«أوبك» تضيف مليوني برميل إلى حصتها السوقية
إذا حكمنا من الوتيرة التي خفضت بها مجموعات الطاقة الإنفاق وأجلت بها المشاريع الجديدة، فإن عام 2015 يكرر أصداء ما حصل في عام 1986.
قبل نحو 30 عاما، تراجعت أسعار النفط إثر محاولة نشطة من أوبك للحصول على حصة سوقية، واضطرت مجموعات الطاقة الغربية إلى إجراء تخفيضات في النفقات الرأسمالية.
الآن الصناعة مضطرة لاتخاذ إجراءات مماثلة بعد أن قررت منظمة أوبك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إبقاء الإنتاج دون تغيير، في ظل ارتفاع العرض من جهات منافسة ذات تكلفة عالية. هذه الخطوة أدت إلى انهيار في قيمة النفط الخام.
تحليل مشاريع النفط والغاز المخطط لتنفيذها، الذي أجرته شركة استشارات الطاقة النرويجية، ريستاد إنيرجي، يظهر أن أكثر من 100 مليار دولار من النفقات الرأسمالية تباطأت، أو تأجلت، أو توقفت من قبل شركات الطاقة التي في حاجة ماسة إلى تخفيض التكاليف في مواجهة العائدات المتناقصة. وهذا الأمر يؤثر في 26 مشروعا كبيرا.
محللو مورجان ستانلي الذين قاموا بتدقيق توجيه النفقات الرأسمالية في 121 من مجموعات الطاقة عام 2015، يقولون إن هذه المجموعات تخطط لاستثمار 129 مليار دولار، أي 25 في المائة أقل مما فعلت في العام الماضي.
هذا التقشف يمتد إلى أبعد من تخفيض عدد آلات الحفر في معاقل النفط الصخري في الولايات المتحدة. ففي كندا تم تأجيل عشرات مليارات الدولارات من الإنفاق على استخراج النفط من رمال القطران الغنية بالزيت منذ بداية العام، وفقد آلاف العاملين وظائفهم بسبب تأجيل المنتجين المشاريع عالية التكلفة أولا. كذلك تراجع الإنفاق في أستراليا والنرويج والعراق وأنجولا والإكوادور والصين وجزر فوكلاند.
وآثار التخفيضات ستكون بعيدة المدى. فمن خلال تأجيل القرارات النهائية حول ما إذا كان ينبغي المضي قدما في بعض المشاريع، يأمل منتجو النفط في دعم حركة النقد، وحماية أرباح الأسهم، والاستفادة من تكاليف التطوير المنخفضة في وقت لاحق.
وإجراء الانتظار نفسه يجعل رسوم الموردين - الأسعار التي تفرضها مجموعات خدمات حقول النفط من أجل العمالة والمعدات، مثل آلات الحفر - تنخفض، من خلال تخفيض سعر التعادل بالنسبة للمشاريع الجديدة. لذلك لا يتعين على مجموعات مثل رويال داتش شل وشيفرون وبريتش بتروليوم حماية أرباح أسهمها فحسب، بل ينبغي لها أيضا جني مكاسب كبيرة من انكماش التكاليف، ومع الوقت، الانتعاش في أسعار النفط.
يقول مارتن راتس، المحلل في مورجان ستانلي: "إذا كان تقييمنا صحيحا، فمن المقرر أن تحصل الصناعة على التقاء الاتجاهات الذي يعتبر نادرا حسب المعايير التاريخية: ارتفاع الأسعار وانخفاض التكاليف".
هذا التشخيص يعزى إلى السرعة المذهلة التي تصرفت بها الشركات منذ تراجع النفط الخام عن ذروته في الصيف الماضي، البالغة 115 دولارا للبرميل. وإدراك ذلك علم غير دقيق. فبعض المشغلين يعلنون بياناتهم الخاصة بتخفيض التكاليف، في حين يدفن آخرون المعلومات في التقارير السنوية.
وتسعى شركة ريستاد إلى تحديد المشاريع التي تباطأت بسبب انخفاض أسعار النفط عن تلك التي تم تأجيلها بسبب الروتين أو المشاحنات السياسية.
وفي حين أن شل تستمر في الإنفاق خلال فترة الانكماش، إلا أنها تخلت عن بعض الخطط في شباط (فبراير) تتعلق بمشروع رمال نفطية شمالي ألبرتا - مشروع بيير ريفير لإنتاج 200 ألف برميل يوميا. وأجلت إنشاء مشروع آخر للرمال النفطية، كارمون كريك، لبضعة أعوام. وفي أستراليا، ألغت مشروع أرو لإنتاج الغاز الطبيعي المسال الذي تزيد قيمته على 20 مليار دولار. كذلك أجلت بريتش بتروليوم قرار الاستثمار النهائي في المرحلة الثانية من مشروع تنمية "ماد دوج" في المياه العميقة التابع للشركة في خليج المكسيك، بهدف تخفيض إنفاقها المتوقع، البالغ 14 مليار دولار. وأجلت شتات أويل قرارا يتعلق بحقل يوهان كاستبرج التابع لها في منطقة القطب الشمالي النرويجية، حتى عام 2016.
في كازاخستان، نقل عن أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في المشروع المشترك، Tengizchevroil، لشركة شيفرون من قبل وكالة رويترز الشهر الماضي، قوله إن الشركة تعمل على إبطاء خطط التوسع وتخفيض النفقات المتوقعة هذا العام استجابة لانخفاض أسعار النفط. أما المتحدث الرسمي لشركة شيفرون فقد أحال "فاينانشيال تايمز" إلى آخر التقارير السنوية للشركة، الذي ذكر أن أي قرار نهائي بشأن التوسعة ينبغي أن يتم اتخاذه هذا العام. وسيتم الشعور بالتداعيات في السوق، لكن ليس على الفور. بير ماجنوس نيسفين، رئيس التحليل في ريستاد، يقول: "نحن نشهد تخفيضات حادة جدا في الإنفاق من قبل الجميع الآن، لكننا لا نتوقع انخفاضات حقيقية في الإنتاج قبل العام المقبل".
في الواقع، طبيعة تخفيضات الإنفاق - أو التأجيلات - تعني أن انتشار آثارها يتطلب عدة أعوام. وتشكل كندا وأستراليا والنرويج، نحو ثلاثة أرباع مجموع النفقات الرأسمالية المؤجلة التي قامت بتحديدها شركة ريستاد.
وهذا ليس من قبيل المصادفة. فالرمال النفطية، ومشاريع الغاز الطبيعي المسال، ومنطقة القطب الشمالي تتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة ومقدما، وجني الأرباح من مثل هذه المشاريع عادة ما يأتي في وقت لاحق جدا. لذلك الانتظار، وإعادة التفاوض على العقود مع الموردين والاستفادة من فوائد انكماش التكاليف تبدو منطقية.
على هذا النحو، في حين أن كثيرا من المشاريع الـ 26 التي حددتها ريستاد يمكن أن تواصل المضي قدما، إلا أن الناتج سوف يأتي في وقت لاحق أكثر مما كان متوقعا. فنحو نصف مليون برميل يوميا من الإنتاج المتوقع ستكون متاحة في عام 2022 وليس 2020.
وباحتساب تراجع الإنفاق على النفط الصخري في الولايات المتحدة، فإن إجمالي الإنفاق في مناطق الإنتاج خارج بلدان "أوبك" من المتوقع أن ينخفض نحو 22 في المائة هذا العام، مقارنة بعام 2014.
ومن ذروته في عام 2014 حتى عام 2016، تقدر ريستاد أن يتراجع الإنفاق في البلدان خارج "أوبك" بمقدار 200 مليار دولار.
كل هذا يعد بشرى سارة بالنسبة لبلدان "أوبك"، التي تقل تكاليف إنتاجها كثيرا عن البلدان خارجها. وفي الواقع، مع الطلب العالمي الذي لا يزال في وضع جيد، تقدر ريستاد أن بلدان "أوبك" يمكن أن تحصل على مليوني برميل يوميا من حصة السوق في غضون خمسة أعوام نتيجة لتخفيضات الإنفاق في أماكن أخرى.
(المصدر : فاينانشال تايمز 2015-05-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews