رغم سيطرة البنوك المركزية .. أسواق الصرف أماكن غدَّارة
القدرة على التخلي عن العادات القديمة تعد عنصرا حيويا في نجاح الاستثمار. وسلوك كل من الأسهم والسندات منذ بداية هذا العام يشهد على هذه الحقيقة الأساسية. ويذهب تفكيري على وجه الخصوص إلى الكيفية التي نرى بها عوامل الارتباط الدولية بين الأسواق وتأثير تحركات العملات على عوائد المحافظ الاستثمارية.
خلال معظم حياتي المهنية كانت العلاقات المتبادلة بين أسواق الأوراق المالية في البلدان الكبيرة المتطورة قوية وكانت تميل إلى أن تصبح أقوى، رغم الاختلافات في الاقتصادات التي توجد فيها تلك الأسواق. فما يحدث في وول ستريت كان في العادة أكثر أهمية بالنسبة للعوائد في المملكة المتحدة من الأحداث في اقتصاد المملكة المتحدة. وتنطبق النقطة نفسها، رغم أنها بقوة أقل، على كل من فرنسا وألمانيا.
لكني أقر بأن اليابان عاشت في بيئة مغلقة أكثر وكانت تميل لتكون قانونا بحد ذاتها، إلا أنها منذ عام 2000 انضمت لبقية العالم. وتعززت العلاقات المتبادلة في الوقت الذي أخذ فيه المستثمرون الأجانب يلعبون دورا أعظم في الأسهم اليابانية.
العقلية التي تشكلت استنادا إلى تلك الخلفية أصبحت عديمة الجدوى في توجيه مسار الأسواق العالمية هذا العام. الآن توجد اختلافات كبيرة بين الظروف الاقتصادية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة من ناحية، ومنطقة اليورو واليابان من ناحية أخرى.
أدت تلك الاختلافات إلى حدوث استجابات متباينة للسياسات النقدية. كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الطليعة في تطبيق برنامج التسهيل الكمي، بينما جاء تحرك اليابان نحو هذا البرنامج متأخرا، وتحركت منطقة اليورو متأخرة حتى أكثر من ذلك. وتستجيب أسواق العملات لهذه الاختلافات، متوقعة حدوث رفع لأسعار الفائدة أولا في الولايات المتحدة وبعد ذلك في المملكة المتحدة. في الوقت نفسه، تفوقت الأسهم في منطقة اليورو واليابان على أسواق الأسهم في البلدان المتقدمة اقتصاديا.
النقطة المهمة هنا هي أن المصارف المركزية، بما لديها من أسعار فائدة رسمية ذات مستويات متدنية أو حتى سلبية، تجد نفسها مضطرة إلى الاعتماد بشكل متزايد على انخفاض قيمة العملة من أجل تخفيف السياسة النقدية. والنتيجة هي أن تقلبات العملة وتحولاتها يمكن أن تصبح عاملا أكثر أهمية للعائدات من سلوك الاستثمارات. وهذا ينطبق بشكل أكبر حتى على السندات، حيث يشكل تقلب سعر الصرف الآن مصدر قلق بالغ.
التحدي الذي يفرضه هذا على المستثمرين يكون أكثر وضوحا في منطقة اليورو. فمنذ بداية هذا العام، انتعشت الأسهم التي ساعدها إمكانية تطبيق برنامج التسهيل الكمي، بينما هبط اليورو. وبالنسبة لمستثمري الدولار، السوق الصاعدة من حيث قيمتها بالعملة المحلية ضاعت بكل بساطة أثناء الترجمة. تكرر النمط نفسه في أماكن مختلفة من العالم مع وجود اختلافات. في اليابان، مثلا، لا تزال طفرة الأسهم التي أوجدها برنامج التسهيل الكمي تحقق نتائج جيدة للمستثمرين الأمريكيين وغيرهم من الأجانب، لأن الأضرار الناجمة عن انخفاض قيمة الين تلاشت إلى حد كبير بسبب تحول تقوده الحكومة يقوم على خروج صناديق المعاشات التقاعدية من الاستثمار في السندات إلى الاستثمار في الأسهم.
بالتالي، هذا عالم تميل فيه عائدات الأسهم المحلية والمحوطة لأن تكون أقوى من العائدات الأجنبية غير المحوطة. مفتاح النجاح يكمن في تجنب فقدان ما تعول عليه من الاستثمارات بإساءة الحكم على العملة والعكس صحيح.
مع ذلك، لا تبدو هذه السوق المسيطر عليها من قبل البنوك المركزية بصحة جيدة. يأتي الكثير من مكاسب سوق الأسهم في الدول ذات السياسات النقدية الفضفاضة من تأثير الاستهلاك في أرباح المصدرين وليس من الأداء التشغيلي المتحسن. مثل تلك المكاسب المنقولة من مجال إلى مجال يمكن أن تتبخر بسرعة. لكنه عالم معقد أيضا. الشركات الأمريكية التي خسرت بسبب قوة الدولار قد تحقق مكاسب تعويضية بالاقتراض بتكاليف ضئيلة في أسواق السندات في منطقة اليورو.
الخطر في هذا الأنموذج الجديد للاستثمار هو أن المعادلة التبسيطية للسياسات النقدية الفضفاضة بوجود عملة ضعيفة وسياسة قوية مع ارتفاع في قيمة العملة، بعد أن نجحت جيدا لفترة من الوقت، قد تتوقف عن العمل. وتعتبر أسواق العملات أماكن غدارة، ويغلب على ظني أن الأداء المتفوق المتواصل فيها أكثر ندرة حتى من أسواق السندات والأسهم. أما الصدمات، سواء كانت بسبب أخطاء في السياسة أو المخاطر الجيوسياسية أو النكسات الاقتصادية غير المتوقعة، فإنها قد توقع حتى بالمستثمرين الذين استفادوا وحققوا أرباحا بشكل رائع من الأنموذج الجديد منذ بداية 2015 حتى الآن.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-05-05)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews