أسواق النفط تزخر بالإمدادات دون ضغوط على الأسعار

التداولات في أسواق النفط العالمية تقترب من شهر تموز (يوليو) مع استمرار وجود فائض كبير في إمدادات النفط الخام الخفيف من غرب إفريقيا، لكن مع الوقت من المتوقع أن يتم تسويق هذا الفائض. مع وجود هذا الفائض الكبير الآن، يقترب النصف الأول من عام 2014 من نهايته، لكن الأسواق العالمية استوعبت حتى الآن جميع الفوائض الضخمة من إمدادات الربعين الأول والثاني من دون أي ضغوط تنازلية تذكر على أسعار النفط العالمية. حتى منتصف أيار (مايو) الجاري، كان لا يزال هناك عدد لا بأس به من شحنات نفط خام غرب إفريقيا تبحث عن مشترين. لكن نظرا لعدم يقين المصافي بشأن موعد إعادة التشغيل، فإن هذا النفط عادة ما يسوق في وقت لاحق، على الرغم من أن حجم الفائض في هذا العام مرتفع إلى حد ما.

الفجوة الواسعة نسبيا بين الخام القياسي لبحر الشمال برنت وخام دبي لم تساعد في انتقال الإمدادات من حوض الأطلسي إلى آسيا. أنجولا لا تزال تبيع نفطها بصورة رئيسة إلى الصين، في حين أن نيجيريا لا تزال تركز على أوروبا كسوق رئيس لنفوطها. الطلب الأوروبي على النفط الخام النيجيري لا يزال قويا بفضل انقطاع الإمدادات الليبية. لكن عودة الإنتاج الليبي سوف يكون له تأثير كبير على أسعار النفط، حيث إن الفائض في إمدادات النفط الخام الحلو سوف يؤثر سلبا على أسعار الخام القياسي لبحر الشمال. حتى الآن لم تتمكن نيجيريا من تحقيق اختراق كبير في أسواق جديدة، هناك مخاوف من أن فائض الإمدادات من نيجيريا قد يؤدي إلى إضعاف قوة خام برنت مع مرور الوقت.

في الوقت الحاضر الخام القياسي العالمي برنت يجد دعما قويا ضمن نطاق تداول بين 105 - 111 دولارا للبرميل، حيث على ما يبدو أن احتمالية عودة الإنتاج المتوقف حاليا يقابلها احتمالية انقطاع الإمدادات في حال أدت الأزمة الأوكرانية إلى توقف تدفق النفط الروسي إلى أوروبا. على الرغم من أن فقط عدد قليل من السيناريوهات يتوقع حدوث تعطل كبير في الإمدادات من روسيا، إلا أن الأزمة الأوكرانية يعتقد أنها قد أسهمت بالفعل في دعم أسعار النفط الخام. في هذا الجانب يشير بعض المحللين إلى أنه في ضوء أساسيات أسواق النفط الحالية يجب أن يتم تداول خام غرب تكساس الوسيط وخام بحر الشمال برنت بفارق بسيط، بدلا من تفوق برنت في منتصف شهر أيار (مايو) الجاري بنحو سبعة دولارات للبرميل.

حاليا هناك نحو 3.0 مليون برميل في اليوم من النفط الخام خارج الإنتاج معظمها بسبب الاضطرابات في ليبيا، جنوب السودان واليمن وكذلك بسبب العقوبات المفروضة على إيران، هذه التوقفات تأتي في وقت فيه أسعار النفط تحت ضغوط تصاعدية من جانب الطلب المتزايد على النفط من قبل المصافي بعد موسم الصيانة الدورية. نتيجة هذه التوقفات، أبقت المملكة العربية السعودية إنتاجها عند مستويات عالية فوق 9.5 مليون برميل في اليوم من أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق العالمية. إيران وليبيا كلفت الأسواق نحو مليون برميل في اليوم لكل منهما. والعراق لديه إمكانات تصديرية من الشمال عبر ميناء جيهان غير مستخدمة تقدر بأكثر من 500 ألف برميل في اليوم. كما أن نيجيريا، جنوب السودان، سورية واليمن ينتجون أقل بكثير من طاقاتهم الإنتاجية المتاحة بسبب الصراع الداخلي. في حين أن بدء الإنتاج من حقل كاشاجان العملاق في كازاخستان قد تأجل الآن إلى عام 2016، ما يعني أن ما يزيد على 500 ألف برميل في اليوم سوف تبقى خارج الأسواق حتى ذلك الحين.

في المقابل تشهد أسواق الولايات المتحدة وفرة في الإمدادات، حيث إن مخزونات النفط الخام على ساحل الخليج وصلت إلى مستويات قياسية. في الوقت نفسه تقوم خطوط الأنابيب الجديدة باستنزاف مخزون منطقة كوشينج بولاية أوكلاهوما، حيث يتم تسليم وتسعير عقود خام غرب تكساس الوسيط في أسواق نايمكس، ما دفع أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى حالة التراجع الحادة Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة، ما يدل على تشدد في الأسواق. هذا الشذوذ في منحنى أسعار النفط الأمريكية حيث الإنتاج المحلي في تصاعد وخزين منطقة كوشينج في تراجع تسبب في اختلالات بين المناطق.

ارتفاع الإنتاج المحلي دفع خام غرب تكساس الوسيط مرة أخرى إلى سواحل الولايات المتحدة حيث يتنافس مع الخامات الدولية. وارتفاع مخزونات النفط الخام على ساحل الخليج نتيجة خطوط الأنابيب الجديدة التي تقوم بشحن كميات كبيرة من النفط الخام من وسط الولايات المتحدة وكندا، أدى إلى إثارة الجدل بخصوص نقل نقطة تسعير الخام من كوشينج إلى الجنوب على ساحل الخليج. كما أن الخصومات الكبيرة التي يعانيها الخام الأمريكي مقابل النفوط العالمية أثارت الجدل أيضا بخصوص السماح بتصدير النفط الأمريكي، المحظور حاليا.

هناك كثير من العوامل التي تؤثر على حركة أسواق النفط العالمية، لكن العامل المهم بالنسبة لتجارة النفط الخام هو تعاظم قوة تداول الدول الآسيوية، خاصة الصين. إن الدول المستهلكة في آسيا يتحولون تدريجيا من مستقبلين للأسعار Price-takers إلى صانعين للأسعار Price-Makers نتيجة دخولهم القوي في عمليات تداول النفط الخام. في هذا الجانب تشير هيئة التسعير بلاتس Platts، إلى أن شركة التداول الصينية العملاقة المعروفة بنفط الصين China-Oil هي الآن أحد اللاعبين الأساسيين في أسواق تداول خام دبي، الذي يحدد الأسعار الفورية لخام دبي القياسي مع نفط عُمان، الذي بدوره يحدد السعر لنحو 12 مليون برميل في اليوم من نفط الشرق الأوسط الذي يشحن إلى آسيا.

شركة التجارة الدولية فيتول Vitol كانت اللاعب الأكبر في أسواق التداول في الربع الأول من عام 2014، لكن شركة نفط - الصين تقترب منها حاليا. المتداولون في أسواق النفط يرون أن شركات التداول الصينية تطور استراتيجيات شراء جديدة من شأنها أن تبقي الباعة في الظلام، بحيث تسمح لها بالحصول على أفضل الأسعار، وتعمل على تآكل ما يسمى "بالعلاوة السعرية الآسيوية"، التي تدفعها الدول الآسيوية على أمن الإمدادات.

( الاقتصادية 29/5/2014 )