الخليج والأزمات الاقتصادية
يقول المثل الشائع: «بداية متأخرة خير من أن لا تبدأ أبدًا»، وهناك مقولة إنجليزية تقول: «Too little too late»، وكلاهما ينطبق على وضع معظم حكوماتنا في الخليج فيما يخص إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي بدأت بها دول الخليج بدرجات متفاوتة، حيث اتخذت هذه الحكومات في الفترة الأخيرة إجراءات مختلفة، كلها تصب في اتجاه ترشيد الإنفاق والإصلاح الاقتصادي كردة فعل للهبوط الحاد في أسعار النفط، وبالتالي هبوط مداخيلها.
كما نتمنى أن تتخذ دولنا إجراءات اقتصادية باتجاه الإصلاح الاقتصادي في أيام الوفرة المالية، إذ إن الكل يعلم بأن دوام الحال من المحال، وأن ارتفاع أسعار النفط لا يمكن أن يستمر إلى الأبد دومًا، إذ إن الإصلاح دائمًا أفضل ومقبول شعبيًا أيام الوفرة المالية، وأن الإصلاح الذي يأتي كردة فعل لنزول أسعار النفط سيكون مكلفًا من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
السؤال الآن: ما العمل وقد «وقع الفاس بالراس»؟ الواقع أن الإجراءات الحكومية الخليجية أغلبها يصب في اتجاه تقليص الإنفاق وتخفيض الدعم على الوقود والخدمات وغيرهما، وكلها إجراءات كان لا بد من اتخاذها، لكنها غير كافية وغير شعبية، والمقصود هنا بأن العجز مستمر وبشكل كبير كما يتوقع المختصون في الاقتصاد، إذ إن دول الخليج اعتمادها الأساسي على النفط كمصدر رئيسي للدخل، ولا يوجد لديها مصادر أخرى حقيقية للدخل.. كما أن الحكومات الخليجية مهيمنة على الاقتصاد بشكل رئيسي، مما يعني أنها هي التي تتحكم في سوق العمل.. فلا يوجد قطاع خاص حقيقي في أغلب هذه الدول لديه القدرة على استيعاب مئات الآلاف من الشباب الداخلين في سوق العمل، كما لا يوجد مدخول حقيقي للدولة من فرض الضرائب على المواطنين والقطاع الخاص.
الإشكالية الرئيسية هنا، هي أنه في حال حاولت دول الخليج فرض ضرائب على مواطنيها.. فيجب أن تكون مستعدة للمساءلات السياسية التي سوف يثيرها دافعو الضرائب.
ففي الكويت مثلاً طالب عدد من النواب والاقتصاديين الحكومة بأن تكون واضحة وشفافة في موضوع تقليص الدعم، وأن تقدم مشروعًا متكاملاً وواضحًا ومعلنًا بهذا الشأن.
رئيس اللجنة المالية النائب فيصل الشايع صرح بأنه مع إيقاف الهدر غير المبرر في كل المجالات بالدولة بما فيها الدعم، على أن يكون ذلك وفق دراسات واضحة وتسعيرة محدودة توقف هذا النزف.
المشكلة الثانية التي تواجه دول الخليج هي كيف يمكن بناء اقتصاد حقيقي منتج يخلق فرص عمل للشباب ويعطي مدخولاً ثابتًا للدولة. بمعنى آخر، كيف يمكن تحويل اقتصادات الدول الريعية إلى اقتصاد منتج يعتمد على طاقاته الذاتية؟ هذا التحدي يُعتبر صعبًا لأي دولة حتى ولو كانت دولة رأسمالية عريقة مثل بريطانيا.. في عهد رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت ثاتشر، خرج آلاف المتظاهرين في تلك الفترة ضد إجراءات التخصيص في الدولة.
لدينا في الخليج التحدي سيكون أكبر من بريطانيا لأسباب كثيرة، أهمها اعتمادنا المفرط على العمالة الأجنبية، وضعف مخرجات التعليم، مما يعني انخفاض إنتاجية المواطن الخليجي، واستمرار اعتماده على الدولة والعمالة الأجنبية.
وأخيرًا نرى أنه لا مخرج لدول الخليج سوى المضي قدمًا بالإصلاحات الحقيقية، وليست ترقيعية مؤقتة، على أمل أن تعود أسعار النفط للارتفاع مرة أخرى لتعود حليمة إلى عادتها القديمة.
(المصدر: الشرق الاوسط 2016-01-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews