الحفاظ على الاستقرار المالي
اجتذبت شركة ثيرد أفينيو اهتمامًا كبيرًا مؤخرا مع إعلانها فرض قيود على السحوبات من صندوقها مرتفع العائد «فوكاسد كريديت». وبالتأكيد فإن أي شركة لإدارة الاستثمارات تفرض قيودًا على وصول مستثمريها لرؤوس أموالهم تتخذ بذلك قرارًا محوريًا يحمل تداعيات ليس على عملائها فقط، ولكن على مستقبلها بالأساس. وتثير تلك الخطوة تساؤلات إزاء الاستراتيجية الاستثمارية للصندوق، وعلى نحو أعم إزاء السيولة في الأسواق، لا سيما خلال فترات الغموض وتفاقم الاضطرابات.
وباستقراء السمات المميزة لهذه القضية بعينها، يمكن للمستثمرين وصناع القرار أن يستخلصوا 9 دروس أساسية في هذه المرحلة المبكرة:
1 - كلما كبرت التدفقات من فئة ما من الأصول المالية في العموم، زادت فرص وقوع الحوادث. الاستثمار مرتفع العائد أكثر عرضة على وجه الخصوص للحوادث المؤسفة، لا سيما أنه شهد بالفعل سحوبات كبيرة للمستثمرين وأضرارًا فنية ذات صلة.
2 - يزيد بشدة حجم الحادث في حال لجأ مديرو الاستثمار الأفراد داخل فئة الأصول المالية إلى أصول أكثر غرابة وأقل سيولة سعيًا وراء جني عوائد أكبر. لا أقصد أن أقول إن السعي وراء مثل هذه الاستثمارات لا يستحق عناء المحاولة، لا سيما إذا كان يعززها بحث ائتماني متماسك. إنها كذلك، لكن في السياق وبالحجم المناسب.
3 - في مثل هذه الظروف، سيجد الصندوق، الذي يكون في حالة من الاضطراب المتزايد بالفعل، صعوبة أكبر في توفير السيولة الكافية. وكلما أصبح ذلك واضحًا للعيان بين الدائرة القريبة من الصندوق من الأطراف المقابلة والمنافسين، تراكمت المشكلات بصورة أسرع مما يوفر الحافز لخروج المزيد من المستثمرين بوتيرة أكثر تسارعًا.
4 - إن الإدارة اليومية وعلى مدار الساعة لسيولة الصندوق تصبح تحديًا عملياتيًا ضخمًا، ويمكن أن تطغى حتى على الاعتبارات الاستثمارية المنطقية. ومع تسارع وتيرة التدفقات الخارجة، يبتعد الوسطاء والمتعاملون بشكل جماعي عن الصندوق، مما يزيد من تعقيد مهمة إدارة السيولة والضمان.
5 - هذه الأجواء تجعل من شبه المستحيل على الصندوق أن يقنع مستثمريه بزيادة حصصهم في رأس المال، ناهيك باجتذاب مستثمرين جدد. وعند تجاوز نقطة معينة، قد يشعر الصندوق بأنه مضطر لأن يفرض قيودًا على السحب كوسيلة للحفاظ على القيمة فيما يحاول تصفيته على نحو أكثر تنظيمًا لتلبية طلبات الاسترداد الضخمة.
6 - فور الإعلان عن تلك القيود على السحوبات، يمكن أن تبدأ قاعدة أوسع من المستثمرين في التشكيك بالافتراضات حول السيولة الكامنة لفئة الأصول المالية. ويحمل ذلك خطورة خاصة هذه الأيام، لا سيما في ضوء أن المستثمرين يشعرون بارتياح مفرط بفضل ضخ البنوك المركزية للأموال ونشر سيولة الشركات المسجلة على الميزانيات.
7 - وبناء على مدى التدهور الذي قد تصل إليه الأوضاع، يمكن لتراجعات الأسعار أن تدفع القيم إلى تجاوز ما هو مسموح وفق الأسس الائتمانية والاقتصادية، علاوة على تسريع العدوى داخل فئة الأصول المالية.
8 - كلما زاد اضطراب فئة الأصول المالية، تزايدت خطورة انتقال العدوى إلى أنماط أخرى من الاستثمار، تبدأ من الفئات التي تشترك معها في نفس السمات الائتمانية ومخاطر التعثر والسيولة.
9 - الوسطاء والمتعاملون سيكونون أقل رغبة وقدرة على التحرك لتهدئة الأوضاع عبر التدخل بميزانياتهم. فالقوى التنظيمية والسوقية قلصت من رغبتهم في لعب هذا الدور المضاد للدورة الاستثمارية.
ومن أجل الحفاظ على الاستقرار المالي، لا سيما داخل صندوق العائد المرتفع، تنعقد الآمال على سرعة إدراك الأسواق بأن مشكلات «ثيرد أفينيو» تتعلق تحديدًا بالأسلوب الاستثماري واستراتيجية المدير، وليست انعكاسًا لاضطراب في فئة الأصول المالية ككل. لكن الخطر الأكبر يكمن في أن تدفع هذه الحالة المستثمرين الذين ارتكنوا إلى الاعتقاد بأن السيولة المطلوبة ستكون متاحة أمامهم عندما تتغير توقعات السوق ويتطلعون إلى تبديل محافظهم المالية.
(المصدر: بلومبيرغ 2015-12-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews