مخاوف المستثمرين من الشركات المالية العملاقة
هل يجب أن يخضع مديرو الأصول الضخمة للضوابط التي تحكم المصارف وشركات التأمين؟ بحسب قطاع المال، لا تشكل مؤسسات مالية عملاقة مثل بلاك روك أي تهديد على السوق، ولكن تظهر أبحاثنا فرضية أخرى.
تعد شركة بلاك روك إحدى الشركات العملاقة في عالم المال مع مجموع أصول 4 - 5 تريليونات دولار أمريكي. وكانت حتى وقت قريب تخضع كليا لرقابة مجلس الاستقرار المالي.
صنف مجلس الاستقرار المالي منذ الأزمة المالية العالمية 30 مصرفا وتسع شركات تأمين "مؤسسات مالية ذات أهمية" أو "أكبر من أن تفشل" أكدت أنها تعتمد معايير عالية من الدقة في تطبيق اللوائح. ولأكثر من 12 شهرا دُرس وضع مديري الشركات الكبرى ذات الأصول الكبيرة مثل بلاك روك تحت أنظمة مماثلة، لكن تم التراجع عن هذا الموقف الأسبوع الماضي، وذلك تماشيا مع المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO) التي تعتبر أن التركيز بفهم المخاطر المحدقة بالقطاع ككل أكثر أهمية من القلق حيال شركات كبيرة بعينها. وبنوا قرارهم هذا بناء على فرضية -أنه على خلاف المصارف- يتم احتساب القروض والودائع ضمن ميزانية الشركة كأصول وديون، فشركة بلاك روك ومثيلاتها مجرد مديرين على أموال الآخرين. وعلى هذا النحو، يتحكم مديرو الأصول في الاستثمارات بالنيابة عن الآخرين. وعلى نقيض المصارف التي تستفيد من الأموال المودعة، يستثمر مديرو الأصول فقط الموارد المالية التي يتلقونها من المستثمرين، وفي حال فشل الاستثمار، تخسر الأموال دون أن يكون هناك تأثير في السوق المرتبطة بإدارة الأصول. بحسب "الإيكونوميست" يشجع وجود لاعب كبير في عالم المال على إيجاد بيئة مالية صحيّة، حيث يختار المسؤول أصولا بأسعار زهيدة من البائعين المضطّرين، وهذا يساعد بدوره في استقرار السوق بدلا من زعزعته. وعلى ما يبدو أنهم على صواب. ومع ذلك، يؤخذ على هذه النظرية أنها لا تأخذ بعين الاعتبار تأثير وجود شركة واسعة الانتشار مثل بلاك روك على اللاعبين الآخرين في عالم المال.
الهروب من "بلاك روك"
تبين أن الملكية المركزة قد تؤدي إلى الهشاشة في عالم المال، في حين لا توجد كثير من الأدلة على التأثير المتوقع للتتغير بنسبة الملكية في سلوك المستثمرين الآخرين في السوق.
درست وكل من زملائي ديفيد شوماخر أستاذ مساعد في المالية في جامعة ماك جيل، ويان وانج أستاذ مساعد في جامعة إيراسموس تأثير استحواذ شركة بلاك روك في 2009 لشركة باركليز جلوبال إنفستورز (BGI) على مجمل قطاع الأسهم على مستوى العالم. وكانت صفقة ضخمة في قطاع يؤثر بشكل مباشر في سوق الأوراق المالية ويمثل أكثر من 60 في المائة من القيمة السوقية للأسواق العالمية.
أخذت أبحاثنا بعين الاعتبار اثنتين من الفرضيات المتناقضة -أولاهما أن زيادة تركيز الملكية ستعطي انطباعا إيجابيا عن جودة الأصول التي يتم شراؤها، ما يزيد الاهتمام في الأوراق المالية، وبالتالي زيادة السيولة ورفع سعر السهم. تأخذ الفرضية الثانية احتمال أن يثير تركيز الملكية قلق المستثمرين، بسبب التأثير السلبي المحتمل في سعر السهم، إذا ما تعرضت شركة بلاك روك لمشكلة مفاجئة تسببت في بيع ملكية أسهمها، أو إذا ما بادر المستثمرون ببيع أسهمهم ما سيحمل المساهمين الآخرين على أن يحذوا حذوهم.
أثبتت الفرضية الثانية صحتها. وبنظرة معمقة على البيانات المتوافرة، وجدنا انصراف بعض المستثمرين عن الأوراق المالية التي ترتفع فيها حصة بلاك روك بعد استحواذها على (BGI)، وتحولوا نحو أسهم مماثلة لا تتملك فيها (BGI) قبل الاندماج. شهدت الأسهم التي صاحبتها زيادة كبيرة في تركيز ملكية بلاك روك بسبب الاندماج عوائد سلبية، وأصبحت أقل سيولة وتقلبا بشكل مستمر. وهذا يشير إلى ضرورة امتلاك نظرة شاملة عند دراسة احتمالات المخاطر في السوق.
دافع الخوف
تؤثر الخطوات التي يقوم بها اللاعبون الكبار على الآخرين، حيث سيبادر الجميع إلى التحرك بسرعة وبيع أسهمهم إذا ما شعروا بالخوف من قيام أصحاب الملكية المركزة بالبيع أولا. وهذا هو السيناريو القائم، فعادة ما يقوم مديرو الأصول بتفادي شراء الأسهم التي تستثمر فيها بلاك روك بسبب خوفهم من قيامها بزعزعة الاستقرار في السوق. ومن الممكن أن تكون تداعيات ذلك أن تعاني الشركات انخفاض الأسعار وقلة السيولة. وتجدر الإشارة إلى أن بلاك روك تمتلك المهارات والقوة، الأمر الذي يعود على مستثمريها بالفائدة حيث لا يتم إغفال ذلك. في النهاية الأسهم هي أكبر الخاسرين، فالمخاطر المحتملة تجبر أسعارها على الانخفاض.
هذا ليس تنبؤا لما يمكن حدوثه، فالمثير للقلق ليس الخوف من مواجهة بلاك روك لكارثة مالية، ولكن ما نرغب في توضيحه هو أن السوق هي المسؤولة عن احتمال وقوع الكارثة. فالكوارث المالية غالبا ما يكون دافعها الأساسي هو الخوف.
يتحكم مديرو الأصول العملاقة مثل بلاك روك في استثماراتهم، لكنهم لا يستطيعون التحكم في كيفية إدارة المستثمرين الآخرين لأموالهم. ولكن يظل وجودهم ضروريا ومهما حتى بوجود المخاطر التي لا يمكن تجنبها.
(المصدر: الاقتصادية 2015-11-10)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews