سياسة «أوبك» في حماية حصتها السوقية بدأت تؤتي ثمارها
قد لا تتوازن أسواق النفط العالمية حتى أواخر عام 2016، لكن العرض أخيرا بدأ في التراجع بصورة كبيرة. أكدت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA في وقت مبكر من هذا الشهر، أن إنتاج الولايات المتحدة انخفض بشكل حاد منذ أن بلغ ذروته في نيسان (أبريل) عند 9.6 مليون برميل يوميا. وتقدر الإدارة أن إنتاج الولايات المتحدة تراجع بنحو 140 ألف برميل في اليوم في آب (أغسطس)، وهذا الانخفاض أكثر حدة مما كان عليه في الأشهر السابقة. وفي أحدث تقديراتها الأسبوعية (التي تعتبر أقل دقة من التقديرات الشهرية)، أشارت الإدارة إلى أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة انخفض الآن إلى 9.1 مليون برميل في اليوم. وفي الـ 11 من الشهر الجاري، ضمت وكالة الطاقة الدولية صوتها إلى الوكالة الأمريكية، وأشارت في أحدث تقاريرها الشهرية عن حالة أسواق النفط، إلى أن الولايات المتحدة قد تخسر نحو 400 ألف برميل في اليوم من إنتاجها في عام 2016.
ليس هذا فقط، بل إن الوكالة الدولية اعترفت بنجاح استراتيجية "أوبك" في السعي للحفاظ على حصتها السوقية. وذلك لأن نمو المعروض من خارج المنظمة بدأ فعلا بالتراجع في حين أن إنتاج "أوبك" لا يزال قويا. تقول الوكالة إن انخفاض أسعار النفط أدى بالفعل إلى توقفات في الإنتاج العالي التكلفة بدءا من النفط الصخري في تشكيلات "النسر فورد" في ولاية تكساس إلى روسيا وبحر الشمال، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان نحو نصف مليون برميل في اليوم من إنتاج الدول خارج "أوبك" في العام المقبل ــــ وهو أكبر انخفاض منذ 24 عاما، على حد قول الوكالة.
على الرغم من أن عملية إعادة التوازن للأسواق ستكون موجعة، حتى بالنسبة لـ "أوبك"، إلا أنه من المرجح أن تنجح المنظمة في تحقيق استراتيجيتها في الحفاظ على حصة السوق، حيث إن الإمدادات العالمية ستنكمش، والطلب مستمر في التعافي. وبالفعل، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، الطلب هو عند أعلى مستوى له في خمس سنوات، ومن المتوقع أن ينمو في المتوسط بمعدل 1.7 مليون برميل في اليوم هذا العام.
"الطلب على نفط أوبك"، وهو مصطلح تستخدمه الوكالة لوصف الطلب على نفط المنظمة، من المتوقع أن يرتفع إلى 32 مليون برميل في اليوم في أواخر عام 2016، وهو أعلى مستوى له في أكثر من سبع سنوات. هذا وقد وصل إنتاج "أوبك" الفعلي إلى 31.6 مليون برميل في اليوم في آب (أغسطس)، حسب الوكالة. أي بعبارة أخرى، "أوبك" تحافظ على مستوى الإنتاج العالي، في حين أن المنتجين من خارج المنظمة يضطرون إلى خفض إنتاجهم العالي التكلفة، تماما كما تسعى "أوبك" لتحقيقه في هذا الجانب.
مع استمرار تراجع العرض وتزايد الطلب، من المتوقع أن تختفي وفرة الإمدادات تماما بحلول أواخر عام 2016. في هذا الجانب ذهبت وكالة الطاقة الدولية إلى أكثر من ذلك وتوقعت أن تتشدد الأسواق في نهاية العام القادم. حيث قالت في تقريرها الأخير "إن التراجع الكبير المتوقع في الإمدادات من خارج أوبك ونمو الطلب القوي يشير إلى أنه ما لم تتعاف الأسعار، على دول "أوبك" رفع الإنتاج خلال النصف الثاني من عام 2016 لإبقاء الأسواق في حالة توازن". قد يكون هذا غير وارد في الوقت الراهن، لكن الوكالة تقول "إن أسواق النفط قد تتحول من تخمة في الإمدادات إلى عجز طفيف، وقد تحتاج منظمة "أوبك" إلى زيادة الإنتاج في أواخر العام المقبل لتجنب ارتفاع الأسعار".
لكن، في هذه الأثناء، ليس جميع الأمور تبدو تماما متفائلة. في هذا الصدد، تقول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مستويات المخزون النفطي في الولايات المتحدة قفزت في أوائل الشهر الجاري بنحو 2.6 مليون برميل، وإن مرافق تخزين النفط في الولايات المتحدة هي الآن في أعلى مستوياتها منذ نهاية تموز (يوليو). والسحب من المخزون منذ الربيع قد توقف، ملمحا إلى أن الإنتاج ما زال أعلى بكثير من المستويات المطلوبة لتحقيق توازن كبير. قطاع التكرير بدأ أيضا بالتراجع بعد معدلات التشغيل القياسية التي سجلها في الصيف الماضي. مع بداية موسم الصيانة الدورية للمصافي وانتهاء موسم القيادة في الولايات المتحدة، الطلب على النفط في قطاع التكرير الآن أقل مما كان عليه قبل أكثر من شهر.
في الوقت نفسه، قال مصرف جولدمان ساكس الاستثماري إن هناك احتمال انخفاض أسعار النفط إلى 20 دولارا للبرميل على المدى القصير بسبب استمرار فائض العرض. هذا السيناريو ليس بالضرورة هو المرجح، لكن في 11 من الشهر الجاري قال جولدمان ساكس إن أسعار النفط قد تحتاج إلى الانخفاض إلى نحو 20 دولارا للبرميل لتحقيق خفض دراماتيكي أكثر في المعروض المطلوب لتحقيق التوازن في الأسواق. وفي تصريح آخر، قال المصرف إن خام غرب تكساس الوسيط يمكن أن يتداول في المتوسط بنحو 45 دولارا للبرميل في عام 2016، ويعتبر هذا تراجعا حادا عن توقعات المصرف السابقة البالغة 57 دولارا للبرميل. وأضاف المصرف، أن أسواق النفط تعاني وفرة في المعروض أكثر مما توقعنا، ونتوقع الآن أن يستمر هذا الفائض في عام 2016. ولا يزال المصرف يرى أن النفط الصخري في الولايات المتحدة هو المصدر المرجح على المدى القريب لتراجع المعروض.
خلاصة القول، وكالة الطاقة الدولية ترى أن "الحدث الأكبر" هو تشدد الإمدادات من خارج "أوبك" بصورة لم يشهدها منذ عقدين من الزمن، في حين أن مصرف جولدمان ساكس الاستثماري يرى أن "الحدث الأكبر" هو عدم اليقين بموعد هذا التشدد في الإمدادات. على هذا الأساس اعتمد المصرف في توقعاته بهبوط الأسعار إلى 20 دولارا للبرميل في العام القادم. لكن المصرف عاد وأكد أن هذا التوقع لا يمثل السيناريو الأساسي له.
(المصدر: الاقتصادية 2015-09-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews