كيفية التعامل مع المعلومات المؤثرة في السوق المالية
يعتمد تداول الأوراق المالية كالأسهم وغيرها على المعلومة، سواء كبيانات مالية رسمية للشركة أو كتطورات متعلقة بنشاط الشركة، وغيرها من الأخبار الاقتصادية والمعلومات المساندة ذات التأثير المباشر في الشركة. إن السبب في ارتفاع سعر أحد الأسهم أو انخفاضه في أي وقت من الأوقات يعود للمعلومة، التي قد تكون مشاعة أو خاصة، أو قد تكون مجرد استنتاجات توصل إليها بعض المتداولين. مشكلة المعلومات الخاصة مشكلة كبيرة في أي سوق في العالم، فأين نحن في سوق الأسهم السعودية من المعلومات الخاصة وهل من سيطرة تامة عليها؟
تؤثر المعلومة المشاعة التي تعلن على الملأ في حركة الأسهم، ولكن ذلك التأثير يعتبر أمرا عادلا، كون جميع المتداولين يحصلون على المعلومة في وقت واحد. لذا تولي جميع البورصات أهمية بالغة لتوقيت هذا النوع من المعلومات بحيث تصل إلى جميع المتداولين في الوقت نفسه وبفترة زمنية كافية لاستيعابها والتصرف وفقا لها. أما المعلومة الخاصة الجوهرية فهذه من أصعب الأمور التي تعانيها الأسواق، نظرا لصعوبة السيطرة عليها، وإبقائها في وضع سري إلى أن تصبح معلومة مشاعة. لذا نجد أن نظام السوق المالية في المملكة أفرد لهذا النوع من المعلومات فصلا كاملا بعنوان "الاحتيال والتداول بناء على معلومات داخلية". أما عندما تكون المعلومة عبارة عن تحليل واستنتاج بناء على ما هو متاح من معلومات فلا خلاف عليها، حيث يخضع ذلك لما يعرف بنظرية الموزاييك -- أو الفسيفساء -- والتي تعني خروج الشخص بمعلومة مهمة مبنية على إما معلومات جوهرية مشاعة أو على معلومات خاصة ولكن غير جوهرية، أو معا.
أساس المشكلة في السوق المالية السعودية أنه يلاحظ حالات متكررة لنشاطات مشبوهة في بعض أسهم الشركات، تتمثل في ارتفاع أو انخفاض مفاجئ لسعر السهم دون وجود أية أخبار جديدة عن الشركة، ثم يتبين لاحقا في اليوم نفسه أو في اليوم التالي وجود خبر جوهري متعلق بالشركة. بالطبع هناك حالات ترتفع فيها الأسهم وتنخفض بسبب شائعات أو توصيات أو تحليلات من محللين ممن لهم متابعين كثر، غير أن هذا النوع من التحركات ليس له أهمية كبيرة لكونه مبنيا على توقعات قد تخطئ وقد تصيب. الخلل يأتي عندما يكون للتحركات سبب حقيقي متعلق بالشركة لم يعلن بعد على الملأ، تستفيد منه فئة دون غيرها، بشكل مخالف لمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة في السوق المالية.
كيف يمكن لفئة دون غيرها الحصول على معلومات مهمة ومؤثرة في حركة الأسهم؟
هناك نوعان من المعلومات المؤثرة، النوع الأول داخلي وهي المعلومات التي يتم تداولها داخل الجهاز التنفيذي للشركة أو مجلس الإدارة، وهذا النوع تتم السيطرة عليه من خلال أنظمة الحوكمة وإجراءاتها، وتدخل أي مخالفات لضبط هذا النوع من المعلومات في باب التداول المبني على معلومات داخلية، الذي تصل عقوبته إلى السجن. أما النوع الثاني من المعلومات المؤثرة فهي المعلومات الخارجية التي تصدر من جهات أخرى وتكون ذات تاثير بالغ في الشركة أو في القطاع أو ربما في السوق بكامله. ما يعنينا هنا في هذه المقالة هو هذا النوع الثاني من المعلومات المؤثرة.
كيف يمكن لهيئة السوق المالية ضبط المعلومات الخارجية المؤثرة؟
من الواضح أنه لا يوجد حاليا أي تنظيم لهذا النوع من المعلومات. يحدث كثيرا أن يتم تداول موضوع حساس ومؤثر من قبل لجنة حكومية تجتمع في إحدى الوزارات أو في مقر هيئة الخبراء في مجلس الوزراء، بعضوية عدة أشخاص من جهات حكومية متعددة، بهدف الخروج بتوصية معينة متعلقة بشكل مباشر أو غير مباشر ببعض الشركات أو بقطاع معين، أو بسوق السهم بشكل عام. كثير من القرارات المهمة التي تصدر من بعض الوزارات أو من مجلس الشورى أو من مجلس الوزراء تنطلق غالبا من نقاشات على مستوى لجان حكومية، دون الالتفات لمدى أهميتها وتأثيرها في السوق المالية. ومع كثرة الأشخاص المعنيين وفي غياب أي إجراءات منظمة، يحدث مع الأسف تسريب لبعض المعلومات المهمة، تتلقفها بعض الأيدي وتجد طريقها إلى سوق الأسهم. من الأمثلة على هذا النوع من المعلومات، هناك قرارات متعلقة بالسماح بالتصدير من عدمه، قيود على عمالة قطاع معين، معونات حكومية أو تغيرات في التعرفة الجمركية، رسوم على الأراضي، إعلان برنامج إسكاني ضخم، إبرام اتفاقيات تجارية مع بعض الدول ذات تأثير مباشر في قطاع معين، السماح للمستثمرين الأجانب بتداول الأسهم، إعلانات اقتصادية متعلقة بالناتج الإجمالي أو بحجم الميزانية السنوية أو بمعدلات الفائدة، صدور أحكام قضائية بحق إحدى الشركات، إقرار مشروعات كبيرة لبعض الشركات المدرجة نصيب الأسد منها، وهكذا.
ما الحل؟
على هيئة السوق المالية الرفع للمقام السامي بطلب الموافقة على إجراءات تنظيم تداول المعلومات المؤثرة في السوق المالية، بحيث يتم التعميم على جميع الجهات الحكومية بضرورة الالتزام وتطبيق تلك الإجراءات حالما يتبين للجهة الحكومية وجود أي من هذه المعلومات المؤثرة. فكرة الإجراءات المطلوبة أن تقوم الجهة الحكومية بتصنيف الخطابات ذات المعلومات المؤثرة على أنها من النوع المؤثر في السوق المالية وبالتالي يتم التعامل معها وفق إجراءات محددة تضمن سرية المعلومات وعدم تداولها إلى أن يتم إصدار خبر بها من قبل هيئة السوق المالية. هناك حالات يستوجب على الهيئة إصدار خبر مبدئي بهذا الخصوص، كأن تقول الهيئة إنه ورد إليها خبر من الجهة الفلانية عن وجود نقاشات متعلقة بالموضوع الفلاني وأن الهيئة ستوافي السوق بما يستجد في حينه. مثل هذه الخطوة تقطع الطريق على المنتفعين من الأخبار الجوهرية وتجعل المعلومة تصل إلى جميع المشاركين في السوق بعدالة وشفافية.
(المصدر: الاقتصادية 2015-12-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews