حول الحرية الاقتصادية في الخليج
يوجد تباين واضح بالنسبة لترتيب دول مجلس التعاون الخليجي على مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر من قبل مؤسسة هيرتيج وصحيفة وول ستريت جورنال. وقد امتد تباين أداء دول مجلس التعاون لتقرير 2015 والذي صدر قبل أيام.
في الحقيقة، تتبنى المؤسستان الأمريكيتان توجهات محافظة تؤمن بضرورة تحييد دور الحكومة في الشؤون الاقتصادية وجعلها تهتم بأمور مثل إصدار القوانين والسهر على تطبيقها، فضلا عن إفساح المجال أمام مؤسسات القطاع الخاص لممارسة دور محوري في الاقتصادات المحلية.
ينطلق هذا المفهوم من مبدأ اهتمام الشركات الخاصة بتحقيق الربحية، الأمر الذي يخدم الدورة الاقتصادية في نهاية المطاف، لأنه سوف يكون لزاما عليها تقديم الأفضل للمستهلكين.
يعتمد مؤشر الحرية الاقتصادية على عدد متنوع وكبير من المتغيرات المتعلقة بالحرية الاقتصادية وهذا أمر إيجابي. المتغيرات عبارة عن 1) الحرية في تأسيس الأعمال 2) حرية ممارسة التجارة الدولية 3) السياسة النقدية، مثل مستوى الضرائب والاقتراض الحكومي 4) السياسة المالية مثل السيولة ومعدلات الفائدة 5) مدى تدخل الحكومة في الاقتصاد 6) الاستثمارات الأجنبية 7) النظام المصرفي والتمويل 8) حقوق الملكية 9) الفساد المالي والإداري 10) الحرية في توظيف وتسريح العمال.
تحصل الاقتصادات المشمولة في التقرير على 10 نقاط لكل متغير وبالتالي توافر إمكانية جمع 100 درجة كحد أقصى. وتبين من خلال تصنيف نتائج 2015 تربع كل من هونج كونج وسنغافورة ونيوزيلندا وأستراليا وسويسرا على عرش مؤشر الحرية الاقتصادية من خلاله تصنيفها بالاقتصادات الحرة. لا شك، أنه لأمر لافت حصول دول كبيرة، مثل أستراليا، على هذا التصنيف مع أنه جرت العادة بأن تكون هذه التصنيفات للكيانات الاقتصادية الصغيرة، الأمر الذي يعكس مستوى التقدير لثقافة الحرية الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، يصنف مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2015 ثلاث دول أعضاء في مجلس التعاون، وهي البحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر ضمن خانة الاقتصادات الحرة بشكل عام. من جملة الأمور، تشترك هذه الاقتصادات بتبني سياسات مالية ونقدية مماثلة، مثل شبه غياب الضرائب وعدم التدخل في تحديد معدلات الفائدة.
تعتبر البحرين الأقرب بين جميع دول مجلس التعاون الخليجي فيما يخص تبني قيم الحرية الاقتصادية عبر تحقيقها المرتبة رقم 18 عالميا. تم تحقيق النتيجة رغم تراجع ترتيب البحرين بواقع 5 أماكن في غضون سنة واحدة، ما يعني استمرار تجربة خسارتها لترتيبها على هذا المؤشر الحيوي.
بصورة جزئية، يمكن ربط تراجع الترتيب بتعزيز تواجد القطاع العام في الاقتصاد المحلي في السنوات القليلة الماضية، خصوصا منذ أحداث فبراير 2011 للتعويض عن مواقف مستثمري القطاع الخاص.
في المقابل، تحسن ترتيب الإمارات بواقع 3 درجات وعليه حلت في المرتبة 25 دوليا. تعود مواصلة الإمارات لتعزيز ترتيبها بالمضي قدما في تطوير الأنشطة في مختلف المجالات بما في ذلك التجارة والخدمات وقطاع الطيران. وتبين حديثا تحقيق مطار دبي المرتبة الأولى في العالم من حيث حركة المسافرين في عام 2014 على حساب مطار هيثرو في لندن.
إلى ذلك، نالت قطر المرتبة 32 عالميا. مؤكدا، سوف يطرأ تغيير بالنسبة لترتيب قطر على مؤشر الحرية وذلك في إطار الاستعداد لاستضافة فعاليات كأس العالم 2022. في نهاية المطاف، من شأن تطوير البنية التحتية إفساح المجال أمام القطاع الخاص للعب دور حيوي في المسائل التجارية.
في المجموع، يعد ترتيب البحرين والإمارات وقطر أفضل من العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل بلجيكا وبولندا وقبرص وإسبانيا والبرتغال، ما يعد امتيازا للمنظومة الخليجية.
وفيما يخص أداء باقي دول مجلس التعاون، خسرت عمان 8 مراتب، ما يعد أكبر انخفاض لأي اقتصاد خليجي على المؤشر في تقرير 2015، وعليه، حلت السلطنة في المرتبة 56 دوليا. بيد أنه ليس من المستبعد حصول تحسن في ترتيب عمان في تقرير 2016 انعكاسا لتوجه السلطات إلى الحد من دور القطاع العام في الشأن الاقتصادي. من جملة الأمور، ينتظر أن تبدأ السلطات إعادة هندسة دعم المنتجات النفطية المقدمة للمواطنين والوافدين على حد سواء ضمن خطة إدارة المالية العامة.
لحسن الحظ، شهدت الكويت تعزيزا لترتيبها بواقع مرتبتين، أي ثاني أفضل تحسن خليجي بعد الإمارات، ما يعني حلولها في المرتبة 76 عالميا. يشار إلى أن الكويت خسرت 10 مواقع في تقرير 2014، أي الأسوأ خليجيا وعليه جاء التحسن في محله.
بدورها، حافظت السعودية على ترتيبها العالمي رقم 77 من بين 178 اقتصادا مشمولا في التقرير. بيد أنه يمكن الزعم بأن القائمين على التقرير غير منصفين عندما يتعلق الأمر بالسعودية من خلال التغاضي للدور المحوري للقطاع الخاص في الاقتصاد المحلي.
على سبيل المثال، تتنافس شركات الألبان السعودية فيما بينها ليس فقط في السوق المحلية، بل في أسواق دول مجلس التعاون، مستفيدة في ذلك من مشروع السوق الخليجية المشتركة والذي يسمح بحرية تحرك عوامل الإنتاج بين الدول الست.
يصنف تقرير الحرية الاقتصادية كلا من عمان والكويت والسعودية ضمن خانة الدول الحرة اقتصاديا بصورة معتدلة. لكن يتجاهل التقرير بعض الحقائق الحيوية عن واقع الاقتصادات الخليجية، مثل فتح المجال أمام توافد العمالة الأجنبية، هذا في الوقت الذي تفرض الكثير من الاقتصادات العالمية قيودا على دخول العمالة الوافدة بهدف تقييد الوظائف للعمالة المحلية.
ختاما، يتقبل البعض وليس البعض الآخر، مبدأ تقليص دور القطاع العام في الشأن الاقتصادي.
هذا الفكر مقبول لدى المستثمرين، فضلا عن أولئك الذين يؤمنون بتحييد دور الحكومة في الحياة الاقتصادية.
من جهة أخرى، يرى البعض الآخر ضرورة تبني الوسطية في القيم الاقتصادية من خلال المزج بين مصالح القطاعين العام والخاص، حفاظا على رغبات الجميع.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-02-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews