير دراسات أخرى في هذا الجانب إلى أن تأجيل المشاريع العملاقة من المحتمل أن يكون له تأثير أكبر في الإنتاج، ولكن درجة التأثير تختلف حسب درجة تقدم المشروع في مراحل التقييم. في هذا الجانب، ترى مؤسسة تيودور بيكرينج أن تأجيل المشاريع وضع نحو خمسة ملايين برميل يوميا من إنتاج النفط في خطر بحلول عام 2020، في حين تشير إحصاءات «وود ماكنزي» إلى أن تأجيل 68 مشروعا عملاقا بتكلفة 380 مليار دولار سيؤثر في إمدادات نفط بطاقة 1.5 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2021. هذا الرقم يرتفع إلى 2.9 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2025. في المقابل تشير أكثر الدراسات تفاؤلا إلى أنه منذ شهر تموز (يوليو) 2014 تم اتخاذ قرار الاستثمار النهائي لنحو 24 مشروعا عملاقا بتكلفة إجمالية 150 مليار دولار، مقارنة بإلغاء تصاريح سبعة مشاريع عملاقة فقط.
لكن، من الصعب أن نرى بدء تطوير هذه المشاريع العملاقة بمليارات الدولارات في أي وقت قريب مع استمرار تراوح أسعار النفط حول 30 دولارا للبرميل وتوقع عدد متزايد من المحللين ومسؤولي شركات النفط استمرار وفرة إمدادات النفط الحالية في عام 2017. على الرغم من أن عددا من شركات النفط الوطنية في آسيا وأمريكا اللاتينية قام بتأجيل بعض المشاريع، إلا أن الجزء الأكبر من المشاريع المؤجلة كان من حصة شركات النفط العالمية. حيث إن تركيزهم في الوقت الحاضر على المحافظة على الأرباح وعدم الخسارة في عام 2017 لإرضاء المستثمرين، وهذا يعني أن ضغط الإنفاق الرأسمالي ومصروفات التشغيل يجب أن يستمر.
في عام 2015، اتخذت شركات النفط الكبرى قرارات استثمار نهائي قليلة جدا على المشاريع العملاقة الجديدة. على سبيل المثال، اتخذت شركة رويال داتش شل قرار استثمار نهائي لمشروع استخراجي واحد فقط ـــ لتطوير حقل أبوماتوكس في المياه العميقة في خليج المكسيك ــــ لكنها أولت مزيدا من الاهتمام إلى عديد من المشاريع التي أجلت أو ألغيت، بما في ذلك حقل بونجا في نيجيريا، خور كارمون ونهر بيير في الرمال النفطية الكندية. لقد أجبرت طبيعة المشاريع العملاقة ــــ التي تمتاز بطول فترة التنفيذ والتكاليف الرأسمالية العالية ــــ شركات النفط العالمية على التخطيط على المدى الطويل، لكنها في الفترة الأخيرة قد جوبهت بتقلبات حادة في أسواق النفط العالمية، حيث تخلت "أوبك" عن دورها التقليدي في دعم أسعار النفط في سبيل المحافظة على حصتها السوقية. وقد أشارت بعض شركات النفط العملاقة أخيرا إلى أن خططها المستقبلية تتركز حول أسعار نفط في حدود 60 دولارا للبرميل، في حين تصر على أن الأسعار الحالية ليست مستدامة.
في هذا الجانب، قالت شركة بريتش بتروليوم البريطانية إنها لن تتخذ قرار استثمار نهائي للمشاريع العملاقة الجديدة ما لم تحقق عائدا في حدود 15 في المائة عند أسعار نفط 60 دولارا للبرميل، في حين ترى شركة توتال الفرنسية أن عند هذا السعر لن يحصل أي مشروع على الضوء الأخضر للمضي قدما في السنة أو السنتين المقبلتين. ويقوم عديد من شركات النفط الكبرى باعتماد مرونة كبيرة في ميزانيات رؤوس أموالها لمواجهة عدم اليقين في أسواق النفط. على سبيل المثال، تشمل ميزانية شركة شيفرون لهذا العام ـــ 26.6 مليار دولار ـــ على ثلاثة مليارات دولار مخصصة لمشاريع لم تحصل بعد على قرار الاستثمار النهائي، ما يتيح لها حرية التصرف لتقييم ما إذا كانت الظروف مواتية للاستثمار.
مع انخفاض أسعار النفط، تنخفض أيضا التكاليف المرتبطة بتطوير المشاريع العملاقة، ولكن هذا الانكماش يستغرق وقتا لإحداث تغيير في مجالات مثل الحفر، المعدات، الهندسة والبنية التحتية ـــ التقلبات الحادة، مرة أخرى، تعقد الأمور. في هذا الجانب، لاحظت بعض المؤسسات الاستشارية أن بعض المشاريع العملاقة، مثل مشروع شركة بريتش بتروليوم ماد ــ دوك في المياه العميقة في خليج المكسيك قد جمد قبل انخفاض أسعار النفط بسبب ارتفاع التكاليف، التي تضخمت عندما تزاحمت الصناعة على تطوير المشاريع العملاقة خلال السنوات التي شهدت أسعار نفط حول 100 دولار للبرميل. تعتقد هذه المؤسسات الاستشارية أن شركات النفط قد تسعى لتأمين أقل مستوى من التكاليف لتحقيق عوائد أعلى بمجرد بدء التشغيل في السنوات اللاحقة. لذلك قد يتم إعادة النظر من جديد في المشاريع الكبرى التي سيتم اتخاذ القرار النهائي لتطويرها، لتحقيق وفورات بعد ضغط التكاليف أكثر.
(المصدر: الاقتصادية 2016-02-17)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews