تراجع مؤشر الحرية الاقتصادية في الدول العـربية
لقد ظهر جليًا تباطؤ مؤشر النمو الاقتصادي العالمي منذ بداية عام 2016م، خاصة في دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بمعدلات أسرع من المسجلة في مناطق الأسواق الصاعدة والنامية ومنها الدول العربية بالطبع، مما يضعف الآمال في معالجة تحديات البطالة المرتفعة ومستويات التضخم الذي ينتشر في غالبية الدول، مع تحسين مستويات الدخل والتنمية وانخفاض مستويات المعيشة بوجه عام في المنطقة، ويرجع ذلك لأسباب لا تقتصر على انخفاض النمو والتنمية، بل لمؤشرات الحريات الاقتصادية لكل الدول التي ترتبط بالمشاركات التجارية، خاصة البلدان المتقدمة والأسواق الصاعدة التي يرتبط فيها مؤشر تباطؤ النمو بالإنتاجية وانخفاض المشاركة في سوق العمل، بخاصة بلدان الربيع العربي والبلدان المصدرة للنفط، ومنها الأعضاء في دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان المستوردة للنفط في آسيا وأوروبا، ويرجع مفهوم الحرية الاقتصادية إلى معدل الاستثمار الرأسمالي وتركيز أوليات السياسة المالية والنقدية المتبعة حول زيادة الانفتاح والتنافسية في بيئة الأعمال، وزيادة الاستثمار العام في البنية التحتية والحد من معوقات كفاءة سوق العمل ودعم مهارات العمالة وتكنولوجيا العمل، ومن ضمن الأدوار الداعمة أيضًا التي تساهم في تحسين فرص الحصول على التمويل والائتمان كزيادة استخدام التكنولوجيات الحديثة، التي تؤدي إلى الإصلاحات المجتمعية ودفع النمو الممكن لمستوى يقترب من مستويات المعيشة المحققة في بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، التي تتأثر فيها الحرية الاقتصادية بمجموعة من العوامل منها الاقتصادية الكلية، كسياسات سعر الصرف والتجارة والاستثمار، ومنها الهيكلية كإصلاحات القطاعين المالي والعيني وأسواق العمل والمنتجات والاستقرار السياسي، ويمكن أن تساعد الظروف الاقتصادية الكلية والاجتماعية السياسية المبدئية في تحديد السياسات التي ترجح أن تدعم النمو الممكن، وينبغي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرق آسيا الوسطى التركيز على مهارات العمالة وتحديث أساليب الإنتاج وتعديل دور القطاع العام بما يشجع علي الإنتاجية المستهدفة، وهو ما أظهرته إحصاءات إحدى الدراسات الاقتصادية الحديثة للعام 2016م، والتي تهتم بترتيب دول العالم في مجال الحريات الاقتصادية للدول والتي قامت بها مؤسسة "هيرتيج" المتخصصة بمجال الأنشطة الاقتصادية والمالية العالمية، التي أثمرت نتائجها وبياناتها عن مؤشر للحريات الاقتصادية الذي يشمل عدد (178 دولة في العالم) تصدرتها الصين وهونغ كونغ على الصعيد العالمي وبالنسبة للمنطقة الآسيوية، فقد تقدمت كل من سنغافورة ونيوزلندا تلتها أستراليا وكندا وتقدم في الترتيب للدول الأوروبية سويسرا ثم إستوانيا والمملكة المتحدة، في حين احتلت دول مجلس التعاون الخليجي مركزًا متقدمًا بالنسبة للدول العربية جميعًا، ومنها مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر وسلطنة عمان ودولة الكويت في المقدمة، وبالنسبة للدول العربية لم تحتل أي مراكز متقدمة وفقًا لنتائج هذه الدراسة، وتصدرت المملكة المغربية المركز(رقم 9 عربيًا – 58 عالميًا) ثم جمهورية لبنان المركز(10 عربيًا – 98 عالميًا) وجمهورية مصر العربية احتلت المركز(12 عربيًا -125 عالميًا) وبعدها الجزائر تصدرت المركز(13 عربيًا -154 عالميًا) ولم تحتل دول عربية مثل السودان واليمن والعراق وليبيا وسوريا أي مراكز، ولذلك سيكون محاور التقرير عن استدامة مؤشر الحرية الاقتصادية:
أولًا: مفهوم الحرية الاقتصادية في الاقتصاد الإسلامي
ترتكز فضائل الشريعة الإسلامية وكمالها على مبدأ الحرية الاقتصادية والنشاط الاقتصادي للفرد والمجتمع فالشريعة الإسلامية منعت مصادرة الإرادة الإنسانية والتأثير عليها بما يضرها، ويقيد من دورها في تحقيق المنفعة والتوازن بين الصالح العام والخاص، وهذه المنفعة هي المنفعة الحلال والكسب هو الكسب المشروع الذي من خلاله يتقرب الفرد إلى ربه أي أنه تجسيد لمعنى العبودية والطاعة للـه عز وجل، خاصة إذا ما علمنا أن الأصل في الأشياء هو الإباحة فلم تمنع الشريعة ومبادئها الإنسان من ممارسة أي لون من ألوان العمل والكسب في النشاط الاقتصادي، بل مأمور بالسعي والعمل وإصلاح الأرض والمنفعة بخلاف تلك التي تتعارض مع أهدافه أو كذلك مع الفطرة الإنسانية السليمة والبيئة والمجتمع والحياة.
ثانيا: مؤشر الحرية الاقتصادية واستدامتها
لا يوجد تعريف محدد للحرية الاقتصادية بالنسبة للدول، وذلك لأنها مختلطة بأمور عديدة وتبسيطًا لذلك فالحرية الاقتصادية تشمل بنودًا منها حرية الأعمال وحرية التجارة والحرية النقدية، فضلًا عن الحريات الممنوحة من النظام العام كحرية التمتع بالمال العام كذلك حقوق الملكية مثل متطلبات الحرية الاستثمارية والمالية والتمويل مع التحرر الكامل من الفساد وسوء الإدارة، كذلك حرية العمل، ويعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين أن مكونات الرقم القياسي لمؤشرات الحرية الاقتصادية واستدامتها في التأثير علي حسن أداء اقتصاد الدول يمر عبر مجموعة من الشروط الأساسية، التي تعكس درجة الحرية الاقتصادية، والتي يتوافر عندها الحرية المطلقة في التملّك وانتقال العمل ورأس المال والسلع في شكل لا يتعارض مع الحدود اللازمة لحماية أفراد المجتمع، وضمان استدامة الحرية الاقتصادية نفسها التي تتمثل في حرية إنتاج السلع والخدمات واستهلاكها والمتاجرة فيها تصنيعًا وتبادلًا وانتقالًا وكل الأمور التي لا تقيد ذلك.
فلذلك تعتبر حرية المؤسسات والهيئات الخاصة والعامة التي تهدف وتحقق الحرية الاقتصادية لابد أن تستوفي القواعد التي تتمثل بالتزامها بحكم القانون والنظام العام من حقوق الملكية الخاصة وحرية التوافق مع النظام المالي والاقتصادي، الذي يدير الدولة والمجتمع وفقًا للتشريعات المنظمة، وتحتكم إليها في ضوء قيم اجتماعية مشتركة واسعة، وفقًا لمعايير أخلاقية تحكمها بحركة المجتمع الديناميكية، إضافة إلى شمولية القانون والمساواة والعدل في الوضعية والفرص المتاحة من دون التدخل في الجانب المادي لكونه سيحد من الحرية الاقتصادية ذاتها وتشمل حقوق الملكية حق السيطرة على الملكية الفكرية وحمايتها والاستفادة منها، وحق تحويل الحقوق بوسائل طوعية تحقق للناس الاستقلال الذاتي وفق معاييرهم وأهدافهم من دون اللجوء إلى طرق غير شرعية، أما حرية التعاقد فتكمن في حرية المجتمع لإبرام عقوده وفق مبادئ قانونية تتلاءم مع ظروفهم الخاصة لكن في إطار النظام العام والمجتمع ككل.
(المصدر: الشرق القطرية 2016-02-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews