رسوم الأراضي .. تصحيح لمفهوم الملكية
لم يكن أمام الحكومة إلا أن تتدخل في سوق العقار، شخصيا لا أحب تدخل الحكومة في الأسواق، ذلك أننا لا نعرف على وجه الدقة متى تتكشف الأضرار من التدخل، ولكن هذه هي عيوب الأسواق الحرة، لا بد أن تخنق نفسها بنفسها ولهذا لا بد من التدخل لمعالجة أخطائها، وهذه سنة الأنبياء من قبل، فهذا شعيب عليه السلام يحذر قومه من مغبة العبث بالأسواق، وأن ذلك حتما سيجر إلى كارثة، فقد أصروا على أنهم يمارسون حريتهم فيما يملكون وأن هذه الحرية تمنحهم حق التصرف كيفما يشاؤون، وأن العقل والحكمة يتطلبان منه عدم التدخل في هذا، لكنه أصر على أن تنظيم الكيل وضبط الميزان ضروريان جدا لاستمرار الازدهار الذي كانوا ينعمون فيه. وعلى هذا دار نقاش طويل بين البشر حول مفهومي الحرية وحدود الملكية، وقد أقر العقلاء في كل وقت وزمان أن التدخل ضروري لحماية الاقتصاد من جور الحرية الشخصية.
في المملكة لم تظهر الآثار السيئة للحرية الشخصية بأكثر مما ظهرت في موضوع الأراضي البيضاء، فكما قيل من قبل لقد تسببت الاحتكارات هذه في وجود فئة غنية جدا تتزايد ثرواتها ليس بسبب جهدها وإنتاجها وتضافر عوامل الإنتاج المعروفة اقتصاديا، بل فقط من جهود وإنتاج الغير، الذي يظهر مع توسع المخططات السكنية والأبراج والأسواق من حولها، مما يرفع من سعر المتر لهذه الأراضي فقط تأثرا بما فعله الآخرون من تطوير للأراضي الجانبية لها، أي أن الجميع كان يشتري المتر مثلا بسعر 100 ريال ثم يضخ في هذه الأرض استثمارات من تطوير ومبان وأبراج وطرق ومساكن تتجاوز أربعة آلاف ريال لكل متر، ليحقق بعد ذلك عائدا لن يتجاوز 10 في المائة من قيمة تلك الاستثمارات يعني 400 ريال فقط، بينما حقق أولئك الذين لم يطوروا أراضيهم وتركوها بيضاء نموا في ثرواتهم يعادل 3900 في المائة وهذه أرقام متواضعة جدا في مدن لم تشهد القفزات العقارية التي شهدتها مدن كالرياض وجدة والدمام ومكة والمدينة، حيث ارتفع متوسط سعر المتر إلى أكثر من 50 ألف ريال في بعض مناطقها، وهناك قبل هذه المناطق تجد أراضي واسعة بيضاء.
إنها ثروة بلا تعب ولا جهد أغرت حتى الجهات الحكومية الجهات المحسوبة على المجتمع كجهات غير هادفة للربح أن تضخ ثرواتها في هذه الأراضي بلا سبب معروف أو اقتصادي له معنى سوى حب تكديس الثروات على أساس أن نجاح هذه المؤسسات ليس بإنتاجيتها إنما بقوائمها المالية وحجم ثرواتها، فهناك الكثير من الجهات غير الهادفة للربح تخصص فوائض إيراداتها في سنوات معينة أو ما تفضل به خادم الحرمين الشريفين من منح لهذه الجهات، فتضع الملايين في أراض بيضاء، ليس هناك هدف من استثمارها أو تطويرها، وإنما الهدف هو تضخيم الأصول من خلال إعادة تقييم هذه الأراضي كلما سنحت الفرصة لذلك.
كان لا بد من التدخل الحكومي وهو تدخل مر على كل حال، لا نعرف على وجه الدقة ما آثاره البعيدة على سوق العقار والاقتصاد بشكل عام لكنه حاليا تدخل ضروري وعلى نهج الأنبياء في تصحيح مفهوم الملكية الخاصة، الذي بدأ يخرج عن إطاره في خدمة المجتمع وازدهار الأمة. تتوقع "الاقتصادية" في تحليل خاص لها بهذا الشأن أن تبلغ إيرادات الدولة من هذه الرسوم أكثر من 100 مليار ريال؛ وذلك في مدينة الرياض فقط، وهذا على أساس 45 ريالا في المتوسط لسعر الرسم على هذه العقارات، وإذا كنا نعرف حتما بأن سعر المتر في الرياض لا يقل عن 2500 ريال في الكثير من المناطق خارج الطريق الدائري وفي وسط المدينة يرتفع بشكل هائل، ولكن لنأخذ سعر المتر عند 2500 ريال، فإن 45 ريالا تعادل فقط 1.8 في المائة من السعر. وهي أقل بكثير من سعر الزكاة وأقل من سعر عمولة الوسطاء، ولكن عوائدها على المجتمع كبيرة جدا، فهناك تدفقات قيمتها أكثر من 100 مليار ريال سنويا وهي كافية بذاتها لتمويل الإسكان وتطوير المخططات.
(المصدر: الاقتصادية 2015-10-24)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews