أخرجوا أوكرانيا من مخالب بوتين

يستخدم الرئيس الروسي حجة الروس الأصليين كذريعة لاستعادة إمبراطورية موسكو القديمة، حتى إن فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني المخلوع، قال "أود أن أسأل أولئك الذين يدافعون عن هذه القوى الشريرة في الغرب: هل أنتم عُميان؟ هل نسيتم ما هي الفاشية؟ بالفعل أنا آمل أن الغرب لن ينسى".

الغرب لن يدخل في حرب مع روسيا المسلّحة نووياً، لكن الاستيلاء الصريح على جزء من بلاد أصغر حجماً يضرب ويهدد جذور التسوية الأوروبية، لما بعد الحرب العالمية الثانية. لقد كانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، محقّة في القول إن روسيا قد لجأت إلى "شريعة الغاب". لا يمكن أن يتم هذا الاستيلاء بدون استجابة. إنه سابقة خطيرة جداً.

يُجادل البعض بأن الغرب قد خلق بالفعل سابقة عن طريق فصل كوسوفو عن صربيا، لكن ذلك كان ردّاً على وحشية صربيا، بينما لا شيء من ذلك قد حدث في شبه جزيرة القرم. ثم إن أي قوة غربية لم تضم كوسوفو. هناك تشابه أفضل بكثير بين أعمال صربيا في كوسوفو ووحشية روسيا المنسيّة في الشيشان.

تشكو روسيا من أن تمدد حلف شمال الأطلسي "ناتو" إلى حدودها أمر مثير للغضب، لكن الناتو لا يضم البلدان. كما أن سلوك روسيا أثار رغبة البلدان السابقة التي كانت تدور في فلكها للانضمام إلى الناتو.

ألا يسأل الروس أنفسهم الآن، لماذا يرغب الأشخاص الذين تمتعوا بنِعَم حُكمهم بأن يتم الدفاع عنهم ضد هؤلاء الروس؟ إن استبداد روسيا المستعاد في عهد بوتين قوة انتقامية. هذا أمر مُحزن، لكنه الواقع. على الغرب الاتحاد من أجل الرد على ذلك.

النقاط الأساسية حول العلاقات الغربية مع روسيا اليوم هي أن الأخيرة أقل قوة نسبياً وأكثر تداخلاً اقتصادياً من الاتحاد السوفياتي القديم. هذا يُعطي روسيا أسلحة ضدنا، لكن في نفس الوقت يخلق نقاط ضعف بالنسبة إليها.

إذن كيف ينبغي التصرف مع هذه العلاقات؟ بالجزرات والعصيّ! "الجمع بين الوعد والوعيد".

لنبدأ بأوكرانيا. لقد حررت البلاد نفسها من رجل عصابات كان يعيش على السلب والنهب. ينبغي على الغرب عدم قبول الكذبة بأن "الفاشية" قد سببت هذا، لكن ينبغي على الغرب التصريح بأنه إذا لم تهدد روسيا سلامة البلاد، فإنه لن يُقدّم حليفاً دفاعياً لأوكرانيا.

الأولوية يجب أن تكون للاستقرار الاقتصادي في أوكرانيا. ما إذا كانت روسيا سترى ذلك كأنه في مصلحتها، فإنه يعتمد على ما إذا كانت رؤية أوكرانيا مستقرة ومزدهرة وديموقراطية، يمكن أن تكون أمراً مقبولاً بالنسبة لروسيا أو اعتباره تهديداً.

لقد قال أولكسندر تورتشينوف، الرئيس الانتقالي في أوكرانيا "إن أكثر ما يخشاه الكرملين هو ظهور أوكرانيا الديموقراطية، الأوروبية، الناجحة والمزدهرة التي نبنيها اليوم، هذا هو الدافع الحقيقي لعدوانهم".

أخشى أن تورتشينوف على حق. مع ذلك، سيكون تحقيق استقرار أوكرانيا اقتصادياً مع التعاون الروسي أسهل بكثير من تحقيق ذلك بدونه: في العام المنتهي في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، ذهب 24 في المائة من صادرات أوكرانيا إلى روسيا و30 في المائة من الواردات جاءت منها. كما أن روسيا هي أكبر مزوّد للطاقة في البلاد.

صندوق النقد الدولي متفائل بشأن إمكانيات الاتفاق على برنامج ناجح من أجل أوكرانيا في نيسان (أبريل). ومهما كانت أهمية شبه جزيرة القرم السياسية، فهي لا تشكل سوى 4 في المائة من الاقتصاد.

كما يشعر صندوق النقد الدولي على نحو ملائم بالقلق حيال المبالغة في تقييم عملة الهريفنيا، بكونها وسيلة للأغنياء وذوي النفوذ للحصول على الأصول الأجنبية بأسعار مدعومة.

هذا، وهو أمر مطلوب، يتم تصحيحه الآن نظراً لعجز الحساب الجاري البالغ 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، والانهيار في احتياطات العملة الأجنبية. ربما المشكلة الأكبر هي أن أي برنامج عليه أن يُلزِم الحكومة التالية. أفضل طريقة لتحقيق ذلك ستكون من خلال برنامج بشروط واضحة فيما يتعلق بالمدفوعات المجزأة.

من المهم التمييز بين ما هو عاجل وما هو أساسي: تحقيق استقرار الاقتصاد وتصحيح التشوهات الكبيرة في الأسعار - التي تتضمن ما لا يمكن تحملّه من انخفاض أسعار الغاز الذي يستفيد منه الفاسدون أكثر بكثير من الفقراء - أمر عاجل.

أما الإصلاح المؤسسي العميق فهو أمر أساسي. أوكرانيا لديها فرصة ثالثة وربما أخيرة (الفرص السابقة هي الاستقلال في عام 1991 والثورة البرتقالية في عام 2004) للاقتداء بما حصل في بولندا. كما يجادل أندرز أسلاند من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن عليها التحرك بسرعة نحو اقتصاد أكثر انفتاحاً وتنافسية وحكومة أكثر شفافية وقابلية للمساءلة.

توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي سيُساعد على ذلك. كما يجب أن يكون تطهير الفساد المتأصل شرطاً لتقديم المساعدة اللازمة.

إن ظهور أوكرانيا ناجحة من شأنه أن يكون الرد الأفضل بكثير على الانتقام الروسي. لا أستطيع رؤية سبب منطقي يجعل هذا غير قابل للتطبيق، لكن يمكنني رؤية سببين طارئين: الأول هو أن روسيا ستكرّس نفسها لتدمير هذه الفرصة، إما عن طريق تفكيك أوكرانيا أو السعي لهزيمتها. الجواب على ذلك يجب أن يكون أن روسيا ستصبح منبوذة ليس في الغرب، فحسب. في الواقع قليلة هي البلدان المستعدة للتفكير في مثل هذه الأعمال برباطة جأش. كما أن الرغبة قوية جداً لمنع العودة إلى عالم من الفتوحات العسكرية.

الثاني هو أن الغرب، وأوروبا بالذات، ستكون مرتعبة في تعاملاتها مع موسكو. السبب الرئيس – وإن لم يكن الوحيد – هو أن روسيا مزوّد مهم للطاقة. الغاز هو السلعة الأساسية، لأنه أقل سهولة في تداولاته من النفط والفحم.

في 2011 زودت روسيا الاتحاد الأوروبي بنحو 30 في المائة من وارداته من الغاز الطبيعي، لكن إذا أدخلنا في الحساب الإنتاج المحلي للغاز، وحصة الغاز في مزيج الطاقة، يرجح أن التزويد الحقيقي لا يزيد على 5 في المائة من احتياجات أوروبا من الطاقة.

هل يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يستغني عن ذلك إذا اقتضى الأمر؟ يجب أن يكون الجواب نعم، على الرغم من أنه ربما تعيّن على الاتحاد إعادة التفكير في السياسات التي تحظى بالشعبية، مثل إغلاق المحطات النووية، في حين إنه يتعيّن على الولايات المتحدة أيضاً، أن تفكر في تصدير الغاز إلى أوروبا.

يجب ألا يتظاهر الغرب أن أوكرانيا بلد بعيد لا نعرف عنه إلا القليل. اليوم أوكرانيا، وغداً سيأتي الدور على الاتحاد الأوروبي نفسه. يجب وقف سلوكيات استرداد الأراضي السابقة التي تتبعها روسيا، حتى من أجل روسيا نفسها.

إن أوكرانيا المستقلة والديمقراطية ليست معادية للمصالح الروسية الحقيقية طويلة الأمد. نقطة البداية في ذلك هي مساعدة أوكرانيا، ويفضل أن يكون ذلك من خلال التعاون مع روسيا، لكن دون ذلك التعاون إذا اقتضى الأمر. لن يكون هذا سهلاً. لكنه أمر جدير بالتفكير والعمل به.

( فايننشال تايمز 22/3/2014 )