الخليج والتحدي الاقتصادي
تواجه دول الخليج العربية، سلسلة من الأزمات الاقتصادية القادمة كنتيجة طبيعية للانخفاض الكبير في أسعار النفط وصل إلى ما يقارب 60 في المائة من سعره السابق 110 دولارات.
دول الخليج حظيت بفترة من الازدهار الاقتصادي وحققت فوائض مالية كبيرة على مدى عشر سنوات، في فترة الفوائض المالية تصرفت كل دولة خليجية بفوائضها المالية بشكل مختلف عن الدول الأخرى. فالبعض منها مثل السعودية توسعت في مجال مشاريع التعليم والبنية التحتية والبعثات الخارجية، أما الإخوة في الإمارات فقد ركزوا على المشاريع السياحية كالمتاحف وتطوير الجزر السياحية وغيرهما من المشاريع التنموية والسياحية.. أما الإخوة في قطر فقد أجروا تحديثًا كبيرًا في كل المجالات كالثقافة والرياضة والإعلام والاستثمارات الخارجية الكبيرة وغيرها.. عمومًا العامل المشترك بين دول الخليج هو الإفراط في الزيادات على الرواتب والمزايا للمواطنين التي جاءت في كثير من الأحيان كرد فعل على ثورات الربيع العربي لضمان الولاء السياسي.. المعضلة أن هذه الزيادات والمزايا الاقتصادية التي جاءت في فترات الطفرة الاقتصادية أصبح ينظر إليها المواطن الخليجي كحق مكتسب لا يمكن التراجع عنه بسهولة، فالمواطن الذي حصل على زيادة رواتب بنسبة 30 – 40 في المائة أو حصل على زيادة في علاوة الأطفال وغيرها من مزايا، لا يقبل بسحب هذه المزايا الآن، خصوصًا وأن نصيب أفراد ومنتسبي المؤسسات العسكرية يشكل نسبة كبيرة من الزيادات.
اليوم في ظل الظروف والأجواء السياسية المشتعلة في دول الجوار العربي وتحديدًا في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، لا يمكن تخفيض ميزانيات الأجهزة الأمنية، خصوصًا وأن آثار الحروب الطائفية في المنطقة بدأت تنتقل لدول الخليج العربية داخليًا.
دول الخليج اليوم تجد نفسها أمام معضلة حقيقية، إذ إن الإيرادات انخفضت بشكل كبير إذ وصلت إلى نسبة 60 في المائة ففي الظروف الطبيعية تلجأ الحكومات (كما رأينا في كل الدول الأوروبية التي واجهت أزمات اقتصادية) إلى تخفيض مصاريف واتباع سياسات التقشف الاقتصادي، لكن سياسات التقشف ستكون صعبة للتنفيذ لأن هذه الدول عودت مواطنيها الاعتماد على الدولة الريعية مما خلق مواطنًا اتكاليًا غير منتج.
السؤال الذي يطرح نفسه ما العمل؟ وكيف يمكن الخروج من الأزمة بأقل الأضرار السياسية والاقتصادية؟
ما نحتاج إليه هو حزمة سياسات اقتصادية إصلاحية.. سنذكر بعضها.. انطلقت أولاً من دول الخليج البدء في حملة إعلامية توضح للمواطنين طبيعة الأزمة بلغة الأرقام بكل صدق وشفافية، وبعد ذلك احترام عقل المواطن وإشراكه في القرارات المصيرية القادمة، حتى يتقبلها ويتحمل نتائجها، على أن تبدأ الدولة أو المسؤولون فيها بأنفسهم، بحيث يكونون قدوة للمواطن العادي، ومنها ثانيًا، تخفيض الرواتب والمزايا للقياديين، كما رأينا في بعض الدول الأوروبية، حيث تم تخفيض الرواتب في بعضها، وطلب من المواطنين المشاركة بتخفيض الرواتب بنسبة عشرة في المائة، ثالثًا، الاعتماد بشكل أكبر على دور القطاع الخاص وتفعيل برامج التخصيص.. ورابعًا، إعادة النظر في سياسات الدعم الحكومي وخصوصا الكهرباء والماء والطاقة والغذاء وغيرها.
خامسًا، إعادة النظر في سياسات التعليم والصحة وغيرهما من الخدمات، حيث أثبتت التجارب فشل التعليم الحكومي في خلق كوادر وطنية مؤهلة، تغني دول الخليج عن الاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية.
وأخيرًا نرى أن التحديات كبيرة فبعض دول الخليج بدأت باتخاذ إجراءات جادة للتعامل مع الأزمة القادمة برفع أسعار الوقود، وتهيئة الشعب لزيادة الرسوم والضرائب كما فعلت دولة الإمارات. أما بقية دول الخليج فسوف تضطر لاتخاذ إجراءات جديدة للتعامل مع الأزمة.
(المصدر: الشرق الاوسط 2015-09-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews