المشروعات الصغيرة والمتوسطة .. بين الواقع والمأمول

مع نهاية كل سنة مالية تبدأ الشركات المساهمة فى إصدار تقاريرها المالية لتبين أهم الإنجازات والخطوات المستقبلية لكافة الإطراف ذات العلاقة وهنا نجدها فرصة أيضا لإهمية عرض موقف المشروعات الصغيرة والمتوسطة وأن نضعها فى الميزان .

بداية فلقد أكدت كافة الدراسات الإقتصادية وآراء الخبراء الإقتصاديين على أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تعتبر وبحق من أهم المقومات التى تقوم عليها إستراتيجية التنمية الإقتصادية والإجتماعية بما تساهم به فى رفع تنافسية الإقتصاد القومى بمختلف قطاعاته ولها دور محورى فى تنافسية الصناعات الكبيرة من خلال كونها صناعات مغذية ومكملة لها فالعلاقة متبادلة بين المشروعات الكبيرة والمشروعات المتوسطة والصغيرة فنجاح كل منهم يتوقف على نجاح الآخر وبما يصب فى صالح نمو الإقتصاد ، وبما تحققه من إستغلال كافة الموارد المحلية الطبيعية والبشرية فمن هنا يمكن القول أن الصناعات الصغيرة والمتوسطة ليست مجرد مصدر لفرص العمل وإنما كجزء رئيسى فى منظومة التنمية الإقتصادية والإجتماعية .

ففى الوقت الذى تعد فيه هذه الصناعات من الأكثر كثافة وقدرة على توفير فرص العمل وحل مشكلة البطالة فهى تتوجه ايضا وبصفة أساسية للمستهلكين المحليين فتعتمد على الطلب المحلى وهذه المشروعات ذات إستثمار مالى أقل وهى بذلك تكون أقل عرضة فى أوقات الأزمات المالية والتى تسهم بقلة رؤؤس الأموال اللازمة لإقامة الإستثمارات . والجدير بالذكر أن الإحصاءات تشير إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر تمثل مانسبته 90% تقريبا من المنشأت على مستوى العالم بمعدلات توظيف تترواح بين 50-60% من القوى العاملة فى العالم – ولعل الإهتمام بهذا القطاع وراء نهوض إقتصادات الكثير من الدول وعلى رأسها الصين واليابان وماليزيا ، ولنا فى تجربة الصين ودور تلك المشروعات من حيث إسهامها فى عمليات التصدير حتى أصبحت ثانى أقوى إقتصاد فى العالم .

ومن جهة أخرى تشير الإحصاءات إلى أن المشروعات الصغيرة فى إمريكا تمثل 97% من إجمالى المشروعات الإمريكية وتساهم بنسبة 34% من الناتج القومى الإجمالى الإمريكى وتساهم بنسبة 58% من إجمالى فرص العمل المتاحة بإمريكا ( فى اليابان 56%، كوريا الجنوبية 35% وفى كندا بنسبة 33% .وهو مايدل على أهمية المشروعات المتوسطة والصغيرة على مستوى كل الدول المتقدمة بل والنامية أيضا والتى تعتبر من أهم الدعائم الأساسية للنهوض بالإقتصاد الوطنى .

ولكن ماذا عن موقف مشروعات الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى منطقتنا العربية فعلى الرغم من بعض التقدم الذى حققته بعض الدول العربية فى مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة الإ إنها مازالت بصفة عامة دون المستوى المامول فيه ، ونشير هنا بداية إلى كشف منظمة العمل العربية حول التشغيل والبطالة عن أن عدد العاطلين بالوطن العربى حيث زاد عن 17 مليون ، فنجد هنا المشروعات الصغيرة والمتوسطة هى الملاذ لتشغيل معظم هؤلاء العاطلين .

ولكن فى البداية لابد من إزالة العديد من التحديات التى تواجه تلك المشروعات والتى تختلف من دولة لإخرى وهم نوعين رئيسسين . الأول : تحديات تمويلية من حيث إرتفاع سعر الإقراض نتيجة إرتفاع درجة المخاطرة وعدم ملائمة إساليب الإقراض المالية لأصحاب الصناعات الصغيرة كذلك ضعف خبرة اصحاب المشروعات فى أصول التعامل مع الجهات المقرضة وعدم إمساك سجلات مالية حسب الأصول ،

ثانيا : تحديات غير تمويلية نذكر منها قلة وعى المجتمع بأهمية التعليم المهنى والفنى ودوره فى التنمية ، وضعف وسائل الدعم للعمل الحر ، كذلك التحديات الفنية والإدارية والمتمثلة فى إفتقار معظم الشركات للمهارات الأساسية فى الإدارة والمحاسبة ،كذلك الإفتقار إلى دراسات جدوى دقيقة وهى تعد من الأسباب الرئيسية لفشل العديد من المشروعات ،التحديات التسويقية وتتمثل فى نقص المعلومات الخاصة بالأسواق المحلية والخارجية وقصور قنوات التسويق ونقص الخبرات فى مجال التسويق كذلك صعوبات فى الحصول على الإساليب المتقدمة فى التكنولوجيا لمحدوية الموارد المالية ثم التحديات الإجرائية والقانونية وتحديات تتعلق بتوفير الأراضى والبنية الأساسية من حيث كفاية المساحات المجهزة بالمرافق والبنية الأساسية من حيث عدم كفاية المساحات المجهزة بالمرافق والبنية الأساسية وإرتفاع أسعار الأراضى المخصصة لهذه المشروعات ، عدم إطلاق أو تفعيل بورصة تكون خاصة بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة بما فيها من مزايا للمستثمرين فى هذا المجال .

وأخيرا التحديات التشريعية فمازال التطبيق العملى لبعض المشروعات يؤدى إلى صعوبات جمة ولعل أهمها أيضا عدم توافر إطار قانونى محفز للمشروعات والشركات الكبرى لتقديم الخدمات ويد العون للمشروعات الصغيرة والمتوسطة .

وتتبنى الآن كل دولة حزمة من الإجراءات والكفيلة بإزالة أو تقليل تلك المعوقات والتحديات أمام النمو بقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، فأصبح من الضرورى تبنى استراتيجية واضحة لدعم ولتحفيز ومساندة تلك الصناعات حيث أن التقدم الذى حققته بعض الدول المتقدمة بالإعتماد على هذه الصناعات جاء بعد رسم سياسات واستراتيجيات شاملة وتم متابعة تنفيذها على أكمل وجه .

ودولة قطرأهتمت بالصناعات الصغيرة والمتوسطة منذ الثمانينيات وكانت المبادرات من جانب الحكومة وقد تجلى ذلك مع إنشاء جهاز قطر لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة فى فبراير 2011 ويتطلع الكثيرون من خلاله بتحقيق العديد من أهدافه والمتمثلة فى إعداد استراتيجية موحدة شاملة للمناطق الخاصة بالمشاريع ووضع خطة متكاملة لتطوير المناطق الخاصة بالمشاريع المستقبلية ، إعداد الدراسات والأبحاث عن المشروعات التى يمكن تمويلها، تقديم الدعم الفنى لمبادرات المشاريع ورعايتها والتنسيق مع بنك قطر للتنمية والبنوك والمؤسسات المالية لتوفير التمويل اللازم للمشاريع والتنسيق مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتسويق منتجات وخدمات تلك المشاريع ، والعمل على دراسة التحديات والعوائق التى تواجه المشاريع والعمل على إيجاد الحلول المناسبة بالتنسيق مع الجهات المعنية .

وغيرها من الأهداف التى تصب جميعها فى النهوض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة خاصة الصناعية منها وبالتالى نمو الإقتصاد القومى ككل .

ونوصى فى النهاية أن تكون هناك بيانات دورية تبين أهم التطورات والإنجازات فى ذلك القطاع من المشروعات وبما يخدم فى بيان القيمة المضافة على الإقتصاد القومى .