5 تريليونات دولار قروض عقارية تثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي
في السنوات الخمس الماضية عمل التمويل الغربي على توليد كثير من الإحصائيات المذهلة، لكن في رأيي أن واحدة من أغرب مجموعات الأرقام هي التي تتعلق بالمساكن في أمريكا.
منذ عقد من الزمان حمل نحو 40 في المائة من القروض العقارية الأمريكية الجديدة دعماً ضمنياً من الحكومة، إذ كانت هذه القروض مضمونة من قبل كيانات مثل فاني ماي وفريدي ماك. وحتى في ذلك الحين كان هذا النمط يبدو غريباً، بالنظر إلى أن واشنطن و"وول ستريت" تعتنقان عقيدة السوق الحرة.
لكن الأمر اليوم يعتبر مغرقاً في الخيال. فقد أصبحت المصارف الخاصة مترددة جداً في تقديم القروض إلى درجة أن أكثر من 90 في المائة من القروض العقارية الأمريكية الجديدة تحمل الآن ضمانات حكومية. وفي الوقت نفسه، ما زالت فاني وفريدي – اللتان فيما بينهما تمتلكان أو تضمنان ما قيمته نحو خمسة تريليونات دولار من القروض العقارية - عالقتين في وضع أشبه بكونهما مؤممتين بعد أن جرى إنقاذهما من قبل وزارة الخزانة الأمريكية في أيلول (سبتمبر) 2008.
والخبر السار هو أن الكونجرس يعكف الآن على محاولة لمعالجة هذا الوضع. ومن المتوقع أن توافق لجنة تابعة لمجلس الشيوخ على مشروع قانون للإصلاح. وما هو أفضل من ذلك، أن هذا التشريع يحظى بدعم من الحزبين ـ من السناتور الجمهوري مايك كرابو، ونظيره الديمقراطي تيم جونسون. والخبر السيئ هو أنه يبدو من غير المحتمل أن يكون هناك تغيير جذري. فلا تزال الآراء بشأن فاني وفريدي في انقسام عميق. وخطة كرابو جونسون، مثلا، تقترح وضع التمويل الإسكاني على أساس أكثر استدامة، باستخدام نهج هجين يُبقي على ضمان الحكومة ويقدم مزيداً من الانضباط في السوق. وبالتالي، ينقل أعمال فاني وفريدي إلى مؤسسات منافسة وأصغر، ويضيق معايير ضمان القروض العقارية، ويحسن الرقابة التنظيمية، ويجبر المستثمرين من القطاع الخاص على ابتلاع أول 10 في المائة من الخسائر على سندات القروض العقارية. ويؤمل أن يمكن هذا أمريكا من الاحتفاظ بالسوق السائلة لسندات القروض العقارية "الآمنة"، والحفاظ على اجتذاب الأموال من المستثمرين الأجانب – أي إعطاء قروض عقارية رخيصة بفائدة ثابتة لأجل 30 عاماً، التي ينظر إليها كثير من أهل الطبقة المتوسطة من الأمريكيين على أنها حق وهبه الله لهم.
لكن كثيرا من الجمهوريين يكرهون فكرة الدعائم الكبيرة من الحكومة. وبالتالي يطالب مشروع قانون منفصل في مجلس النواب بإلغاء فاني وفريدي. ولجعل الأمور أكثر تعقيداً، يمتلك بعض المستثمرين في وول ستريت أسهم فاني وفريدي التي تم إصدارها قبل التأميم، ويضغطون للحفاظ على عملاقي الإسكان على قيد الحياة - لكن على النحو الذي استفادت منه هيئات القطاع الخاص التي لديها رأس مال كبير. والدافع وراء هذه الحملة هو المصلحة الذاتية: إذا بقيت فاني وفريدي على قيد الحياة، كيانين خاصين مربحين، يمكن للمساهمين الحاليين أن يتمتعوا بعوائد كبيرة في المستقبل، وإذا نجحت إصلاحات كرابو جونسون سيكون هذا غير وارد، لأن أي أرباح من المحتمل أن يتم تمريرها إلى وزارة الخزانة. وبالنظر إلى كل هذه المصالح المتناقضة والفوضوية، معظم المراقبين في واشنطن لا يتوقعون لمشروع قانون كرابو جونسون المضي قدماً خارج اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ هذا العام. وبلغ من ثقة بعض المستثمرين في وول ستريت أن المشروع سيموت موتاً هادئاً، أنهم يلتهمون أسهم عملاقي الإسكان: المستثمر الناشط بيل أكمان، من بيرشينج كابيتال، مثلا، رفع حصته في فاني أكثر من 11 في المائة. هؤلاء المستثمرون يراهنون على أن الإصلاح الإسكاني سيتراخى. وستكون مأساة إذا تبين أنهم على حق. على المدى القصير، قد يشير الساخرون إلى عدم وجود حاجة تذكر للتغيير. ذلك أن الوضع الراهن يناسب كثيراً من المستهلكين بشكل جيد. (تشير تقديرات وكالة موديز إلى أن أسعار الفائدة على القروض العقارية لأجل 30 عاماً ستقفز بنسبة نقطتين مئويتين تقريباً عن مستواها الحالي البالغ 4.5 في المائة إذا تمت إزالة الإعانات الحكومية بشكل مفاجئ). وهذا أيضاً يصب في مصلحة وزارة الخزانة: تعافت فاني وفريدي جيداً بحيث يمكنهما دفع أرباح عالية على الأسهم إلى الحكومة، وهي مبالغ يستخدمها البيروقراطيون خلسة لسد بعض الثغرات في المالية العامة.
لكن المشكلة مع الإصلاحات السريعة لمكافحة الأزمة هي أن لديها عادة أن تؤدي إلى الإدمان وتسبب تشوهات جديدة وتزرع بذور الأزمة المقبلة. وبحسب الوضع الحالي، يعتبر مشروع قانون كرابو جونسون بالتأكيد ليس العلاج الأمثل لفاني وفريدي، فهو معقد بشكل مفرط ويحتوي على حيل سياسية، لكنه تقريباً ليس بسوء الوضع الراهن. وإذا لم تقم لجنة مجلس الشيوخ بدفع مشروع القانون، فإن هذا سيُكره الأطراف على الأقل على الدخول في بعض الجدل الصحيح حول الجوانب الشاذة للنظام الحالي. بعد خمس سنوات من الأزمة، هذا أمر كان يجب البت فيه منذ زمن، على الأقل ربما لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي أنه "أصلح" المالية الأمريكية بعد أزمة عام 2008، في حين لا يزال يجري سحب مبلغ يتألف من خمسة تريليونات دولار من تحت الأقدام.
( فايننشال تايمز 29/4/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews