تحوّل المد في الأسواق الناشئة يخلط حسابات المستثمرين
نشهد حاليا طفرة طويلة الأجل تتميز بطلب لا يشبع على أي من المنتجات التي يبيعها الممولون. وهذا يبدو شبيها بوضع العالم المتقدم في الأعوام التي سبقت أزمة عام 2007. لكنه وصف يمكن أن ينطبق تماما على الأوضاع التي تواجهها الأسواق الناشئة على مدى نصف العقد الماضي؛ وضع يستعد للانتهاء في الوقت الذي يتم فيه تقليص عمليات شراء الأصول من قِبل المصارف المركزية في الولايات المتحدة، وأسعار الفائدة تأخذ في الارتفاع.
منذ بداية الأزمة، ضخ مستثمرو الأسواق المتقدّمة أموالا في سندات بلدان مجموعة "بريكس" ومجموعة "مينتس"، بتشجيع من النمو الاقتصادي السريع وارتفاع أسعار السلع الأساسية. ووفقا لشركة ماكينزي، ارتفع إجمالي سندات الأسواق الناشئة إلى 49 تريليون دولار في نهاية عام 2013. وهذا يمثل نحو نصف نمو إصدار السندات في جميع أنحاء العالم منذ عام 2007.
لكن الأحداث الأخيرة تظهر أن هؤلاء المستثمرين أنفسهم بدأوا بالتراجع، نتيجة استيائهم من الدولار القوي، وارتفاع المخاطر السياسية في روسيا والشرق الأوسط، وتراجع أسعار السلع الأساسية التي سحقت معدلات النمو في أنحاء العالم النامي كافة. ووفقا لشركة آي إن جي، شهدت الاقتصادات الناشئة الـ 15 الأكبر في النصف الثاني من العام الماضي، تدفقات خارجة بالقيمة المطلقة لرأس المال هي الأكبر منذ الأزمة.
وهذا يثير مخاوف حول الكيفية التي يمكن أن تجري بها أي عملية لإعادة التوازن، وما إذا كانت المؤسسات المالية التي راكمت الأموال قد يتبين الآن أنها ستكون مصدرا للعدوى. وما يجعل الأمر مسألة ذات أهمية خاصة هو الطبيعة المتغيرة لعمليات الإقراض عبر الحدود إلى الأسواق الناشئة. تقليديا معظم قدرة الاستيعاب تأتي من المصارف الدولية. ومع أن المصارف تبقى بمثابة مقرض كبير، إلا أنها كبحت رغبتها في تعاملات جديدة بسبب القوانين التنظيمية المتشددة.
الذي تسلم هذه المهمة هي أسواق رأس المال. فبحلول منتصف العام الماضي، أصدر المقترضون في الأسواق الناشئة 2.6 تريليون دولار من السندات الدولية، ثلاثة أرباعها كانت مقومة بالدولار.
ووفقا لكلاوديو بوريو، من بنك التسويات الدولية، كان تمويل الأسواق الناشئة القائم على السوق ينمو بنسبة تبلغ نحو 15 في المائة سنويا منذ عام 2010 - مرة أخرى نصف سرعة نمو الإقراض عبر الحدود من قِبل المصارف. وجزء كبير من التعاملات الناتجة انتهى بها المطاف في أيدي مديري الأصول والصناديق المشتركة الدولية.
والمخاطر التي يمكن أن تؤثر على سلامة النظام المالي، التي يفرضها مديرو الصناديق، تعد أقل فهما من مخــــــاطر المصــارف. لكن هنـــاك مصدر قلق واحد هو أن المديرين يملكون حافزا لمطاردة العوائد عندما تكون الظروف مبشرة بسبب الخوف من أن يتخلّفوا عن أقرانهم. وهذا يمكن أن يعمل على تضخيم الصدمات عندما تتحول ظروف الائتمان.
التغيير المفاجئ في الظروف - سواء السياسية أو الاقتصادية - عمل على تعرية بعض المراكز القوية اللافتة للنظر. مثلا، تبيّن في الآونة الأخيرة أن فرانكلين تمبلتون، الشركة الأمريكية لإدارة الأموال، اشترت نحو ثلث السندات الدولية في أوكرانيا قبل استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم العام الماضي. وفي آذار (مارس)، عينت شركة إدارة الأموال شركة بلاكستون لمساعدتها في المناقاشات مع كييف بشأن إعادة هيكلة هذه السندات.
لكن هنـــــــــاك مصدر قلق أكبر وهو أن المديرين قد يلجأون إلى النوعية في حال أدت بيئة ضعيفة إلى دفع المزيد من المستثمرين الأساسيين للسعي وراء استعادة أموالهم. هنا، المفارقة هي أن كثيرا من المبادرات التنظيمية التي تم اعتمادها منذ الأزمة يمكن فعلا أن تجعل من الصعب عليهم بيع مراكزهم. وأصبحت المصارف - المصدر الرئيس للسيولة - مترددة أكثر في صنع السوق عندما يرغب المستثمرون في البيع. ويظهر بحث أجراه بنك التسويات الدولية أخيرا أنهم قاموا بتخفيض حيازاتهم من سندات الدولار التي أصدرتها مؤسسات غير مصرفية خارج الولايات المتحدة من 18 إلى 10 في المائة منذ الأزمة. ومن المحتمل أن يؤدي هذا إلى تضخيم التقلّب في فئة الأصول، إلى جانب خسائر للمستثمرين وتعطيل في الأسواق الناشئة.
إحدى الطرق لرؤية هذا هي بمقارنة التأثير على حيازات مديري الأصول من سندات الأسواق الناشئة أثناء أزمة ليمان في عام 2008 وعمليات البيع الشاملة التي أثارها نقاش الاحتياطي الفيدرالي حول الانسحاب التدريجي الذي بدأ في أيار (مايو) 2013. في الحالة الأولى، كان هناك انخفاض بنسبة 36 في المائة في الأصول المدارة في صناديق سندات الأسواق الناشــــئة، بيــــــنما انخفضت في عام 2013 بنسبة أكثر تواضعا بلغت 7.6 في المائة. لكن الأمر اللافت للنظر، أن الارتفاع في العوائد في كل حالة كان نفسه تقريبا.
كل هذا يشير إلى حقيقة أنه في حين أن المصارف قد أصبحت أقوى منذ الأزمة، إلا أن هذا قد يكون على حساب وجود نقاط ضعف جديدة. في أحدث تقرير حول مراجعات الاستقرار المالي التي يصدرها صندوق النقد الدولي، يظهر توتر الصندوق بشأن قدرة مديري الصناديق على التحمل والصمود في وجه أزمة أخرى. إذا تسارع التفكك في الأسواق الناشئة، ربما يجد المستثمرون فرصة لرؤية مدى متانة هذه المؤسسات فعلا.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-04-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews