الدولار الأمريكي القوي يهدد النظم المالية للأسواق الناشئة
انخفضت قيم عملات غالبية دول الأسواق الناشئة إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة أمام الدولار الأمريكي، حيث تراجع مؤشر "جى. بى. مورجان" الذي يقيس مدى قوة أسعار صرف مجموعة من عملات دول الأسواق الناشئة أمام الدولار إلى أدى مستوياته منذ إنشائه في عام 2000، ومن ثم فقد زاد الطلب العالمي على الدولار الأمريكي زيادة كبيرة نتيجة لخفض الكثير من مستثمري هذه الاقتصادات الناشئة من مراكزهم المالية من عملات بلادهم لصالح العملة الأمريكية القوية.
ولقد فرض الدولار الأمريكي القوي مزيداً من الضغوط على اقتصادات الأسواق الناشئة، في ظل تباطؤ النمو في الصين ومعاناة الاقتصاد الروسي وعملته "الروبل" التي انخفضت بأكثر من %40 نتيجة للعقوبات الغربية على البلاد بسبب الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى تراجع أسعار الكثير من الموارد الطبيعية التي ألحقت الضرر باقتصادات الدول التي تعتمد اعتمادا كبيراً في إيراداتها على تصديرها لهذه الموارد.
وفي الوقت الذي عكست فيه البيانات والأرقام بداية التعافي الاقتصادي الأمريكي وقدرته على خلق آلاف الوظائف شهرياً وبمعدلات فاقت الكثير من التوقعات حتى المتفائلة منها، وهو الأمر الذي دفع الدولار الأمريكي لأعلى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، فإن البنك المركزي الأوروبي قد خفض من توقعاته للنمو بمنطقة اليورو وبشكل كبير، كما أكدت البيانات والدراسات الراهنة كذلك على أن حالة الركود اليابانية أعمق كثيراً من التقارير والبيانات المقدرة سلفاً.
وقد أكد العديد من الخبراء والتخصصيين في الشؤون المالية والنقدية على أن هبوط قيمة عملة أي دولة يمكن أن تمثل لها ميزة ونعمة حيث تؤدى إلى خفض تكلفة إنتاجها ومن ثم زيادة صادراتها وجعل سلعها ومنتجاتها أكثر تنافسية في السوق العالمية، إلا أنها يمكن أن تكون في ذات الوقت نقمة لدولة أخرى من تلك الدول التي تعتمد كثيراً على استيراد معظم احتياجاتها من الخارج والتي سوف تكون في هذه الحالة أعلى تكلفة، بما سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم وزيادة تكلفة مديونيات هذه الدولة المقومة بالدولار الأمريكي.
ولعل هذه الحقيقة هي ما دعت مسؤولي بنك التسويات الدولي إلى التأكيد على أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي قد يضعف ويهدد النظام المالي بعدد من دول الأسواق الناشئة، وأكدوا كذلك على أن الأخبار التي قد تكون جيدة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي ستمثل عبئاً وضغوطاً على اقتصادات العديد من الأسواق الناشئة وعملاتها المختلفة خاصة تلك الدول المستوردة لمصادر الطاقة من نفط وغاز، وخير مثال على ذلك احتلال عملة دولة جنوب إفريقيا "الراند" في هذا الأسبوع لصدارة العملات الأسوأ أداءً في العالم، مسجلة أدنى مستوى لها خلال السنوات الستة الماضية، وكذا انخفاض قيمة الليرة التركية لأدنى مستوياتها خلال الأعوام الثلاث الماضية.
لذا فإن إعلان البنك المركزي الأمريكي عن انتهاء العمل ببرنامج التيسير الكمي وشراء الأصول والسندات قبل نهاية عام 2014 قد أدخل اقتصادات الكثير من دول الأسواق الناشئة في دائرة التشكك وإعادة الحسابات، في ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني والياباني وكذا العديد من اقتصادات منطقة اليورو، بالإضافة إلى تضخم الديون السيادية للكثير من دول الأسواق الناشئة وانخفاض أسعار وقيم صادرات هذه الدول ونقص إيراداتها من العملات الأجنبية بما يضعف من قدرتها على النمو.
وهو الأمر الذي أكده معهد التمويل الدولي في تقريره السنوي عن عام 2014، والذي أكد فيه على انكماش الدخل القومي بدول الأسواق الناشئة في الربع الأخير من عام 2014 بنحو 2.9%، وكذا انخفاض معدلات النمو في الاقتصادات الناشئة بآسيا والمحيط الهادي إلى 6.8%.... ويرى العديد من المحللين والخبراء أن مستقبل الأسواق الناشئة سوف يعتمد إلى حد كبير على ما سوف يتخذه البنك المركزي الأمريكي من إجراءات خلال الشهور المقبلة، وانه في حالة إتباعه لسياسات نقدية أكثر تشدداً وقيامه برفع أسعار الفائدة، فإن عواقب هذه الخطوة ستكون وخيمة على الغالبية الأعظم من دول الأسواق الناشئة.
ورغم ذلك فإن فريقاً آخر من الخبراء المتفائلين يرى أن انخفاض أسعار السلع الأساسية سوف يؤدى إلى تخفيض حدة الضغوط التضخمية بالعديد من دول الأسواق الناشئة، وهوا لأمر الذي يتيح لبنوكها المركزية إمكانية الحفاظ على السياسات النقدية غير المتشددة، ويرون كذلك أنه رغم إنهاء البنك المركزي الأمريكي لبرنامج التيسير الكمي وشراء الأصول والسندات، فإن البنوك المركزية في كل من اليابان وبريطانيا مازالا يطبقونها على نطاق واسع، وقد لحق بهما اعتبارا من أوائل هذا الشهر البنك المركزي الأوروبي، ومن ثم فإنهم يثقون بان هناك بريق أمل مازال يلوح في نهاية الطريق.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-03-18)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews