هل يمكن اعتبار رسوم الأراضي زكاة؟
بين الرسوم والزكاة علاقة. ولنبدأ بتعريف الأول، أما الثاني فمعروف.
رسوم جمع رسم، وتعني في التعريف القانوني وفي اقتصاد المالية العامة فرض مبلغ محدد من المال مقابل استفادة المستفيد من خدمة محددة تقدمها الدولة، سواء تكررت أو لم تتكرر. وهي بهذا المعنى ترجمة fees التي تعني السعر أو التكلفة أو المقابل المالي. من أوضح الأمثلة رسوم الحصول على رخصة قيادة أو جواز سفر.
أما إذا كان المبلغ إيرادا للمالية العامة يتكرر دفعه كل فترة دورية كشهر أو سنة، وفرضه وإنفاقه غير مرتبط بخدمة محددة تقدم للدافع وحده، فهو ضريبة في التعريف القانوني وفي التعريف الاقتصادي.
قرار الدولة في فرض رسوم على قيمة الأراضي، الذي لم تقر تفاصيله بعد، يفترض أن يتكرر في وقت ثابت كل سنة. وإنفاقها مستقل عمن أخذت منه. ومن ثم فهي ضريبة بالمعنى المعروف في دول العالم. وهو ما يتفق مع التعبير الدارج في كتابات المالية العامة القانونية أو الاقتصادية وهو ضريبة قيمة الأرض Land value tax. وللفائدة، يفرق علماء الاقتصاد بين الضريبة والرسم في التأثير.
النقطة التالية: هل تجب الزكاة في الأراضي؟
قبل الإجابة، من المهم أن أشير إلى أن موضوع تحصيل زكاة بمعزل عن الرسوم خارج نطاق المقال.
الأعيان "ومنها الأراضي" المعدة للتجارة، تجب فيها الزكاة. والأرض المعدة للتجارة تعني أن صاحبها ينوي أو عازم على بيعها حاليا. وفي هذا تفاصيل لا أدخل فيها.
الإشكال فيما ليس معدا للتجارة حاضرا، أي أن مالك الأرض لا ينوي بيعها أو ليس لديه حافز للبيع في الوقت الحاضر. وبعض هذه الأراضي واقع تحت مشكلات في الملكية.
لضيق المقام التركيز هنا على حالتين:
الأولى: أرض صالحة للبيع الآن، لكن صاحبها لا ينوي البيع الآن، بل ينتظر عمدا سنوات تربصا بارتفاع سعرها كثيرا، أو ما يعبر عنه سماسرة العقار بأن "لها مستقبلا"، ثم يعرضها للبيع.
الثانية: أرض صالحة للبيع الآن، لكن المالك لا ينوي بيعها، بل ينتظر فرصة استثمار غير البيع، سواء في الوقت الحاضر أو لاحقا.
وحسب علمي، هذان النوعان لا زكاة فيهما الآن، حسبما اشتهر من فتاوى في بلادنا. متى تحل الزكاة؟ عندما يعزم على بيعها، ويمضي على ذلك حول أي عام. وهنا سؤال متفرع: الحول بالهجري أم بالميلادي؟ الهجري. ومعروف أن السنة المالية للدولة بالميلادي.
هناك رأي آخر موسع. إيجاب الزكاة كل عام على ما أعد للبيع حاليا أو نُوي بيعه لاحقا. طبعا دون إخلال بالشروط الأخرى مثل بلوغ النصاب.
من أوسع ما كتبه فقهاء معاصرون عن الزكاة كتاب الدكتور يوسف القرضاوي المفصل "فقه الزكاة"، في مجلدين. الكتاب سرد آراء المذاهب في التاجر المحتكر والتاجر المدير. الأول محتكر، أي حابس يتربص ارتفاع السعر، والثاني يبيع ويشتري بأسعار اليوم. يقول القرضاوي إن جمهور الفقهاء لا يفرقون بين الاثنين المحتكر والمدير. السبب؟ الاعتبار الذي قام على أساسه إيجاب الزكاة في عروض التجارة أنها مال مرصود للنماء، سواء نمت بالفعل أو لم تتم، بل سواء ربحت أم خسرت. والتاجر المحتكر ملك نصابا ناميا فوجب أن يزكيه ولو طالت المدة.
التحليل الاقتصادي
التحليل الاقتصادي يرجح رأي الجمهور، حيث يبين التحليل أن فرض رسوم على قيمة الأراضي يساعد على محاربة أو تقليل الممارسات الاحتكارية، خلاف مصالح أخرى. وهو موضوع التفصيل فيه خارج نطاق المقال.
قبل الثورة الصناعية، كان حبس الأرض خاصة البعيدة غير موجود تقريبا. تخيل كيف كان يعيش الناس في بلادنا قبل مائة عام أو أكثر. هل تتوقع وجود رغبة وحافز لدى الناس آنذاك في إحياء أو تملك فضلا عن حبس أرض ليست فيها ميزات خاصة، وتبعد عشرات الكيلومترات عن البلدة، أخذا بعين الاعتبار بدائية المواصلات ووسائل الزراعة والري وانعدام التقنية والكهرباء وغيرها؟ الجواب لا.
أما بعد عصر الآلة والتطورات الصناعية والتقنية، وانعكاس ذلك على حياة البشر، وتملك المساكن والأراضي واستغلالها وتأثيراتها في وعلى أساليب إحياء الأراضي، فإن الوضع تغير. أصبح إحياء الأراضي بالمعنى السابق، وأصبح إقطاع المساحات الكبيرة و/أو حبسها عن انتفاع الناس، كل هذه التصرفات أصبحت تضر بعموم الناس وتضر بنمو الاقتصاد. وهذه الأضرار لم تكن تحصل في المجتمعات البسيطة قبل الثورة الصناعية والتقنية إلا في حالات نادرة.
يتوقع أن تكون الأراضي الخاضعة للرسوم أعم من الأراضي الخاضعة للزكاة على رأي فقهاء، وأخص، على رأي جمهور الفقهاء.
أخذا بعين الاعتبار فروقات بين الزكاة ورسوم الأراضي، وبعض هذه الفروقات منشؤها خلافات فقهية، فقد يطرح أكثر من سؤال، منها: هل تصلح تنظيمات وترتيبات تساعد الدولة أو دافع الرسوم أو كليهما، على اعتبار ولو أن بعض الرسوم زكاة؟
نعم ذلك ممكن، مع أخذ عدة اعتبارات للموضوع. على سبيل المثال، للزكاة مصارف محددة. ويمكن معالجة ذلك بأن تخصص نسبة من أموال الرسوم المخصصة نظاما لمشاريع الإسكان، ممكن أن تخصص نسبة معروفة منها للمشاريع السكنية المقصورة فائدتها على الفقراء والمساكين.
هناك اعتبارات وترتيبات كثيرة للموضوع، ضيق المقام لا يتيح التفصيل فيها. ومن جهة أخرى، مشاركة ذوي الاختصاص مفيدة جدا.
(المصدر: الاقتصادية 2015-12-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews