دعم أوكرانيا أفضل رد على بوتين

ربما كنتُ قاسياً فوق الحد على الأوروبيين ـ أرجو ذلك. ففي الوقت الذي تشدد فيه روسيا قبضتها على القرم، تتجمع أمام أعيننا علامات تشير إلى أن زعماء القارة الديمقراطيين بدأوا بعبور جسر مهم. إنهم يرون بوتين على حقيقته، وليس ذلك القائد الروسي الذي تخيلوا مرة أن بالإمكان كسبه بالتملق والتزلف. والآن الخلافات حول الرد على زحف موسكو نحو أوكرانيا تفسح المجال أمام واقعية هناك حاجة ماسة إليها.

لا أحد يعرف بالضبط كيف ستستجيب موسكو للاستفتاء المزيف المقرر إجراؤه في القرم غدا. النتيجة معروفة سلفاً - ومن المضحك والمبكي في آن معا أن يشير موظفو السفارات الأوروبية إلى أن بوتين جمع بالفعل عدداً من الأصوات تكفي لإعادة القرم إلى روسيا الأم. ويتحدث أحد وزراء الخارجية الأوروبيين علناً عن "التوحيد" الوشيك مع روسيا. وستستجيب دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الأرجح لذلك بعد غد بتصعيد العقوبات.

ليس معروفاً ما إذا كان ضم القرم إلى روسيا أمراً مؤكداً، لكن في الوقت الذي يبدي فيه بوتين قلقه على المجاملات القانونية، نجده جاهزاً للدوس على القانون الدولي وإعادة رسم حدود أوروبا بالقوة. ورغم أن هذا يبدو مثيراً للسخرية في باقي دول العالم، إلا أن هذا هو السبب في عدم وضع القوات الروسية الشارات المميزة لها. ورغم معرفتهم الأكيدة بأن الاستفتاء لن يكون حراً وعادلاً، سيعمل المشرعون الزائفون في موسكو على تقييم خياراتهم بعد اقتطاع القرم من أوكرانيا.

ربما يرى المحامي الموجود داخل بوتين أن من الأفضل بالنسبة للوقت الحاضر أن تتظاهر القرم بنوع واه من الاستقلال، ومن الممكن أن يوافق الشخص التكتيكي في داخله على ذلك. لكن سيكون من الصعب الاستمرار في الزعم بأنه سيصبح جاهزاً للتفاوض عندما تصبح القرم ملحقة بروسيا رسميا. ستترك القرم، مثل ترانس دنيستر، في المنطقة الرمادية دستورياً، تحت سيطرة موسكو. وبغض النظر عن ذلك ربما يستمر بوتين في خطته.

وما زال النقاش جارياً بين الأوروبيين حول مستوى العقوبات التي ستطبق على الكرملين. في أحد طرفي الطيف في الدول الأوروبية – تتبادر إلى الذهن في هذه الحالة اليونان وقبرص وإلى حد ما إيطاليا - نجد الدول التي يبدو أنها ترى أن الطريقة اللازمة لتجنب التصعيد هي إعطاء بوتين كل ما يريده. وفي الطرف الآخر من الطيف تقع بولندا والسويد ودول البلطيق، التي تقدم حجة قوية بأن الرد القاسي هو الشيء الوحيد الذي سيصغي إليه الكرملين.

أما ديفيد كاميرون فقد جذب تصفيقاً حاداً، لأنه ساعد على التصلب في موقف الاتحاد الأوروبي الداعي لفرض عقوبات، على الرغم من القلق على صفقات دفاعية مربحة مع موسكو.

لكن اللاعب الرئيس في كل ذلك هو ألمانيا. المؤسسة الدبلوماسية في برلين حذرة. فلأسباب جغرافية وتاريخية، إضافة إلى الروابط الاقتصادية، تشعر ألمانيا بأن لديها الكثير لتخسره مقارنة بشركائها الأوروبين. وهي في الأساس التي احتضنت الأمل بأن بوتين سيكون راغباً في التفاوض باعتباره طريقا للخروج من الأزمة.

وبدا خطاب أنجيلا ميركل أمام مجلس النواب الأسبوع الماضي وكأنه يخفف من ذلك الوهم. ويفترض في المستشارة الألمانية، التي هي ربيبة ألمانيا الشرقية الشيوعية، أن تكون أكثر انسجاماً من أغلب الزعماء مع العقليات الاستبدادية. كان خطابها علامة على اعترافها بأن بوتين يرى في مواجهته مع الغرب جزءاً لا يتجزأ من حكمه القيصري في موسكو. وقد وصفت ميركل طريقة القائد الروسي المستندة إلى مبدأ "القوة - حق" بأنها طريقة تنتمي إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وستظل برلين دائماً راغبة في علاقات جيدة مع موسكو، لكن حسب قول أحد الدبلوماسيين، بدأت الآن تنظر إلى ما بعد بوتين بالنسبة لأي تطبيع للعلاقات.

يمكن أن تسبب العقوبات أذى كبيراً لدول الاتحاد الأوروبي أكثر مما تسببه لموسكو في المدى القصير، خاصة إذا أدت إلى عرقلة إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا. ومع ذلك، في المدى المتوسط ستكون روسيا الخاسر الأكبر من أي شرخ للعلاقات الاقتصادية معها. والزحف العسكري نحو القرم كلف بالفعل مليارات لا حصر لها من الاستثمارات الغربية في المستقبل.

ولا يمكن الآن لأية شركة جادة أن تضع مالاً في روسيا، أو تقدم لها تكنولوجيا ويكون لديها ثقة بأن استثمارها سيكون آمناً. وعلى البنوك أيضاً أن تفكر بعناية فيما إذا كانت علاقاتها الروسية ستتحمل التدقيق وعمليات تجميد الأصول التي ستتلو المزيد من التصعيد. ولم تكن ميركل تبالغ عندما تكلمت عن "الأذى الهائل" الذي سيلحق بروسيا.

وعلى دول الاتحاد الأوروبي أن تنتهز الفرصة وتعجل بسياساتها الرامية إلى التقليل من اعتمادها على الغاز الروسي. عليها أن تنظر إلى موارد بديلة للغاز الطبيعي المسال، مع "روابط داخلية" عابرة للحدود للتقليل من تعرض الدول فرادى للخطر، وممرات جديدة لأنابيب الغاز من آسيا الوسطى. ولدى واشنطن دور حيوي لتلعبه في هذا المجال. ورفع الحظر عن صادرات الغاز الأمريكي لن يكون له أثر فوري على الواردات الأوروبية، لكنه سيكون علامة على مسار متوسط المدى لسوق الغاز التي من شأنها أن تلحق ضرراً شديداً بموسكو. كما أنه سيشد من عضد الأوروبيين.

ومع ذلك، الأهم من العقوبات هو مدى ونطاق المساعدة الغربية التي يتوقع أن تتلقاها حكومة كييف الجديدة. إنه الوقت الذي يجب أن يفتح فيه الأوروبيون والأمريكيون محفظاتهم. وعلى الرغم من كل الصلف الذي صاحب الاستحواذ على القرم، إلا أن ذلك كان علامة على فشل استراتيجي لبوتين. إنه لا يريد أن يُذكر بأنه القيصر الذي خسر أوكرانيا. وسيكون هدفه الآن هو تحويلها إلى دولة فاشلة، وبالتالي إغلاق الطريق أمام تأسيس حكومة ديموقراطية تميل للغرب.

ولذلك على الغرب أن يركز أنظاره على كييف بالقدر نفسه الذي يركز فيه على موسكو – ما يعني توفير مساعدة اقتصادية وسياسية هائلة إذا أريد للسياسيين الأوكرانيين أن يضعوا أسساً لديمقراطية دائمة واقتصاد مزدهر. لن يكون هذا رخيصاً ولا سهلاً. سمعت مرة أحد الروس من أنصار القلة الحاكمة يشتكي من أنه لن يتمكن من القيام بأعمال في أوكرانيا لأنها "فاسدة جداً". لا توجد ضمانات بالنجاح.

ومع ذلك ما البديل لذلك؟ هل ستبقى أوروبا تسوي نزاعاتها وترسم حدودها بالقوة؟ نعم، أوروبا فعلت ذلك من قبل.

(المصدر : فايننشال تايمز 2014-03-16 )