صندوق الاستقرار المالي
يعرف الاستقرار المالي بأنه القدرة على تحقيق الاستقرار في كل عناصر القطاع المالي بصورة متوازنة. ويتكون القطاع المالي من ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في: المؤسسات المالية ومكوناتها من البنوك وشركات التأمين والمؤسسات المالية الأخرى، والأسواق المالية وتتمثل في أسواق رأس المال وأسواق النقد، والبنية التحتية والتي تعتبر أهم مكونات هذا المزيج. وتتمثل في الأطر التنظيمية والقانونية ونظم الدفع والمحاسبة التي تشرف على تنفيذها البنوك المركزية. وتعمل جميع هذه المكونات لخلق البيئة المالية المستقرة.
وتنبع أهمية الاستقرار المالي من كونه يخلق حالة تمكن من تقديم الخدمات المالية بصورة سليمة حتى في حالات الصدمات السلبية. لذلك يشكل الاستقرار المالي عاملًا أساسيًا للمحافظة على النمو الاقتصادي بالنظر لمكانة القطاع المالي في الاقتصاد سواء من حيث حجمه أو الخدمات التي يقدمها.
وفيما يخص دول مجلس التعاون الخليجي تنبع أهمية الاستقرار المالي ليس من حجم وأهمية القطاع المالي (تبلغ موجودات البنوك الخليجية نحو 1.8 تريليون دولار وهي تعادل الناتج المحلي الخليجي)، بل أيضا من طبيعة الاقتصاد الخليجي الذي يخضع لتقلبات حادة بين آونة وأخرى بسبب تقلبات أسعار النفط، والانعكاسات المباشرة لهذه التقلبات على أداء مكونات القطاع المالي.
وفي عام 2010 تقدمت البحرين بمقترح لتأسيس صندوق للاستقرار المالي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، لكن هذا المقترح لم يؤخذ به لغاية اليوم. ونحن نعتقد أن الأوضاع الاقتصادية والمالية الراهنة، والتي سوف تتواصل لعدد من السنين، تشكل بالفعل مصدر تهديد للاستقرار المالي الخليجي، ما يفرض معه وجود آلية خليجية مشتركة للتدخل والحفاظ على الاستقرار المالي.
لقد كشفت الأزمة العالمية عام 2008 عن بعد آخر لقضية الاستقرار المالي، هو ما يمكن تسميته بـ"عولمة الاستقرار المالي"، أي أن تأمين الاستقرار المالي، سواء على مستوى كل بلد أم على مستوى الإقليم والعالم، ونظرا لانفتاح الأسواق وتكاملها، لم يعد مسؤولية بلد ما أو جهة ما، بل لا بد من تعاون وتكاتف دول الإقليم لتأمين ذلك الاستقرار.
وقد مارست دول التعاون بالفعل أدوات الاستقرار المالي بعد نشوب الأزمة العالمية تمثلت في المحفزات المالية المختلفة، الأمر الذي أسهم في ضبط الأسواق وتوفر السيولة المطلوبة للمؤسسات المالية والمصرفية.
ومنذ نشوب الأزمة العالمية أدركت الدول الأوروبية أهمية الحاجة لوجود جهد جماعي لتأمين الاستقرار المالي خاصة بعد تفاقم أزمة الديون السيادية في بعض دول الاتحاد الأوروبي وذلك لمساعدة هذه الدول بضخ السيولة اللازمة لها. لذلك بادرت في مايو 2010 لتأسيس الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي والذي جمع آنذاك 440 مليار يورو في شكل مساهمات من الدول المنتمية لمنطقة اليورو (16 دولة) وذلك كجزء من آلية شاملة من الإنذار المبكر وضعت في مايو 2009، وهي آلية يمكنها نظريًا جمع ما يناهز 750 مليار يورو بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. ويملك صندوق الاستقرار المالي الأوروبي هيئة إدارية تشرف عليه من مقرها في لكسمبورغ. ويستوجب الإفراج عن أي مبالغ مالية لأي دولة تواجه متاعب في الديون السيادية موافقة الدول الأعضاء في منطقة اليورو.
لذلك، نحن نعتقد أن تأسيس صندوق الاستقرار المالي الخليجي من شأنه دعم الاستقرار الاقتصادي والمالي لدول المجلس ويسهم في مواجهة ما قد تتعرض له دول مجلس التعاون من كوارث أو هزات مالية غير متوقعة، بحيث يقوم هذا الصندوق بتقديم الدعم اللازم للدول الأعضاء في حالة تعرضها إلى أزمات مالية واقتصادية طارئة بما يضمن الحد من الآثار السلبية لهذه الأزمات. كما من شأنه دعم الاستقرار المالي من خلال توفير السيولة والاستقرار اللازمين لتنفيذ برامج التنمية في دول المجلس، إلى جانب تقديم الدعم للمؤسسات المالية والأنشطة الاقتصادية الأخرى. كذلك من شأنه دعم التصنيفات الائتمانية من قبل وكالة التصنيف العالمي لدول المجلس، كونه سوف يمثل، أي الصندوق، آلية تدخل قائمة ومتوفرة للدعم في الأوقات الطارئة والحرجة.
إننا في الوقت الذي نؤيد فيه سرعة تنفيذ مشروع الصندوق، فإننا ندعو لوضع آليات مرنة لتنفيذه تفاديا لأي معوقات تعترض هذه الآليات، كما حدث في مشروع الاتحاد الجمركي الذي أعلن عن تأسيسه سنة 2003، إلا أنه لم يفعل بصورة تامة لغاية اليوم، وكذا الحال بالنسبة إلى التباطؤ الذي حدث في تفعيل السوق الخليجية المشتركة وفي الوحدة النقدية الخليجية.
إن من شأن تأسيس صندوق للاستقرار المالي الخليجي، خاصة إذا ما تم الاقتداء بالتجربة الأوروبية في إيجاد هيئة إدارية مستقلة له، توفير المرونة والاستقلالية له للتحرك السريع والفاعل حسب مقتضيات الوضع لتوفير الدعم لأي دولة خليجية.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-04-10)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews