الشركات العائلية .. ومشكلة ضعف التسويق
بدأت قبل عدة أسابيع سلسلة مقالات عن الشركات العائلية. بينت في المقال الأول ما المقصود بالشركات العائلية؟ وفي المقال الثاني عرضت أهم مشكلة تواجه الشركات العائلية وكيف أن غياب المؤسس يعد معضلة جوهرية وسببا رئيسا في انهيار أغلبية الشركات العائلية. وفي المقال الثالث تطرقت إلى الجوانب التنظيمية وافتقار الشركات العائلية إلى الرسالة والرؤية وصعوبة بناء الاستراتيجية. وفي السلسلة الأخيرة ناقشت بقية المشاكل الأخرى التي تعد قواسم مشتركة لكثير من الشركات العائلية ومنها عدم وجود هيكل تنظيمي يعكس واقع الشركات العائلية. وفي هذا المقال أريد أن أناقش كيفية ممارسة التسويق في الشركات العائلية من حيث مدى توافر البنية التحتية وعناصر المزيج التسويقي، وسوف يكون تركيزنا مقتصرا على شركات التجزئة.
من مقومات التسويق وجود إدارة أو قسم متخصص يقوم بممارسة وظائف التسويق المختلفة في الشركة كأحد مكونات الهيكل التنظيمي. وقد تبين عدم وجود هذه الإدارة في معظم الشركات العائلية. يوجد في بعض الشركات موظف واحد فقط متخصص يتم التعاقد معه لأداء مهام التسويق وربما هناك شبه عدم اعتراف به من قبل بعض أقسام الشركات العائلية إلا أنه لا يوجد قسم تسويق مفعل بالمعنى الحقيقي ولا توجد إجراءات لهذا القسم. وهذا يقودنا إلى أن الشركات العائلية لا تقوم بعمل أي إجراء تنافسي يعزز موقفها أمام المنافسين ويزيد من حصتها السوقية لأنه ليس لديها من الأصل استراتيجية للمنافسة.
كما أنه لا يوجد لدى كثير من الشركات العائلية القدرة على الاستفادة من التغذية الراجعة. فردة فعل السوق غير واضحة لدى كثير من الشركات العائلية. من الضروري عند بيع منتجات الشركة والتعامل مع العملاء أو اتخاذ أي إجراء تسويقي أو إداري، معرفة ردة فعل السوق لهذا الأمر وإعادة تقييم الأوضاع في ظل ما تتلقاه الشركة من معلومات بهذا الخصوص واتخاذ القرار المناسب بما يتوازى مع ردة الفعل هذه، إلا أن هذا غير متوافر لكثير من الشركات العائلية.
كما أنه عند فحص نظام المعلومات لبعض الشركات العائلية لم نتمكن من العثور على قاعدة بيانات خاصة بعملاء الشركة تحتوي على البيانات ذات العلاقة. فوجود قاعدة بيانات العملاء أمر ضروري لكل شركة أو منشأة بما تحتويه من بيانات عن عملائها تساعد الشركة على التواصل المستمر معهم وتحقيق تطلعاتهم التسويقية بجانب ما تسهله من إجراء بحوث التسويق وجمع المعلومات من مصادرها. هذه مشكلات البنية التحتية لإدارة التسويق في الشركات العائلية أما مشكلات المزيج التسويقي فكثيرة. أول مشكلة تتمثل في انقطاع منتجات الوكالات الرئيسة التي تتاجر فيها الشركات العائلية ونخص بذلك شركات التجزئة ونتيجة لانقطاع تدفق منتجات الوكالات الرئيسة إلى مستودعات الشركة العائلية تضطر الشركة إلى توزيع بضائع أخرى تحصل عليها من الموردين في الداخل تتصف بانخفاض هوامشها الربحية ما يعني عدم جدوى المتاجرة فيها، إضافة إلى ما يسببه وجودها من جهد وما تتطلبه من مساحة تخزين وسيارات توزيع. وقد كان الواجب على الشركات العائلية عدم حل مشكلة بإيجاد مشكلة أخرى، وبذل جهود للحصول على وكالات لمنتجات شركات أخرى تعزز من وضع الشركة المالي وتفتح آفاقا تجارية لسد فجوة ضعف تدفق بعض المنتجات.
كما تقوم معظم الشركات العائلية أيضا بتوزيع سلع ليست ضمن السلع الرئيسة ولكن تلجأ إليها أحيانا نتيجة هامش الربح العالي، وهذه المنتجات قد تكون لها خصوصية في التخزين والتوزيع لا توفرها الشركة كما أنها تضيف على الشركة عبئا كبيرا وتصرفها عن التركيز على منتجاتها الرئيسة كما أنها تبدد وتبعثر طاقاتها. ومن منظور علمي لا يوجد مبرر للتعامل مع هذه المنتجات وإن كان هامش ربحها أعلى من منتجاتها التقليدية وعليها أن تركز على نشاطها وسلعها الأصلية.
أما مشاكل التوزيع فمتعددة وكثيرة منها عدم المقدرة على تغطية منطقة الامتياز الخاصة بها، وعدم وجود ناقلات مهيأة للمنتجات التي تحتاج إلى عناية، وكذلك قلة عدد المندوبين، وافتقاد الشركة إلى استراتيجية واضحة ودقيقة لممارسة وظيفة التوزيع. فقد تبين لنا أن بعض الشركات العائلية لها منطقة امتياز ينبغي عليها أن تستهدفها وتحاول تغطيتها إلا أنها لا تستطع تغطية جزء كبير منها ما يفوت الفرصة والربحية عليها، وقد يرجع السبب إلى قلة عدد مندوبي المبيعات. ويعتمد كثير من الشركات العائلية اعتمادا أساسيا عند بيع منتجاتها على مندوبي المبيعات إلا أن هناك عجزا وندرة في عددهم سواء في المراكز الرئيسة للشركات أو الفروع.
أما فيما يخص وظيفة الترويج فقد تمت ملاحظات عدم وجود أي برنامج ترويجي لربط منتجات وسلع الشركات العائلية بالأسواق والمنافسين. فالبرنامج الترويجي عبارة عن وسيلة اتصال ما بين الشركة والمستهلكين، وهناك عدة وسائل تمكن من الاتصال بالجمهور وتعريفهم بمنتجات الشركة وهي: البيع الشخصي، والإعلان، وتنشيط المبيعات، والتسويق المباشر، والعلاقات العامة. وهذه الأدوات تختار منها الشركة حسب نشاطها وحجمها ووضعها القانوني، إلا أنه لم تتم رؤية أي أثر لوجود هذه العناصر ما يدل على أن الشركات العائلية تعمل بعيدا عن أساليب التسويق الحديث.
هذا الأمر ينطبق على وظيفة التسعير، فمن الواضح أنه لا توجد سياسة مكتوبة بالمعنى الحقيقي للسياسات التسعيرية التي تسعى الشركة لتطبيقها، وإنما هناك اجتهادات شخصية أغلبيتها عشوائية من الإدارة لوضع أسعار معينة لمنتجات الشركة دون آلية مدروسة لوضعها. ومن الملاحظ أنه رغم وجود تلك الاجتهادات فإن الإدارة تقوم بتغيير الأسعار بشكل مفاجئ ودون مبرر منطقي يستند إليه هذا التغيير.
كل هذا يدل على أن الشركات العائلية غير قادرة على ممارسة وظيفة التسويق بشيء من المهنية ما أفقد كثيرا منها حصتها السوقية وتسبب في تناقص أرباحها أو بقائها ثابتة في مكانها لعدة سنوات بل عقود.
(المصدر: الاقتصادية 2016-01-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews