الاقتصاد الخليجي عام 2016
يدخل الاقتصاد الخليجي العام 2016 وسط موج متلاطم من الأزمات السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية وتحديات متنوعة وعديدة، لكن معظم هذه التحديات ناجمة عن تأخر إيجاد الحلول لها على مدى سنوات طويلة.
التوقعات الاقتصادية للعام 2016 إن النمو العالمي سيظل متواضعا بالذات خلال النصف الأول من العام القادم (1-2%)، وسيأخذ الأمر بعض الوقت لكي يضع الاقتصاد الأمريكي قدمه بثبات على مسيرة النمو، وكذلك الحال بالنسبة للاقتصاديات الأوروبية، بينما سيقى معدل نمو الاقتصاد الصيني بحدود 8% أي أقل من معدلات نموه التاريخية.
ولا تزال هناك مخاطر مالية عالية قد تزيد تقلبات السوق في الفترة المقبلة. كما أن هناك خطرا متزايدا بشأن الركود في منطقة اليورو، ويجب على البلدان أن توظف كل سياسات الإصلاح النقدية والمالية والهيكلية للتصدي لهذه المخاطر ودعم النمو.
ويبدو أن الطلب العالمي على النفط سيستمر في التراجع، ما يعني بقاء أسعار النفط منخفضة خاصة خلال النصف الأول من العام الجديد.
وما يلفت النظر بعد بقاء الأزمة العالمية مستعرة منذ اندلاعها عام 2008 هو تزايد حديث منظمات وخبراء دوليين بأن أزمة انهيار أسعار النفط تخضع لعوامل متشابكة لا تقتصر على زيادة الإنتاج من خارج أوبك، تحديدا من النفط الصخري في الولايات المتحدة، أو لأسباب سياسية، أو حتى الضغط على روسيا وإيران.
ويعكف هؤلاء على مراجعة ما وصف بأنه "انتعاش اقتصادي" شكلي عقب الأزمة التي ضربت العالم قبل أكثر من 7 سنوات، حيث تتمثل الخلاصة هنا أن الاختلالات الهيكلية التي أدت إلى الأزمة العالمية لم تشهد أي معالجة جدية، واستمر العالم في محاولات "إصلاح تقليدية" لم تصمد كثيرا، ما ينذر باحتمال مواجهة الاقتصاد العالمي أزمة جديدة.
ولعل هذا الاستنتاج يعني الكثير بالنسبة لدول المجلس، لكن أبرز ما يعنيه أنها ستظل تعيش دوامة تذبذب أسعار النفط وربما في حركات مفاجئة صعودا وهبوطا مما يلحق الضرر البالغ باقتصادياتها. وعلى الرغم من التريليونات التي دخلت خزائن دول الخليج على مدار السنوات العشر الأخيرة، ظلت المشكلات الاقتصادية لهذه الدول كما هي متمثلة في محدودية نتائج تنويع مصادر الدخل، مع اعتماد اقتصادياتها على أنشطة مولدة للوظائف للعمالة الأجنبية مما رفع من معدلات البطالة في صفوف المواطنين، علاوة على الاعتماد الكبير في تحريك اقتصادها على الميزانيات الحكومية، أي إنها تحديات ذات طبيعة طويلة الأجل ومتواصلة على مدى سنوات طويلة دون حلول جذرية.
صحيح أن دول الخليج تتمتع بارتفاع متوسط معدل دخل الفرد، ومع ذلك يبقى تصنيف دول الخليج بلا استثناء في مرتبة الدول النامية، نظرًا لاعتمادها في دخلها على الريع النفطي، فضلا عن أنها لا تحقق نسب معقولة من دخلها من خلال القيمة المضافة لثروتها النفطية، أو إعادة التصنيع لمواد خام يتم استيرادها من الخارج، كذلك يبقى الحديث متصلا عن كفاءة تشغيل الاقتصاد فيما يخص الإنتاجية سواء إنتاجية الفرد أو الاقتصاد ككل.
ومع مطلع العام الجديد 2016، صحيح أن أكثر التوقعات الاقتصادية لم تخفض بشكل كبير حجم النمو الاقتصادي لهذا العام (سيظل بحدود 3%) بشرط مواصلة الإنفاق الحكومي لكنها تتفق جميعها أن هذه هي التوقعات القصيرة المدى وترتبط بتوقعات أن تراجع أسعار النفط سوف يسهم في تعافي الاقتصاديات المتقدمة، ومعها سوف ينتعش الطلب على المنتجات الأولية والخام.
لذلك، فإن على دول المجلس أن تهيئ نفسها لسنوات قادمة تستدعي تحرك كلا القطاعين العام والخاص بشكل علمي ومدروس لمواجهة ظروف اقتصادية ومالية مستجدة في المنطقة على أن أولى الخطوات التي يمكن اتخاذها في هذا الصدد هي ترشيد الإنفاق وبرمجته بالشكل الذي يسمح بإعطاء الأولوية للمشاريع الضرورية والحيوية مع إعادة هيكلة الدعم المعمم.
كما أن مشاركة القطاع الخاص في التنمية باتت ضرورية، وذلك في ظل تحرير الأسواق والتوجه نحو العولمة الاقتصادية حيث من المؤمل أن تصب جهود مؤسسات القطاع الخاص في هذا الصدد نحو توفير فرص عمل جديدة للعمالة الوطنية ومحاولة استقطابها قدر الإمكان لمنع خروج الأموال من السوق المحلي عبر التحويلات الهائلة للعمالة الأجنبية.
إن الظروف الراهنة والتحولات الاقتصادية المستقبلية ستضع القطاع الخاص أمام تحديات جديدة تستدعي دمج بعض مؤسساته لرفع حجم قاعدته الرأسمالية وتوسيع نشاطاته وتقديم خدمات أفضل لمواجهة المنافسة المستقبلية المحتملة التي لن تقوى المؤسسات الصغيرة على استيعابها ومواجهة طوفانها، ومن هنا أيضا نفهم أهمية قرارات القمة الخليجية الأخيرة في الرياض التي ركزت بصورة خاصة على التوجه نحو تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص خلال المرحلة المقبلة.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-01-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews