تقرير الاستقرار المالي

صدر هذا الشهر عن مؤسسة النقد العربي السعودي "تقرير الاستقرار المالي". وأتوقع أنه أول تقرير للمؤسسة تحت هذا الاسم. والباعث على إصداره تزايد أهمية الاستقرار المالي، خاصة بعد الأزمة المالية العالمية.

التقرير عبارة عن استعراض للأوضاع الاقتصادية الدولية والمحلية، مع تركيز على أوضاع القطاع المالي السعودي المصرفي وغير المصرفي. تبعا لذلك، استعرض التقرير مؤشرات السلامة في النظام المالي السعودي، واهتم بتقييم المخاطر الداخلية والخارجية المحتملة على القطاع المالي السعودي ونظامه.

عرفت المؤسسة الاستقرار المالي بأنه "حالة يتميز فيها النظام المالي بالثقة بعدم حدوث انقطاع كبير أو اضطرابات في أدائه". وتبعا لهذا التعريف فإنه يجب أن تتوافر في النظام المالي في أي دولة القدرة على تحمل الصدمات وإنجاز العمليات المالية وممارسة دوره كوسيط مالي واستثماري.

الاقتصاد العالمي

شهد الاقتصاد العالمي استمرارا في نموه العام الماضي 2014، لكنه نمو أقل من المتوقع. وهناك أسباب لهذا التباطؤ، يقف على رأسها ضعف النشاط الاقتصادي في الربع الأول نتيجة ظروف مناخية غير معتادة، ووجود تشديد في السياسة النقدية، وانخفاض في الاستثمار في منطقة اليورو، وفي الطلب المحلي في اليابان بسبب زيادة ضريبة الاستهلاك.

الرأي السائد لدى المنظمات العالمية الاقتصادية الكبرى أن النمو في الاقتصادات المتقدمة في تحسن. وبالرغم من ذلك، فمازالت تواجه تحديات تهدد استدامة هذا التحسن. وأما في الدول ذات الاقتصادات الصاعدة وفي الدول النامية فالنمو متوقع له أن ينخفض. ذلك لأن هذه المجموعة مرت بفترة نمو ذهبية خلال سنوات خلت. ويعد الاقتصاد السعودي من ضمن هذه المجموعة.

خلال هذه السنوات شهدت أسعار المواد الخام ارتفاعا في أسعارها وأسعار الفائدة في أدنى مستوياتها منذ عقود، وكان نمو الاقتصاد العالمي معتمدا على هذه الاقتصادات أكثر من اعتماده على مجموعة ما يسمى الاقتصادات المتقدمة، وحدث ذلك لأول مرة في التاريخ.

تلك الفترة الذهبية انتهت. أسعار النفط والمواد الخام التي يعتمد كثير من الاقتصادات الصاعدة على صادراتها بنسبة كبيرة، أسعارها انخفضت انخفاضا شديدا، وتكلفة الاقتراض في ارتفاع. وعلى هذه الدول أن تتكيف مع هذه الأوضاع.

الوضع أقل شدة في دول الخليج، فقد حافظ النمو على قوته معظم العام نتيجة أسباب أهمها سببان، الأول قوة الإنفاق الحكومي والخاص وخاصة الرأسمالي والثاني تسارع النمو الائتماني الذي بدوره دعم أنشطة القطاع الخاص غير النفطي.

لكن من المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي في العام الحالي 2015 مقارنة بالعام السابق، بفعل انخفاض إيرادات النفط، المحرك الأهم لاقتصادات مجلس التعاون الخليجي. ومن المرجح ألا تتأثر كثيرا اقتصادات المجلس من التطورات المالية العالمية، خاصة الزيادة المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية، والتذبذب الكبير في أسعار العملات.

عن المخاطر المحدقة بالاقتصاد العالمي، ترى المؤسسة أن التطورات السلبية ما زالت هي الأهم في خريطة توزيع المخاطر أمام النشاط الاقتصادي العالمي.

ومن أهم هذه التطورات السلبية على المدى القصير تقلب الأسواق المالية والإرباك الحاصل في أسعار الأصول. أما على المدى المتوسط، فيقف على رأس قائمة المخاطر احتمال انخفاض النمو. وتواجه مجموعة من الدول النامية الأقل دخلا المصدرة لمواد أولية تأثيرات انخفاض أسعار صادراتها من المواد الأولية.

كما من التطورات السلبية كون مستويات التضخم في عدد من الدول المتقدمة منخفضة لوقت طويل، دون المعدلات المستهدفة. وانخفاض التضخم دون المستهدف مؤشر على الانكماش.

ومن التطورات السلبية ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية، وما تحمله من تأثيرات غير طيبة على الاقتصاد العالمي وأسواق سلع كثيرة كالنفط.

والرأي بصفة عامة أن نمو الاقتصاد العالمي لم يتحسن التحسن الملموس بعد، ولكن التحسن متوقع. وهناك حاجة للجمع بين دعم الطلب وعمل إصلاحات هيكلية، والهدف تحسين نمو الاقتصاد العالمي. ومن ضمن الإصلاحات مواصلة ضبط حجم الدين العام وأوضاع المالية العامة، والسياسة النقدية الميسرة لدعم التعافي.

الاقتصاد السعودي

أما فيما يخص الاقتصاد السعودي فقد استمر في نموه عام 2014 بالرغم من انخفاض أسعار النفط، لكنه نمو أقل ما تحقق في العام الأسبق 2013. وكما سبق قوله عن دول مجلس التعاون، يتوقع أن يكون أقل في العام الحالي 2015.

أسهمت ضخامة فوائض الميزانية خلال السنوات السابقة في خفض الدين العام واستمرار وتيرة النمو الاقتصادي بالرغم من انخفاض أسعار النفط.

ماذا بشأن التضخم والفائدة؟ يلاحظ أن معدلات التضخم في انخفاض. كما يلاحظ أن انخفاض الفائدة قد أسهم في دعم الاستثمار والنمو وارتفاع حركة الإقراض.

التطورات في النظام المالي السعودي

من جهة التطورات في النظام المالي السعودي فقد شهد تطورات تنظيمية وازداد قوة خلال السنوات الأخيرة. وحافظ قطاع المصارف التجارية وهو أكبر مكونات القطاع المالي على مستوياته العالية من حيث رأس المال والربحية والسيولة، بل ربما كان من أكبر القطاعات المصرفية ربحية على مستوى العالم.

تتركز مخاطر المصارف التجارية في المملكة على الائتمان، لكنها مخاطر تحت السيطرة بصفة عامة، وتقابل بأصول جيدة. القروض المتعثرة في انخفاض، لحسن إدارة مخاطر الائتمان. والانكشاف الخارجي للمصارف السعودية محدود، من الجهتين الإقراض والاقتراض.

وبصفة عامة، اعتمدت مؤسسة النقد على مجموعة واسعة من الإجراءات الاحترازية لضمان الاستقرار المالي في القطاع المصرفي قدر المستطاع. كما اتخذت المؤسسة خطوات استباقية للحد من أو ضبط قطاعات مصرفية الظل (للتسهيل يمكن تعريف مصرفية الظل تعريفا تقريبيا بأنها عمليات الوسطاء والمؤسسات المالية الخاصة خارج القطاع المصرفي). كما أنشأت المؤسسة صندوق حماية الودائع، وصدر برنامجه في هذا العام.

تعد المصارف السعودية من المصارف الأولى على مستوى العالم في تطبيق معايير بازل 3 التي تركز على قوة رأس المال والسيولة والرافعة المالية. بل إن المصارف السعودية تجاوزت ما تتطلبه بازل القطاع المصرفي السعودي شبه معزول عن تقلبات الأسواق المالية العالمية الملاحظة خلال السنوات الأخيرة. وربحية القطاع مرتبطة ارتباطا وثيقا بحالة وتطورات الاقتصاد الكلي المحلي، وعلى رأسها قوة المالية العامة أكثر من ارتباطها بالأسواق المالية العالمية. وحيث إن الاقتصاد المحلي بقي محافظا على قوته بالرغم من انخفاض أسعار النفط، فالقطاع المصرفي حافظ على قوته أيضا بالرغم من انخفاض أسعار النفط. لكن يعد ذلك نظرا محدودا.

محافظة القطاع المصرفي على قوته خلال العام الماضي والشهور الماضية من هذا العام ينبغي ألا تحول دون نظر ومتابعة لوضع المصارف على المدى البعيد. فالأحداث والتجارب بينت وجود ردود فعل من النظام المالي تجاه تطورات أسعار النفط على المدى البعيد.

ومن المؤكد أن قوة المالية العامة معتمدة على قوة أسعار النفط، ومن ثم فاستمرار قوة المصارف على المدى البعيد معتمدة وبطريقة غير مباشرة على استمرار قوة أسعار النفط.

من جهة جودة الائتمان، يبدو أن هذه الجودة داخل محفظة المصارف ليست سواء، حيث تختلف من قطاع لآخر. بعض القطاعات توصف بأنها ذات اقتراض أعلى.

أما قطاع التأمين فقد حقق انتعاشا ملموسا خلال العام الماضي 2014 مقارنة بالعام الذي قبله 2013. الربحية زادت ورأس المال ارتفع ومع ذلك لا تزال المؤسسة ترى أن القطاع بحاجة إلى المزيد من إعادة الهيكلة والتنظيم، بما يسهم في استمرار الانتعاش.

انعكس الاستقرار المالي على مؤشرات القطاعات المالية الأخرى غير المصارف والتأمين.

فيما يخص السوق المالية واصلت هيئة سوق المال اهتمامها بما يؤدي إلى إدخال أدوات استثمارية جديدة، وتنويع القاعدة الاستثمارية. وضمن هذه الجهود، جرى السماح بدخول الاستثمارات الأجنبية إلى السوق السعودي، لكن بصورة تدريجية.

المخاطر

اهتم تقرير المؤسسة بمناقشة المخاطر المحدقة بالاقتصاد السعودي وتبعا لذلك لقطاعه المالي.

هناك مخاطر جيوسياسية، وهذه واضحة في تطورات الأحداث من حولنا. وهناك مخاطر انخفاض الدخل النفطي، ومصدره الأكبر اتساع الفجوة بين العرض والطلب لمصلحة العرض.

ومن المهم أن يعرف اتساع حصة الاقتصادات الصاعدة من الطلب العالمي على النفط. ومن ثم فإن التباطؤ في اقتصادات الأسواق الصاعدة وعلى رأسها الصين يضغط على أسعار النفط، ومن ثم يتأثر سلبا النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية.

لا يتوقع أن تتأثر المملكة كثيرا جراء انخفاض أسعار النفط على المديين القصير والمتوسط. لكن استمرار انخفاض أسعار النفط لسنين طويلة يفرض علينا التصرف حيال ذلك تصرفا أكثر حكمة، بما في ذلك عمل إصلاحات هيكلية وزيادة الاهتمام بتطوير الموارد البشرية وتنويع مصادر الدخل.

من المهم التنويه بأن تقرير المؤسسة احتوى على فصل يوضح فيه المبادرات الأخيرة لأنظمة المدفوعات. ويعد نظام سريع (نظام للتحويلات المالية) الدعامة الرئيسة للبنية التحتية للمدفوعات السعودية. وهناك نظام سداد. وتعمل المؤسسة على تطوير بنية وأنظمة المدفوعات.

تعليق أخير على التقرير

- تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي إضافة رائعة من المؤسسة في موضوعه. ونقترح تطويره ليصدر بشكل دوري مرتين في العام.

- كما نقترح إضافة جداول ولو مختصرة عن قطاعات الاقتصاد، وتحليل أكثر عمقا لمواطن الضعف في الاقتصاد السعودي، وطرح مقترحا حيالها.

- يشهد تقرير المؤسسة بارتفاع مستويات رأس المال والربحية والسيولة في قطاع المصارف التجارية السعودية.

ونرى أن أحد أسباب ارتفاع ربحية المصارف التجارية السعودية كون عددها قليلا مقارنة بسكان السعودية وحجم اقتصادها، ومقارنة بالوضع في دول كثيرة.

على سبيل المثال، عدد المصارف السعودية لا يتجاوز بضعة عشر مصرفا، مقارنة بمئات المصارف البريطانية. في الوقت الذي يبلغ عدد سكان بريطانيا قرابة ضعف سكان المملكة العربية السعودية.

(المصدر: الاقتصادية 2015-07-15)