تداعيات الأزمة الاقتصادية اليونانية قد تضرب آسيا
يخطئ من يظن أن الأزمة المتفجرة بين اليونان والاتحاد الأوروبي ستبقى محصورة في النطاق الأوروبي. ذلك أن ارتباط اقتصاديات العالم بعضها ببعض سيؤدي لا محالة إلى تأثر اقتصاديات بعيدة عن أوروبا بتداعيات الأزمة اليونانية، ولاسيما اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، خصوصا اقتصاديات الدول الأضعف ضمن رابطة أمم جنوب شرق آسيا (آسيان) مثل إندونيسيا وماليزيا اللتين شهدتا في النصف الأول من العام الجاري تراجعا في سعر صرف عملتيهما: الروبية والرينجت على التوالي، بسبب مخاوف المستثمرين من تباطؤ معدلات النمو في البلدين، ووجود استثمارات أجنبية كبيرة في أسواق الأسهم والسندات الإندونيسية والماليزية.
والمعروف أن دول منظومة آسيا ككل تعتبر ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة والصين، حيث بلغ حجم مبادلتهما التجارية البينية في عام 2013 نحو 235 مليار يورو من السلع والخدمات وهو ما شكل نسبة 13 في المائة من تجارة آسيان. من ناحية أخرى استثمرت الشركات الأوروبية ما معدله السنوي 14.8 مليار يورو في دول آسيان في الفترة 2006 ـ 2013. ومن هنا لم يكن غريبا أن تعقد اجتماعات دورية بين الكتلتين على أعلى المستويات لوضع ترتيبات معينة حول مسائل التبادل التجاري والاستثمارات.
والجدير بالذكر أن هذه الدول استفادت من تراجع أسعار النفط هذا العام فحققت فائضا تجاريا معتبرا، لكنها ها هي في غضون أقل من عام تواجه مأزقا اقتصاديا جديدا. وعليه فإن السؤال الذي يطرح نفسه على الساحة الآسيوية اليوم هو التالي: "ماذا سيحدث في آسيا لو فشلت المفاوضات بين اليونان وشريكاتها في الاتحاد الأوروبي وخرجت الأولى من منطقة اليورو؟". الإجابة هي أن لهذا الحدث تأثيرات وتداعيات مهمة على المبادلات التجارية التي بدورها ستؤدي إلى اضطرابات في أسواق المال الآسيوية، بل إن تلك الاضطرابات ستؤدي لا محالة إلى انخفاض معدلات الناتج المحلي في منطقة آسيا/الباسفيكي بنسبة 0.3 في المائة في عام 2016، طبقا للاقتصادي الهندي الكبير "راجيف بيساوس" الذي يخبرنا أيضا أن الأمور ستزداد سوءا في آسيا إذا ضغطت الأزمة اليونانية على دول أوروبية أخرى تشكو من ضعف اقتصادياتها مثل إسبانيا والبرتغال وجعلتها تخرج أيضا من منطقة اليورو. حينذاك ستهوى أسعار صرف العملة الأوروبية الموحدة بحدة، الأمر الذي سيدفع المستثمرين، في ظل عدم وضوح الرؤية، إلى اللجوء إلى سيناريوهات مختلفة أحدها الاستثمار في المحافظ وسندات الاستثمار الأمريكية المقومة بالدولار الأمريكي. وما قاله الاقتصادي الهندي يدعمه ما حدث بـعيد قرار الحكومة اليونانية بإغلاق مصارفها لمدة أسبوع ودعوتها إلى استفتاء اليونانيين حول الخروج من منطقة اليورو؛ إذ سرعان ما حققت كبريات أسواق الأسهم الآسيوية خسائر فادحة، فما بالك لو حدث الشيء نفسه في دول أوروبية أخرى من تلك التي ذكرناها.
وإذا كان هناك من يتساءل عن الصين باعتبارها واحدة من كبريات الشريكات التجاريات للاتحاد الأوروبي، فإنه يجب أن نستدرك ونقول إنه ليس كل الاقتصاديات الآسيوية مثل الاقتصاد الصيني الذي قد لا يتأثر كثيرا بالأوضاع في اليونان وغيرها من الدول الأوروبية ذات الاقتصاديات الهزيلة. صحيح أن الاقتصاد الصيني لم يحقق معدلات النمو الموازية لمعدلات نموه العام الماضي فتوقفت عند 7 في المائة فقط (وهو ما لم يحققه الاقتصاد الأمريكي رغم ضخامته وقتاليته الضارية)، لكن هذا الإنجاز الصيني كان أضعاف ما حدث في اليونان، حيث لم يتجاوز معدل النمو فيها 0.2 في المائة. أما السبب فهو أن البنك المركزي الصيني، على خلاف البنك المركزي اليوناني وعلى خلاف البنوك المركزية في دول آسيان، تهيمن عليه الدولة وتتدخل في شؤون الصرف والإنفاق في الوقت المناسب منعا لحدوث ما لا يحمد عقباه. ولعل هذه الخاصية هي التي منحت الاقتصاد الصيني المناعة ضد حدوث خلل كبير على الرغم من خسارة أسواق الأسهم الصينية 20 في المائة من قيمتها في الأسبوعين الأخيرين، أي 1.36 تريليون يوان صيني أو ما يعادل 219 مليار دولار أمريكي. والمعروف أن البنك المركزي الصيني (بنك الشعب الصيني) لديه احتياطات ضخمة (قدرت في نهاية عام 2014 بمبلغ 3.6 تريليون يوان أو ما يعادل 583 مليار دولار أمريكي) من أموال التقاعد التي يستطيع البنك دفع ما لا يقل عن 30 في المائة منها نحو الاستثمار في سوق السندات والأسهم بهدف توفير سيولة كافية، وبالتالي تعديل الأوضاع في أسواق المال وجعلها ذات مناخ صحي، ولاسيما في سوقي شنغهاي وهونج كونج. وخلاصة القول إنه كلما كانت هناك مصارف مركزية آسيوية محمية ومدعومة من الدولة تقلصت الآثار السلبية لما يجري في أماكن أخرى على الاقتصاديات الآسيوية، حيث بإمكانها كما في النموذج الصيني أن تصب مزيدا من الأموال في السوق، وتستطيع أيضا استخدام أدوات أخرى مثل تخفيض أسعار الفائدة، وتسهيل الاشتراطات الخاصة فيما يخص نسبة الاحتياطات المصرفية، بسرعة أي بجرة قلم ودون عوائق أو إجراءات طويلة.
قلنا إن أحد الخيارات أمام المستثمرين القلقين من الأزمة اليونانية وما قد يتبعها هو اللجوء إلى أسواق الأسهم والسندات الأمريكية المقومة بالدولار. لكن هناك خيارا آخر يتمثل في اللجوء إلى الأسواق اليابانية التي تشهد استقرارا لجهة معدلات الاستهلاك والإنفاق، ناهيك عن شبه استقرار في معدلات التضخم، ومحدودية الفجوة بين الين والدولار منذ أيار (مايو) الماضي، على الرغم من الأخبار التي تفيد بعدم توقع قفزة كبيرة في الاقتصاد الياباني على المدى القريب.
(المصدر: الاقتصادية 2015-07-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews