المعادن الأرضية النادرة ودورها في الإقتصاد العالمي
صُنفت المعادن الإستراتيجية على أساس أنها معادن أساسية للتطور التكنولوجي والصناعي وعلى أساس أنها موضوع نضوب وأو صعوبات في التزويد. والمعادن الأرضية النادرة هي معادن تتمتع بخصائص كيميائية متقاربة وتضم: السكانديوم، الإتريوم، اللانثانوم، السيريوم، البراسيوديميوم، النيوديميوم، البروميثيوم، الساماريوم، اليوروبيوم، الغادولينيوم، التيربيوم، الديسبروسيوم، الهولميوم، الإربيوم، الثوليوم، الإتيربيوم، واللوتيتيوم.
وعلى عكس ما يوحي إسمها فهذه المعادن ليست نادرة وهي متوفرة في القشرة الأرضية، على قدم المساواة مع المعادن الأساسية الأخرى. وكلمة نادرة تأتي من إستحالة إستخدام مواد أخرى مكانها وهذا ما دفع المنتجين إلى تحديد الكميات الموزعة.
تُوجد هذه العناصر في الطبيعة على شكل معدني لين ومطاطي. وتتميز بخصائص كيميائية تجعلها تتفاعل كيميائياً بشكل كبير خصوصاً على دراجات حرارة عالية. وتتميز هذه المعادن بخصائص فيزيائية، بفضل البنية المجهرية لنواتها، تسمح لها بفرض نفسها في المجالات البصرية والمغناطيسية والتكنولوجيا المُتقدمة.
ومن أهم المجالات التي تُستخدم فيها: الإلكترونيات المتقدمة، الأقمار الإصطناعية، الصواريخ الغواصات، القطاع النووي، القطاع النفطي، السيارات (الكهربائية والعادية)، توليد الطاقة بواسطة الرياح، المنشآت البحثية العلمية، مصابيح الكهرباء، صناعة الزجاج، قطاع النانوتكنولوجيا...
وإذا لم يكن هناك من أرقام متداولة عن حجم إسهام المعادن الأرضية النادرة في الإقتصاد بسبب عدم الشفافية في شأن هذه المعادن، إلا أن القارئ يستنتج الأهمية الإستراتيجية لهذه المواد في الصناعة
إذا ما نظرنا إلى خارطة البلدان المُنتجة لهذه المعادن الأرضية النادرة، نرى أن الصين تحتكر قسما كبيرا من هذه المواد، إن من ناحية المخزون أوالإنتاج. وبحسب منظمة الـ USGS الأميركية، يتوزّع الإحتياط العالمي (110 مليون طن) على الصين (48%)، دول مجموعة البلدان المستقلة (17%)، الولايات المُتحدة الأميركية (12%)، الهند (3%) وأستراليا (1%).
وقد أصبحت الصين مع سياستها المُعتمدة على الأسعار المنخفضة الدولة الأولى في العالم مع 97% من الإنتاج العالمي أي ما يُوازي 130 ألف طن في العام 2010 منها 30 ألف طن للتصدير. وهذا ما أدّى إلى إقفال العديد من المناجم في العالم. ومن هنا يُطرح السؤال حول أضرار إحتكار الإنتاج العالمي لهذه المعادن.
هذا الإحتكار أدّى إلى إرتفاع أسعارها بنسبٍ هائلة (190% لبعض المعادن). وعلى الرغم من وجود مناجم مهمة لهذه المعادن في عدة بلدان متوقفة بسبب المنافسة الصينية الشرسة، إلا أن إعادة تشغيل هذه المناجم لن يكون قبل أعوام مما يسمح للصين بالتلاعب بالأسعار. وقد دفع النزاع على جزر سينكاكو في العام 2010 بين اليابان والصين، الأخيرة إلى وقف الإمدادات بالمعادن الأرضية النادرة لليابان أول مستورد من الصين.
هذا الحادث ممزوجاً بإرتفاع الأسعار في 2011 دفع العالم إلى بدء البحث عن مخازن في اليابسة وفي البحار (200 شركة و34 دولة). وفي تموز 2011، أعلنت اليابان عن إكتشاف مخزن للمعادن الأرضية النادرة في المياه الدولية في المحيط الهادي على أعماق تتراوح بين 3500 و6000 متر.
الجدير بالذكر أن إستخراج هذه المواد يتطلب تِقنيات عالية مما دفع عددا من البلدان، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة الأميركية، إلى الإتجاه إلى إعادة تدوير المعادن الأرضية النادرة المُستعملة.
إن دور هذه المعادن بقي مهملاً لفترة طويلة من الزمن على عكس المعادن العادية كالحديد والنحاس وغيرها. لذا تفتقر المعادن الأرضية النادرة إلى بنية تحتية وشبكة تزويد وأسواق تسمح بشرائها بكل شفافية. والتطور التكنولوجي الذي حصل منذ تسعينات القرن الماضي حتى الآن، لم يعطِ الوقت الكافي للدول لتضع خططا إستراتيجية لتخزين هذه المواد، خلق بنية تحتية ملائمة مع أسواق عالمية.
ويكمن البعد الإستراتيجي لهذه المواد في ثلاثة عناصر مجتمعة:
- المنتجات التي تدخل المعادن الأرضية النادرة في صناعتها.
- سهولة الحصول على المعادن الأرضية النادرة.
- قدرة إستبدال هذه المعادن بمواد أخرى.
وهذا ما دفع المجموعة الأوروبية وأميركا إلى تحديد لائحة بالمعادن الأرضية النادرة التي تُعتبر إستراتيجية بالنسبة اليها.
من المتوقع أن ترتفع أسعار المعادن الأرضية النادرة في الأعوام القادمة بسبب العوامل التالية:
أولاً: إرتفاع شديد في الطلب عليها، مصدره الطلب على البضائع التي تدخل في صناعتها وخصوصاً من قبل الدول النامية، حيث أن التطور الإقتصادي في هذه البلاد سيدفع إلى زيادة الإستهلاك على الإلكترونيات.
ثانياً: إنخفاض التصدير الصيني وتأخر الإنتاج المتوقع من قبل الدول الأخرى لبضع سنوات بسبب صعوبة التقنيات (الإستخراج ومحاربة التلوث).
ثالثاً: إرتفاع أسعار الإنتاج مع زيادة الإهتمام بالطبيعة والآثار الجانبية لإستخراج المعادن الأرضية النادرة التي لها آثار سلبية على البيئة (مواد سامة ومشعة).
رابعاً: صعوبة إعادة التدوير لهذه المعادن بسبب ضعف التقنيات ونقص البحوث في هذا المجال مما يتطلب زيادة الإستثمارات وبالتالي زيادة كلفة الإنتاج.
خامساً: ضعف البحوث في ما يخصّ إستبدال هذه المواد بمواد أخرى متوفرة بكمية كافية.
سادساً: إعادة تقييم سعر صرف اليوان الصيني والذي من المُتوقع أن يرتفع مقابل الدولار الأميركي مما يعني إرتفاع الكلفة على الإستيراد.
سابعاً: تطور السوق السوداء لهذه المعادن والتي من المتوقع أن ترتفع في الأعوام القادمة بشكل كبير.
كل هذا سيؤدّي إلى نتيجة واحدة : ارتفاع أسعار السلع التي تدخل المعادن الأرضية النادرة في تصنيعها، في الأعوام المقبلة.
لا شك أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تُعط أي إهتمام لهذا الموضوع. وبالأحرى، وُجب على هذه الحكومات تشكيل لجنة من الخبراء مهمتها: تحديد وتقييم حاجات لبنان من هذه المعادن والنظر بالعلاقات الدولية من جهة المواد الإستراتيجية. كما وتحديد مواقع في لبنان ممكن أن تحوي مثل هذه المعادن علّنا، وبقدرة إلهية، نمتلك بالإضافة إلى الماء والنفط، المعادن الأرضية النادرة.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews