تحذيرات حول المالية العامة للبحرين وعمان
يعد وضع المالية العامة في كل من البحرين وعمان مصدر قلق للعديد من المؤسسات المهتمة، وهي محقة بذلك. مرد الخوف إمكانية تسجيل عجز مالي مرتفع خارج نطاق السيطرة ما يعني فرض خيارات صعبة على صناع القرار في نهاية المطاف بما في ذلك تقليص النفقات وتجميد التوظيف في مؤسسات القطاع العام ووقف الترقيات وتأجيل تنفيذ مشاريع تتعلق بالبنية التحتية.
حديثا فقط، أطلقت مؤسسة موديز المتخصصة في مجال الملاءة المالية تحذيرا حول وضع المالية العامة في عمان من خلال التأكيد بأنها تأتي في المرتبة الثانية بعد البحرين بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما يخص إمكانية حصول عجز في الموازنة العامة، تعتقد المؤسسة بأن السلطنة تحتاج بلوغ معدل الأسعار في أسواق النفط العالمية حد 100 دولار للبرميل لضمان تحقيق تعادل بين الإيرادات والمصروفات خلال العام 2014.
ربما يكون تحقيق هكذا متوسط أمر صعب لكن غير مستحيل فيما يخص العام 2014.. باختصار، تم إعداد موازنة 2014 بمتوسط سعر قدره 85 دولارا للبرميل أي نفس الرقم المفترض للموازنة السابقة ما يعد خروجا ولو بشكل نسبي عن السياسية المالية التقليدية المحافظة للسلطنة، بالعودة للوراء، تم افتراض متوسط أسعار 58 دولارا و50 دولارا و45 دولارا للبرميل في الأعوام 2011 و2010 و2009 على التوالي أي أقل بكثير عن الرقم المفترض لموازنتي 2013 و2014.
مهما يكن من أمر، تم تقدير الإيرادات والنفقات بنحو 30.4 مليار دولار و35.1 مليار دولار على التوالي وبالتالي فرضية حصول عجز قدره 4.7 مليار دولار.. يعد العجز المتوقع مرتفعا بالنظر لتشكيله قرابة 6 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي والمقدر بنحو 78 مليار دولار.
وفيما يخص البحرين، تم إقرار موازنة السنة المالية 2014 بعجز قدره 2.4 مليار دولار أي أكثر من 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد افترضت البحرين متوسط سعر قدره 90 دولارا للبرميل أي الأعلى بين الموازنات الخليجية..
في المقابل، تم افتراض متوسط سعر 65 دولارا للبرميل بالنسبة لموازنة قطر للسنة المالية 2013 و2014 والتي تنتهي نهاية الشهر الجاري.
ورغم ذلك، يعتقد صندوق النقد الدولي في هذه الحالة بأن عدم تسجيل أي عجز في موازنة البحرين للعام 2014 يتطلب الأمر بأن يكون متوسط سعر النفط 122 دولارا للبرميل وهو خيار غير متوفر في ظل الظروف الحالية لأسواق النفط، بل يوجد توقع بحصول تراجع لأسعار النفط في السنوات القليلة القادمة لأسباب تشمل تعزيز الإنتاج النفطي في دول خارج منظمة أوبك.
الخيار الآخر طبعا هو تقليص النفقات العامة ولا يبدو أن الجهات الرسمية ترغب بذلك في ظل التحديات المتنوعة التي تواجه البلاد خصوصا السياسية والأمنية منها منذ أحداث فبراير 2011. وعليه ربما يصبح رفع مستوى المديونية العامة أحد الخيارات وهو خيار مر في كل حال من الأحوال.
حقيقة القول، يبلع حجم الدين العام في البحرين في الوقت الحاضر قرابة 14 مليار دولار أي نحو 47 في المائة من الناتج المجلي الإجمالي، بل يخشى صندوق النقد الدولي من ارتفاع الدين العام إلى 20 مليار دولار في 2018 مشكلا 61 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وخلال زيارة لنا لمقر صندوق النقد الدولي في واشنطن في شهر فبراير ترشح لنا فرضية جديدة مفادها إمكانية ارتفاع الدين العام إلى 69 في المائة في 2019.
الخيار الآخر وهو صعب ليس بالأمر الهين كذلك عبارة عن إعادة هندسة دعم المنتجات والتي تتمثل المشتقات النفطية والغاز والكهرباء والماء واللحوم الحمراء والدجاج والطحين بالنظر لكلفتها المرتفعة حيث تبلغ 3.3 مليار دولار أي 11 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبحرين..
ويمكن تفهم امتعاض المتابعين للاقتصاد البحريني في الصندوق عبر التأكيد بأن الطريقة الحالية للدعم غير عادلة لأنها تساوي بين المقتدر وغير المقتدر، بل الغني هو الأكثر استفادة من الدعم المقدم للمشتقات النفطية واللحوم والكهرباء نظرا لكثرة نفقاته..
التغيير المطلوب يجب أن يضمن حصول غير المقتدر على المزيد من الدعم مقابل رفع الدعم للغني تطبيقا لمبدأ التكافل الاجتماعي.
لكن ما يعبث على الاطمئنان هو عدم خشية الصندوق من حصول ضغوط تضخمية في البحرين حال تغيير برنامج الدعم نظرا لتوقع تراجع أسعار المنتجات الزراعية لفترة زمنية.
وقد علمنا خلال الزيارة نفسها عن توقع تراجع أسعار النفط بنحو 20 دولارا للبرميل في المدى المتوسط أي 5 سنوات بواقع عدة دولارات للسنة الواحدة الأمر الذي يشكل تحديا جديدا للمالية العامة في البحرين.
يعود انخفاض أسعار النفط لأسباب منها تعزيز الإنتاج النفطي للولايات المتحدة، ومن شأن هذا التطور المتوقع التسبب في المزيد من التعقيد لواقع وآفاق المالية العامة للبحرين في ظل اعتماد مستثمري القطاع الخاص على الحكومة لأخذ زمام المبادرة لتطوير الوضع الاقتصادي في البلاد.
في المجموع، يعد أمرا لافتا تصور موديز بأن النفقات العامة لكل من عمان وقطر ارتفعت بنحو 70 في المائة ما بين 2010 و2013 أي الأعلى بين دول مجلس التعاون الخليجي، بالمقارنة وحسب المصدر نفسه، تعززت المصروفات العامة بواقع 40 في المائة في كل من البحرين والسعودية في الفترة نفسها، وقد حدث كل هذا بالنظر لبقاء أسعار النفط مرتفعة لعدة سنوات متتالية مما أفسح المجال أمام تعزيز الإيرادات وبالتالي النفقات.
ختاما، ربما يكون من الصائب وضع حد للارتفاعات المستمرة للنفقات العامة في ظل التوقعات بتراجع متوسط أسعار النفط خلال السنوات القليلة القادمة تحاشيا لتسجيل عجز في الموازنات العامة..
( الشرق 17/3/2014 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews