مفهوم حوكمة الشركات العائلية .. والدليل الرديء

أصدرت وزارة التجارة دليلا لحوكمة الشركات العائلية، وهو دليل لم يزل قيد الدراسة، وقد وضعته الوزارة في موقعها الإلكتروني للعموم من أجل رفع الملاحظات للوزارة عن هذا المشروع. في البداية نشكر الوزارة أنها تعود إلى مواقعها الحقيقية وتهتم بالشركات وبصناعة التجارة في المملكة وتنظيمها بما يخدم جميع الأطراف، ورغم أن المشروع مبشر بخير، لكنني – وبسببه أيضا – أقول إن الوزارة لم تزل بعيدة عن ممارسة دورها الحقيقي وتنشغل بالشكليات. هذا المقال يأتي تعليقا على مشروع دراسة حوكمة الشركات العائلية.

بداية لماذا نهتم بالشركات العائلية دون باقي الشركات؟ والسؤال الثاني الأهم هل هناك – في عالم الحقيقة - شركة عائلية، وهل هذا التصنيف موجود فعلا، أم هو من بنات أفكار مجتمعنا، وهل الشركات العائلية المعروفة في علم إدارة الأعمال والمدروسة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة هي المقصودة في الدليل وهي التي نتحدث عنها الآن في المجتمع السعودي؟ هذه الأسئلة جميعها، التي بناء عليها تم بناء الدليل قد فشلت الوزارة ومستشاروها في الإجابة عنها. لقد اعتبرت الوزارة أن هناك في عالم الاقتصاد لدينا شركات عائلية لمجرد أن كل أو جزءا رئيسا من ملاكها يمثلون عائلة. لكن هذا التعريف للشركة العائلية يضع كل شركات العالم في مستوى الشركة العائلية، ولهذا أيضا فقد دار الدليل حول نفسه كثيرا وهو يحاول أن يسيطر على مفهوم الشركات العائلية لدينا ثم انتهى إلى تعريف خطير جدا لم يقل به أحد من قبل – في حد عملي - ذلك أن تعريف الشركة العائلية – ووفقا للدليل – هي رغبة ملاكها في اعتبار شركتهم عائلية. وقد أكون قاسيا إذا قلت إن هذا يذكرني بقول الشاعر:

كأننا والماء من حولنا

قوم جلوس حولهم ماء

والسؤال المهم لماذا ورطت الوزارة نفسها في موضوع الشركات العائلية إذا لم تستطع تحديد مفهوم دقيق لها؟ المشكلة أن هذا الدليل – وفقا لهذا المفهوم - لم تعد له قيمة مضافة فعلية، كما أنه سيوجد مشكلة للشركات أكبر وأعقد من الوضع الحالي، فمثلا إذا أراد البعض من أفراد عائلة منضمة لشركة ما تصنيفها بأنها عائلية لتطبيق الدليل، بينما طرف آخر في الشركة يرفض تطبيق الدليل على أساس أنه لا يرغب في تصنيفها بالعائلية ولا يوجد تصنيف قانوني في نظام الشركات السعودي لما يسمى شركة عائلية، فمن سيحكم بينهما في هذه المسألة، كان يجب على الوزارة أن تؤسس تصنيفا قانونيا شرعيا للشركات العائلية في النظام قبل أن تضع لها قواعد حوكمة.

أضف إلى ذلك أن أي توجه مستقبلي من الوزارة لتفعيل هذا الدليل سوف يتم إحباطه بمجرد خطاب من إدارة الشركة بعدم رغبة الملاك في اعتبار شركتهم عائلية، ومرة أخرى إذا كان تصنيف الشركة العائلية هو شأن عائلي لماذا تورط الوزارة نفسها في شأن عائلي؟ وبسبب هذه المشكلة نفسها تورط الدليل أيضا في فخ المقارنة بين الشركات ذات المسؤولية المحدودة والشركات المساهمة وهو أمر لا معنى له ولا دخل له في دليل الحوكمة، لكنه يشير بكل وضوح إلى أن الوزارة لا تعرف على وجه الحقيقة ما هي الشركة العائلية التي تريد أن تضع لحوكمتها دليلا.

ليست مشكلة الدليل أنه عجز عن تحديد تعريف للشركات العائلية فقط، بل أخفق أيضا في بناء هيكل متكامل للحوكمة، فلقد جاء في فهرس الدليل التقسيم التالي (الهيكل النظامي، هيكل النشاط، فصل الملكية عن الإدارة، ميثاق العائلة، انتقال الحصص والتخارج، تفسير المواثيق وتعديلها) نلاحظ من هذا التقسيم أن مفهوم الحوكمة الذي تسعى إليه وزارة التجارة مفهوم فضفاض لا تعرف من أين تبدأ به ولا أين تنتهي منه كوادي الرمة، فالهيكل النظامي موضوع فرعي متفرع عن عدة موضوعات رئيسة في الحوكمة، ثم هيكل النشاط – في حد علمي - ليست له علاقة بالحوكمة، لا أعرف لماذا أقحمت الوزارة موضوع التخارج وانتقال الحصص على أساس أنها من قواعد الحكم الرشيد، هل هناك مشكلة خلط بين نظام الشركات وقواعد الحوكمة؟

المشكلة دائما أن الدليل يدور حول نفسه فقد تم إعداده ونشره على أساس أنه دليل لحوكمة الشركات العائلية، ثم يعود لاحقا ويظهر أنه لم يضع قواعد لحوكمة الشركات ولا يريد ذلك، بل يتحدث في أمور تعبيرية بحتة مثل الفروق بين شركات المسؤولية المحدودة والمساهمة، مراحل تطور الشركة العائلية وأجيالها، الفرق بين الهيكلة النظامية وهيكلة النشاط، كأننا أمام طالب يريد أن يعبئ ورقة إجابته بكل ما لديه من معلومات تلقاها خلال الدراسة لكنه لا يعرف أيا منها تمثل الإجابة الصحيحة.

تحدث الدليل بإسهاب عن ميثاق العائلة، وملتقى العائلة على أساس أنهما من قواعد الحوكمة، وإذا قبلت – جدلا – بأن ميثاق العائلة يمثل عنصرا من قواعد الحوكمة (لا أعرف كيف يصنف) فكيف يكون ملتقى العائلة من قواعد حوكمة الشركة؟ هل يقصد أن يكون ملتقى العائلة نظيرا للجمعية العمومية، أم تحول الدليل من تنظيم الحكم الرشيد في الشركات إلى تنظيم العلاقات العامة داخل العائلات التجارية؟ ثم تحدث الدليل عن مجالس الحكم في الشركة وهذه نقطة لا بأس بها وإن كنت أرى مجلس العائلة يفتقد الصبغة النظامية له.

وإضافة إلى كل هذه التحفظات فإن الدليل لم يتحدث عن أمور في غاية الأهمية بالنسبة للحوكمة وقواعدها، لم يخبرنا بشيء عن الشفافية والإفصاح، لم يتحدث عن الرقابة واللجان المنبثقة عن مجالس الشركة، لم يتحدث عن المجلس الرقابي الذي يوجد في نظام الشركات، لم يتحدث بشيء عن التقارير وعن دور المراجعة الداخلية ولجنة المراجعة وعن المراجعة الخارجية. أين علاقة هذا الدليل بالقواعد التي أقرتها هيئة السوق المالية، فإذا تحولت شركة عائلية إلى شركة مساهمة أين يكون مكان هذه المجالس التي ذكرها الدليل في الشركة أم أنها ستختفي تلقائيا؟ كل هذه التحفظات وأكثر تجعلني أطلب من وزارة التجارة أن تعيد النظر في الدليل مرات عديدة.

(المصدر: الاقتصادية 2015-07-11)