الدولار الضعيف ينقذ الأسواق من نوبة إغماء
في عالم محدود، كل شيء في نهاية المطاف يضغط باتجاه قيد من نوع ما. ربما كان هذا ما يحدث للأسواق العالمية في الوقت الحاضر، والقيد هو الين الياباني.
ظاهريا، ولا سيما بالنسبة للذين تدربوا على النظر في الأغلب إلى مستويات أسواق الأسهم، الأمور تبدو هادئة. بعد ربع أول صاخب ـ كما نعرف الآن ـ كان أداء كثير من المستثمرين فيه أسوأ بكثير من مؤشرات السوق الرئيسية، دخلت أسواق الأسهم الأمريكية شهر نيسان (أبريل) أكثر حزما هذا العام. الأسواق الناشئة، مصدر تركيز المخاوف الأكبر قبل بضعة أسابيع فقط، كانت متقدمة.
من الصعب أن نميز أي نمط في أسواق الأسهم كان سائدا الأسبوع الماضي. كانت متقلبة، لكن هناك نمطا واضحا للتحركات في سوق العملات، وفي الأسواق بالنسبة للمصارف الكبيرة. وهو يكشف مصدر المشكلة الأساسية.
من بين المصارف، دويتشه بانك هو المثال الأكثر إثارة. اعتبارا من إغلاق يوم الخميس، انخفضت أسهمه عن مستوى فترة الذعر الذي وصلت إليه في شباط (فبراير)، وفي الواقع أقل من مستواها في أسوأ وقت من الأزمة عام 2008/2009، لتصل إلى مستويات منخفضة لم نشهدها منذ أكثر من ربع قرن.
هذا أمر لا يمكن تجاهله. أسهم المصارف تميل لقيادة الأسواق، وعملية بيع كهذه لم تحدث في السابق إلا خلال الأزمات المالية الخطيرة، ومع ذلك كانت عملية البيع عالمية؛ مؤشر مورجان ستانلي المركب للمصارف العالمية انخفض 16 في المائة هذا العام. السبب هو القلق بشأن أسعار الفائدة المنخفضة التي تلحق الضرر بربحية المصارف وأنموذج أعمالها. أسعار الفائدة المنخفضة تعاقبها لوضع الأموال مع البنوك المركزية، ومن الصعب تمريرها إلى الزبائن.
أحد التطورات المهمة الناتجة عن تشنج الأسواق هو الإجماع على أن أسعار الفائدة السلبية لم تستطع التوسع والانتشار، والبنوك المركزية لا تستطيع تخفيضها أكثر من ذلك. وتبين هذا بصورة رئيسية في ردة الفعل على قرار بنك اليابان المركزي تخفيض أسعار الفائدة إلى المنطقة السلبية في نهاية كانون الثاني (يناير)، وهي خطوة كان لها تأثير غير متوقع في تعزيز الين.
عادة، تتدفق الأموال بعيدا عن العملات ذات أسعار الفائدة المنخفضة، وتذهب باتجاه العملات التي توفر مكافآت أكثر. أما كيف دفع بنك اليابان تدفق الأموال باتجاه اليابان، فهذا أمر لا يزال موضع خلاف. غالبا ما كان الين يعمل بمنزلة ملاذ آمن، لكن هناك حجة جيدة مفادها أن عملية البيع الكبيرة لأسهم المصارف في شباط (فبراير) الماضي تم اعتبارها دليلا على أن النظام لا يمكن أن يتحمل أسعار الفائدة السلبية. كان بنك اليابان يهدف إلى أن يبين أنه لم تكن هناك "حدود صفرية" بالنسبة لأسعار الفائدة. بدلا من ذلك، أثبت أنه بالفعل وصل إلى أدنى حدوده. لنضف إلى هذا عاملا آخر. كثير من الناس لديهم مصلحة في دولار ضعيف. وهؤلاء يوجدون في بلدان تشمل الأسواق الناشئة التي كانت عملاتها قد شهدت عملية بيع، الأمر الذي يجعل خدمة الديون المقومة بالدولار أصعب ويزيد من خطر حدوث أزمة. وتشمل أيضا الصين التي ترتبط عملتها بالدولار ويمكن أن تستفيد من بعض التخفيف. وكذلك جميع من لديهم حصة في أسواق الطاقة والمعادن، لأن الدولار يميل للتحرك عكسيا مع أسعار المعادن. والولايات المتحدة نفسها، حيث يشعر الاحتياطي الفيدرالي بالقلق بشأن عملة قوية جدا، لأن هذا يجعل الشركات الأمريكية أقل قدرة على التنافس ويقلل من الأرباح الخارجية من حيث القيمة الدولارية. ولما كان الدولار الضعيف من مصلحة كثيرين، لم يكن من المستغرب أن حدوث مثل هذا الضعف. ومع تقليص الاحتياطي الفيدرالي توجيهاته حول إلى أي مدى قد يرفع أسعار الفائدة هذا العام، وتأكيده على أنه سيعتمد جزئيا على بيانات السوق العالمية والسوق المالية عند اتخاذ أي قرار (وليس فقط أرقام الولايات المتحدة الكلية)، كان من الآمن تخفيض الدولار. هذا خفف من التوتر واحتفلت أسواق الأسهم (حيث كثير من مديري الصناديق لم يشاركوا مع الأسف بسبب خروجهم في الوقت الخطأ). لكن هذا كان يعني الضغط على المصارف، وعلى الين.
اليابان تهتم بعملتها. وفقا لبنك نيويورك ميلون، كانت تتدخل تقريبا مرة كل 20 يوم تداول منذ عام 1993. شكاوى المسؤولين الصاخبة من أن تحركات سوق العملات الأجنبية كانت "من جانب واحد" الأسبوع الماضي كررت كلمة كانت تستخدم في الماضي، عندما كانت التدخلات قادمة. الين القوي يمكن أن يدفع "برنامج آبي الاقتصادي" عن مساره، الذي يهدف إلى تنشيط اليابان وإعادة التضخم، لأن من شأنه جعل الصادرات اليابانية أقل قدرة على التنافس، وجعل الواردات أرخص. وقد انخفض مؤشر نيكاي 225 أكثر من 20 في المائة ويعامله المستثمرون كما لو أن اليابان كانت دولة مصدرة كبيرة، تنخفض كلما ارتفع الين. بالتالي، احتمال أن تفعل اليابان شيئا لإضعاف الين مرة أخرى يبدو قويا، ولهجة المسؤولين الذين يشتكون من التجارة "من جانب واحد"، تشير بقوة إلى أن هناك شيئا ما في الطريق. لكن بحلول نهاية الأسبوع، لم يكن هناك أي تدخل، وبقي الين أعلى 12 في المائة مما كان عليه بعد آخر تدخل من بنك اليابان. وسواء كان أمرا حكيما أم لا، فإن التجار يتحدون البنك المركزي ويراهنون على أنه لم يعد باستطاعته فرض تخفيض عملته.
هذا أمر قبيح، وسيوفر فرصا. من الناحية التاريخية، يغلب على أسهم المصارف أن تنتعش بعد الضغوط التي من هذا القبيل، وقد انتعشت بالتأكيد يوم الجمعة. والعدد الكبير من الشركات اليابانية التي لم تتأثر كثيرا بالين ينبغي له أن يشتمل على صفقات جيدة بأسعار رخيصة. لكن الفكرة الرئيسية تظل صحيحة. الدولار الضعيف أنقذ الأسواق من الإغماء في شباط (فبراير). لكن في اليابان، نحن ندق ضد قيد يتعلق بمدى الضعف الذي يمكن أن يصل إليه الدولار.
(المصدر: فايننشال تايمز 2016-04-11)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews