نحو ممرات «آمنة» لشبكة أنابيب النفط في المنطقة
اثر مصادقة البرلمان الأردني على الموازنة العامة لعام 2014، في كانون الثاني (يناير) الماضي، لخص رئيس الوزراء عبدالله النسور مشكلة الاقتصاد الأساسية، بالطاقة، ووصفها بـ «البلاء الفظيع»، لأن الأردن يستورد من الطاقة ما قيمته 4 بلايين دينار (نحو 5.6 بليون دولار) سنوياً، أي ما يعادل نصف أرقام الموازنة البالغة نحو 8 بلايين دينار (11.2 بليون دولار) الأمر الذي دفعه إلى التأكيد بأن «أنبوب النفط العراقي أصبح ضرورة حتمية، ويجب الإسراع في تنفيذه».
كان الأردن يعتمد على خط الغاز المصري في إنتاج 80 في المئة من طاقته الكهربائية، ولكن الانقطاع المتكرر نتيجة التفجيرات المتتالية لهذا الخط في الأراضي المصرية، ولجوء شركة الكهرباء الوطنية، إلى الاعتماد على النفط الخام المستورد، أدى إلى تحميل الدولة التي تملكها، ديوناً تجاوزت 7 بلايين دولار في السنوات الثلاث الأخيرة، بما فيها تحمل كلفة سياسة الدعم، وتراجع كميات الغاز من مصر، علماً بأن كل توقف عن الضخ بسبب الانقطاع المتكرر نتيجة التفجير، يكبد الخزينة الأردنية مليون دولار يومياً.
وسبق أن وقع الأردن مع العراق اتفاقاً لتنفيذ مشروع بناء خط أنابيب لنقل نحو مليون برميل نفط يومياً من مدينة البصرة العراقية إلى مدينة العقبة الأردنية على البحر الأحمر في نيسان (أبريل) 2013، وذلك بطول 1700 كيلومتر، وبكلفة تصل إلى 18 بليون دولار، على أن يُنجَز في 2017، ويتكفل العراق بالكلفة، ويكون المشروع بكامله ملكاً للحكومة العراقية. وعقدت اجتماعات بين الجانبين، وأجريا معاً محادثات مع الشركات المؤهلة، وتوقع وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني محمد حامد طرح عطاء تنفيذ المشروع خلال الربع الثاني من العام الحالي، وقبل شهر حزيران (يونيو) المقبل.
ويعد هذا المشروع من المشاريع العملاقة التي تعزز علاقات الدولتين في المجالات الاقتصادية، فبالنسبة إلى العراق، سيساهم المشروع في زيادة صادراته النفطية وتنويع منافذه، بإضافة منفذ على البحر الأحمر، ويأتي ذلك في إطار خطته العملاقة لإنتاج تسعة ملايين برميل يومياً بحلول 2017. أما بالنسبة إلى الأردن، فسيحصل على حاجته من النفط بمعدل 150 ألف برميل يومياً، وسيتمكن من استعمال خط الغاز العربي لنقل الغاز الطبيعي المسال المستورد عن طريق البحر لتلبية كامل احتياجات محطات توليد الكهرباء، فضلاً عن ضريبة مرور قد تحقق دخلاً يتراوح بين 5 و10 ملايين دولار يومياً، مع الإشارة إلى أن مراحل التنفيذ ستفتح نحو ثلاثة آلاف فرصة عمل للأردنيين.
ووقعت مصر مع البلدين اتفاقين في السادس من آذار (مارس) 2014، يقضي الأول بنقل الغاز الطبيعي من خلال أنبوب الغاز العربي، فيما يهدف الاتفاق الثاني إلى ربط مشروع استيراد الغاز الطبيعي المسال بخط الغاز بين وزارتي الطاقة والثروة المعدنية وشركة الكهرباء الوطنية من جانب، وشركة «فجر» الأردنية من جانب آخر.
وهكذا تعود شبكة أنابيب النفط إلى المنطقة تدريجياً، وتبرز أهمية الخط العراقي من خلال تطور العلاقات الإستراتيجية، فضلاً عن تقاطع المصالح المشتركة بين الدول المستفيدة، ولكن في هذا المجال لا يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي في ضوء التطورات «الجيوسياسية» المرتقبة، وأطماعه بمشاركة العرب في ثرواتهم، والتاريخ شاهد على محاولاته المتكررة واستغلاله للفرص التي يرى بأنها متاحة له، فضلاً عن تقاطعه مع تطورات أمنية لحروب واعتداءات متكررة.
ففي 1946، كانت بريطانيا أنجزت خطي أنابيب نفط العراق إلى ميناء مدينة حيفا، الأول ينطلق مباشرة من الموصل إلى الميناء الفلسطيني، والثاني يمر عبر الأردن إلى فلسطين، وفي العام ذاته وضعت بريطانيا مشروعاً لخط أنابيب النفط من السعودية إلى فلسطين (تابلاين أرامكو)، ولكن لم يُنفَّذ إلا في العام 1950، بعد تعديل اتجاهه عبر مرتفعات الجولان السورية إلى مصب الزهراني في جنوب لبنان، وذلك لقيام دولة إسرائيل في 1948، وللسبب ذاته انقطع النفط العربي من العراق إلى ميناء حيفا.
وفي 1967، وبعد احتلال إسرائيل مرتفعات الجولان، أقفل خط «تابلاين أرامكو» الذي كان منفذاً لتصدير كميات من النفط السعودي إلى أسواق العالم، واستمر إقفاله لبعض الوقت، إلى أن سمح له وبموافقة أميركية بضخ كميات ضئيلة لزوم حاجة مصفاة الزهراني اللبنانية للتكرير، ولكن الإسرائيليين راقبوا ذلك بألم بالغ، حتى 1982، عندما أقدمت قواتهم على تدمير المصفاة خلال اجتياح لبنان.
وإلى مطلع الثمانينات، كان خط أنابيب النفط الصغير الممتد من كركوك إلى سورية وصولاً إلى مصفاة طرابلس شمال لبنان، يعمل في شكل مستمر، قبل أن يتوقف خلال الحرب العراقية - الإيرانية، ليعود تشغيله مجدداً في 2002 لكن فقط إلى سورية.
وبعد احتلال العراق في 2003 ازدادت أحلام إسرائيل النفطية، ومنها إحياء خط نفط الموصل - حيفا الذي أقفل في 1948، حتى أن حكومة تل أبيب خططت للسيطرة على جنوب العراق. وبموجب اتفاقات عقدتها مع مصر، حصلت إسرائيل على كميات من النفط والغاز، لكن الأنابيب تضررت بتفجيرات متكررة بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، فتوقف تدفق الغاز إلى إسرائيل التي تطالب مصر بتعويضات.
تبقى الإشارة إلى اتفاق الغاز الذي وقع بين شركة «نوبل إنرجي» الأميركية وشركة «البوتاس» العربية، لتوريد بليوني متر مكعب من الغاز الطبيعي الإسرائيلي لمدة 15 سنة، وتعد هذه الصفقة بداية لخطط إسرائيلية جديدة ستنفذ برعاية أميركية في إطار معاهدة الصلح التي يسعى إليها الأميركيون، وتشمل إعادة نظر شاملة، جغرافية واقتصادية للمنطقة، بما فيها ممرات آمنة، وخطوط لأنابيب النفط، كمميزات للدول الأربع المعنية والمستفيدة منها، وهي إسرائيل وفلسطين ومصر والأردن.
(المصدر الحياة 2014-04-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews