مهمة البنوك المركزية الإنقاذية لم تعُد سهلة
منذ العام 2008 تمكنت البنوك المركزية من توفير الوقت الاضافي للحكومات من خلال سياسات ضخّ الاموال الرخيصة واسعار الفائدة القريبة من الصفر. لكنّ قدرة هذه المصارف المركزية على لعب دور الفروسية المنقذة للاقتصاد بدأت تقترب من نهايتها.لن تستطيع الفروسية الانقاذية التي تقوم بها البنوك المركزية في مختلف دول العالم في تشكيل جسر عبور العالم الى الازدهار الاقتصادي او حتى الحفاظ على النظام المالي العالمي من السقوط لفترات طويلة اضافية بعد اليوم.
إذ إنّ لسياسات ضخّ المال الرخيص في الاسواق وبكميات خيالية حدودها، وقد شارفت على نهايتها. وذلك في وقت ما زال الاقتصاد العالمي فيه يترنح ويحتاج الى المزيد من الصمود والمعالجات. فكم من بنك مركزي يعمل وبشتى الطرق والوسائل على انقاذ الحكومات من السقوط ومعها التوازن المالي للدول؟
ولبنان هو إحدى هذه الدول ويتعرّض للمخاطر نفسها إذ ما زال مصرف لبنان يستخدم انواعاً مختلفة من السياسات لإقناع المصارف بتمويل واعادة تمويل الدولة، وقد نجح حتى الآن. لكن وعلى مثال غيره من البنوك المركزية فإنّه سوف يأتي يوم ويجد نفسه عاجزاً عن مواصلة دعمه لخزينة الدولة. إنه انذار كبير وخطير يطلقه خبراء العالم في هذا الشأن.
وقد بدأت سياسات ضخّ السيولة النقدية الرخيصة جداً في الاسواق منذ العام 2008 وبقيادة الاحتياطي الفدرالي الاميركي بهدف إنقاذ النظام المالي العالمي من السقوط. وفي خلال هذه السنوات السبع تريليونات الدولارات ضُخّت في الاسواق لكنها لم تحمل الحلول معها إنما يبدو أنها بدأت تشكل مخاطر رئيسة للاقتصاد العالمي.
فقد اصدرت مجموعة الثلاثين دولة بقيادة الرئيس السابق للبنك المركزي الاوروبيجان كلود تريشيه بياناً أنذرت فيه أنّ سياسة اسعار الفائدة الصفر في المئة وطبع النقود لم ينجحا في إعادة إنعاش الاقتصاد وهي إنما تخاطر في تحوّلهما الى تدابير وسياسات دائمة.
وكانت البنوك المركزية قد برّرت هذه السياسات الاستثنائية والخطيرة بأنها لشراء الوقت لصالح الحكومات لكي يتسنّى لها إيجاد الحلول للازمات المالية والاقتصادية. لكن يبدو أنّ الوقت ينفذ وأنّ سياسات إعادة شراء السندات كان لها كلفتها الكبيرة.
وكما كانت الولايات المتحدة الرائدة في سياسات ضخّ العملات في الاسواق كانت هي المبادرة الى وقف هذه السياسات في العام 2014 بالتوازي مع توقعات عودتها لرفع اسعار الفائدة بدءاً من شهر حزيران العام 2015.
ولكن يبدو أنّ الاميركيين يلقون بعض الصعوبات في العودة لرفع اسعار الفائدة للمرة الاولى في عشر سنوات قبل نهاية العام الجاري وهناك توقعات بأن تنجز ذلك قبل شهر آذار 2016.
كذلك ارجأ بنك انكلترا رفع الفائدة في حين إنّ البنك المركزي الاوروبي ما زال يعمل على اعتماد جولة اخرى من ضخّ الاموال كذلك ما زال يفعل بنك اليابان المركزي الذي اعتمد انواعاً مختلفة من سياسات ضخّ الاموال منذ العام 2001. وتقدّر الأموال التي ضخّتها هذه الدول المذكورة سابقاً بأكثر من سبع تريليونات دولار.
أما النتائج السلبية لهذه الاموال الرخيصة التي ضمنت في الاسواق فانعكست ارتفاعاتٍ خيالية لاسعار الاسهم ولاسعار العقارات السكنية، ناهيك عن الفشل في إعادة إنعاش الاقتصاد ما أدّى الى ازمة مستعصية على مستوى الديون السيادية علقت فيها حتى الدول الكبرى، حتى إنّ كثيرين ما زالوا يتوقعون سياسات اسعار فائدة دون الصفر في المئة خلال العام 2016 المقبل.
ورغم اقتناع البعض بأنّ المخاطر الكبرى على الاقتصاد العالمي قد تمّت السيطرة عليها على ما يبدو، إلّا أنّ مجموعة الدول الثلاثين تعتقد أنّ ارتفاع أسعار السلع بنحو 40 في المئة ما هو سوى إشارة الى توقعات بضعف النموّ الاقتصادي.
يقدّر الإقراض المتجاوز الحدود الـ 3 تريليون دولار في الأسواق الناشئة والذي يبلغ بنسبة 15 في المئة من الناتج القومي العام الأمر الذي ينذر بتدهور الوضع الاقتصادي العام في هذه الدول. كما أنّ خسارة الاموال نتيجة التباطؤ الاقتصادي سوف تضرّ بالكثير من المستثمرين ولا سيما بالمصارف على خلفية هشاشة وضع هذه القروض.
وعليه ما زالت البنوك المركزية تواجه ضرورة تمديد سياسات ضخّ الاموال واسعار الفائدة المنخفضة مع توصيات شديدة اللهجة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية بإبقاء اسعار الفائدة منخفضة جداً وذلك في وقت ما زالت هذه البنوك المركزية عاجزة عن بلوغ الحدّ الادنى من نسبة التضخم المطلوبة.
المخاوف الحالية هي بوصول البنوك المركزية الى الحائط المسدود وانتهاء دورها وقدرتها على توفير المزيد من الوقت للحكومات لكي تنهض بتوازنها المالي وبالاقتصاد الوطني ضمن خطة طوارئ أصبحت ضرورية لا يمكن تأجيلها اكثر.
(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2015-10-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews