استنزاف الاحتياط النقدي يهدّد بانهيار اقتصاد ليبيا
طمأن المصرف المركزي الليبي أخيراً الليبيين والقلقين على انهيار الاقتصاد الوطني وتدهور سعر صرف الدينار، إلى أنه الضمانة لمنع حصول ذلك، بما يملك من احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية والبالغة 113 بليون دولار، إضافة إلى 116 طناً من الذهب، لكن صندوق النقد الدولي الذي أكد أن لدى ليبيا احتياطاً مهماً سيساعدها على تخطي الأزمة في الأجل القصير، حذر من أن الخلل في الإنتاج النفطي وزيادة النفقات قد يستنزفان الاحتياط في أقل من خمس سنوات.
ويؤكد مدير سوق الأوراق المالية مصباح العكاري وجود سيولة نقدية تبلغ أكثر من 4.6 بليون دينار (3.8 بليون دولار)، وأن السيولة متوافرة داخل البلاد وخارجها، حتى أن أرصدة البلاد في الخارج بلغت أكثر من 110 بلايين دولار، لكن المشكلة تبقى في إمكانية نقل السيولة المطلوبة من المصرف المركزي إلى المصارف التجارية، مع انتشار الفوضى الأمنية.
وإذا كانت شركات التأمين تتحفظ في إصدار بوالص لتغطية نقل الأموال، فان محافظ المصرف المركزي الصديق عمر الكبير، استطاع تأمين المركز الرئيس للمصرف من خلال علاقاته الشخصية، لكنه أشار صراحة إلى أن وثيقة تأمين نقل الأموال من مطار معيتيقة في طرابلس إلى البنك تتطلب مبلغ 2.5 مليون دولار.
ومن هنا تبرز صعوبة العمل المصرفي في ظروف أمنية خطيرة، بعدما تعرضت سيارات نقل العملة وفروع المصارف إلى عمليات سرقة وسطو مسلح، ما أدى إلى إرباك كبير في عملية تزويدها بالأموال، خصوصاً بالنسبة إلى الفروع التي تقع في مناطق نائية أو مناطق تعاني أوضاعاً أمنية غير مستقرة، حتى أن العديد من موظفي المصارف تعرض لاعتداءات، علماً بأن 42 مصرفاً تجارياً تعمل في ليبيا ولديها شبكة فروع تشمل المناطق الليبية كلها.
وحيال هذه التطورات وخطورتها اضطر المصرف المركزي إلى العزوف عن إمداد المصارف بحاجتها من السيولة، خصوصاً من العملة الصعبة، ما أدى إلى أزمة مالية ونقص بالدولار في بعض قطاعات الاقتصاد، وساهم ذلك بالتالي في إضعاف سعر الدينار.
ومع موجة الخوف والهلع، لوحظ إقبال عدد من الليبيين على سحب ودائعهم بالعملات المحلية والأجنبية من المصارف، خشية اندلاع مزيد من الاقتتال، حتى أن بعض رجال الأعمال حذر من تكرار سيناريوهات بداية الثورة عام 2011، حين سحبت ودائع بقيمة 20 بليون دينار، ما اضطر ليبيا في ذلك الوقت إلى بيع ما قيمته خمسة بلايين دولار من الذهب للحفاظ على الاستقرار المالي.
وللأسباب الأمنية ذاتها والتي شملت بعض موانئ التصدير، تراجع إنتاج النفط الخام الذي يعتبر القوة الدافعة للاقتصاد الليبي، إذ يمثل 95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و96 في المئة من الصادرات و98 في المئة من إيرادات خزينة الدولة. وتكبدت ليبيا خسارة 30 بليون دولار خلال 10 شهور، نتيجة تراجع إنتاج النفط من 1.4 مليون برميل يومياً في تموز (يوليو) 2013 إلى 200 ألف برميل يومياً في أيار (مايو) 2014، وما يزال التراجع مستمراً.
ووفق المصرف المركزي، تراجعت عائدات البلاد من 4.6 بليون دولار شهرياً إلى بليون فقط، في حين أن ليبيا تنفق شهرياً ما يوازي 3.5 بليون دولار، ولتغطية العجز اضطرت إلى استخدام 19 بليون دولار من احتياطها من العملات الأجنبية، وبقي 113 بليون دولار، في مقابل 321 بليون دولار قبل الأزمة.
كانت الآمال معلقة على نجاح النشاط الاقتصادي في 2012، لكن عام 2013 جاء مخيباً للآمال إذ بدأت الاضطرابات الأمنية في تموز (يوليو) ولا تزال مستمرة، ما أدى إلى تجميد معظم الاستثمارات، خصوصاً التي تعود إلى إنفاق الدولة لتمويل المشاريع بعد أن تراجع حجم هذا الإنفاق نتيجة تراجع إيرادات النفط.
قبل الثورة، قدِّر حجم الاستثمارات الأجنبية في ليبيا بنحو 3.8 بليون دولار، وقد تعرضت إلى نزوح واسع في 2011، قبل أن تعود بقوة بعد نجاح الثورة وعودة البعثات الأجنبية التي جددت الأمل في ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد الليبي، ولوحظ أن الصين بدأت إعادة تشغيل نحو 26 شركة في 50 مشروعاً قيمتها 19 بليون دولار، في قطاعات مختلفة تشمل العقار والنفط والاتصالات، وعادت 13 شركة نمساوية من بين 25 شركة، كانت تعمل في ليبيا قبل الثورة، كما زارت ليبيا بعثات فرنسية وبريطانية وكندية، تركزت اهتماماتها في قطاعات النفط والصحة والإنشاءات. ولتلبية الحاجة في تنفيذ المشاريع، شهدت سوق العمل طلباً كبيراً على اليد العاملة التي دخلت ليبيا من مختلف البلدان، خصوصاً العربية منها.
كل التطورات اللاحقة تكفي للتسبب بانهيار اقتصادي، ولكن يبقى الرهان على محاولات التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحكومة وزعماء الميليشيات لتجنب تداعيات هذا الانهيار، وأبدى صندوق النقد الدولي تفاؤلاً بتعافي النشاط الاقتصادي الليبي مع عودة إنتاج النفط والغاز إلى طاقتهما السابقة، والبالغة نحو 1.7 مليون برميل يومياً، وبما يؤمن السيولة الكافية لإنفاق الدولة وتمويل المشاريع الاستثمارية وإعادة الإعمار، علماً بأن قطاع الطاقة وحده في حاجة إلى 30 بليون دولار ليحقق قدرته القصوى، كما أن المطارات والقطاع الصحي والبنية التحتية والاتصالات والسياحة في حاجة إلى عشرات البلايين من الدولارات.
(المصدر: الحياة 2014-07-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews