أنظمة السوق المالية ومشكلة جودة معلومات الشركات
المعلومات المالية التي يتم الإفصاح عنها في القوائم المالية معلومات ذات خصائص معينة، ومن الضروري على أي طالب في علم المحاسبة أن يحفظ هذه الخصائص عن ظهر قلب، فهي الإطار المفاهيمي للمعلومات الذي يحتاج إليه الطالب لدراسة وفهم معايير المحاسبة والمراجعة، بل وحتى أنظمة التكاليف ودعم القرار. القوائم المالية هي قالب كل المعلومات المالية التي تنتجها المحاسبة، ولم يتم تطوير شكل وهيكل وطرق عرض القوائم المالية وما تحتويه عفويا أو فوضويا، بل هي إبداع تراكم على مدى قرون لمفكرين كبار من أجل بناء نظام محكم من المعلومات التي تتجاذب فيه العناصر الرئيسة للقوائم المالية، كما تتجاذب الأفلاك، وكل عنصر فيها تفسره أرقامه، وإذا تغيرت هذه الأرقام بنقطة واحدة تغير النظام كله بما يناسبها، فهي عناصر كما الكواكب إذا اضطرب كوكب في مكانه ولم تستقر أرقامه اضطرب النظام حتى ينهار.
القضية التي تواجه المحاسبين في المملكة اليوم هي التفاوت بين مفاهيم جودة المعلومات المالية التي يؤمنون بها، وبين عدد من الأنظمة التي تتعارض جزئيا مع هذه الجودة إما لقدمها أو لأنها تجبر المحاسبين على اعتماد التقدير أكثر ما ينبغي، وهو تقدير يضعف جودة المعلومات المحاسبية إذا كان بالإمكان تفاديه تماما. فنظام الشركات السعودي صدر قبل 50 عاما تقريبا، وقد تغيرت الكثير من مفاهيم المحاسبة ودلالاتها، تغيرت القوائم المالية وطرق عرضها، تغيرت بعض القوائم المالية، ومع ذلك بقي النظام القانوني الذي يحكم هذا بلا تغيير ثم يطلب من المحاسبين والشركات بناء قوائم مالية ذات جودة تلتزم بمتطلبات هذا النظام، بل تلتزم ببعض القرارات التي يصعب اليوم تنفيذها تماما دون الإخلال بجودة المعلومات المحاسبية، فالشركات السعودية اليوم لم تعد تلك الشركات قبل 50 عاما.
وإذا كنا نشتكي من تعارض بعض قرارات وأنظمة وزارة التجارة مع جودة المعلومات المحاسبية لقدمها فإن الغريب أن تنتقل هذه الظاهرة إلى أعمال هيئة السوق المالية وهي التي نشأت حديثا قبل نحو عشر سنوات تقريبا، لكن مع ذلك بقيت بعض القرارات تؤثر بشكل ما على المعلومات وبعض هذا التأثير جوهري وبعضه الآخر أقل، وبغض النظر عن حجم هذا التأثير فإن المحاسبين والشركات يضطرون للتضحية بجودة المعلومات وذلك من أجل الاستجابة لمتطلبات السوق المالية وذلك عن طريق الاعتماد كثيرا على تقديرات كان يمكن تجنبها.
ومع أن هناك أنظمة تؤثر على المعلومات المالية إلا أن المحاسبين في المملكة كانوا قادرين من خلال خبراتهم على تجاوز هذه العقبات دون أن يتسبب ذلك في قوائم مالية مضللة، لكن اليوم مع بروز مشروع التحول إلى المعايير الدولية للتقارير المالية ومعايير المراجعة الدولية فإن الأمر سيتفاقم ولا شك. فالمعايير الدولية توسعت كثيرا في قضايا تتطلب التعاون الكامل بين المحاسبين في الشركات على مستوى العالم خصوصا في الشركات التي لها أنشطة خارج المملكة تصدر لها قوائم مالية مستقلة بسبب عملها خارج المملكة، وهي بالتأكيد – نظرا لذلك - تخضع لقوانين مختلفة هناك، وتصبح هذه المشكلة أكثر تعقيدا إذا كانت الشركة تابعة أو كانت شركة تقدم خدمات للشركة السعودية. فالتطبيق الجيد للمعايير الدولية في المملكة يتطلب مرونة كبيرة في الأنظمة حتى يمكن للمحاسبين من المحافظة على جودة المعلومات المحاسبية. فالتحول الشامل لمنظومة المعايير الدولية يقتضي مراجعة شاملة لأنظمة وتعليمات وزارة التجارة، وكذلك يقتضي أن تعيد هيئة السوق المالية دراسة أنظمتها ومن ثم تعديل ما يتناسب مع المعايير الدولية، وهذه المراجعة التي نطلبها ليس معناها أن هناك تعارضا بين تطبيق هذه المعايير والأنظمة في المملكة بل إن تطبيقها في ظل هذه الأنظمة ممكن لكن جودة المعلومات المالية قد تضعف قليلا إذا لم يتم معالجة بعض المشكلات القائمة، في الوقت الذي كان الهدف من التحول إلى المعايير الدولية في المحاسبة والمراجعة تطوير جودة التقارير والمعلومات المالية.
يجب ألا يفهم من مقالي هذا أنني ضد مشروع التحول إلى المعايير الدولية، بل أنا معه قلبا وقالبا، ولقد بذلت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين كل ما في وسعها من أجل نجاح هذه التجربة وقامت بمراجعة كل المعايير وفحص تعارضها مع الشريعة الإسلامية والأنظمة القائمة. لكن هناك متطلبات في السوق المالية ووزارة التجارة وحتى مصلحة الزكاة والدخل وهناك متطلبات من المعايير الدولية، ولكي يفي المراجع بكل هذه المتطلبات فإن عليه أن يضحي أحيانا بجودة المعلومات وهنا المشكلة. لا أحد يتوقع من الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين أن تقوم بعمل غيرها، لكن يجب على كل من وزارة التجارة أن تدرس المعايير جيدا وتحدث أنظمتها وعلى هيئة السوق المالية أن تعدل ما يلزم وعلى مصلحة الزكاة أن تراجع تعليماتها، هذه مهامهم ويجب عليهم القيام بها، ويجب عليهم الاستماع للمحاسبين القانونيين الممارسين وكيف يمكن تطبيق المعايير الدولية بطريقة تجعل المعلومات المالية أكثر دقة.
إذا لم تقم هذه الجهات بدورها المتوقع فإن شركة ما في وقت ما سوف تقدم معلومات مالية تعد في نظر إحدى هذه الجهات أو السوق المالية والمحللين على أنها معلومات مضللة وهي غير ذلك. والسبب أن متطلبا ما لإحدى الهيئات تسبب في أن يلجأ المحاسبون ومعهم المراجعون للتقدير.
(المصدر: الاقتصادية 2015-03-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews