بعض آثار زيادة الفائدة الأمريكية
من المتوقع أن يبدأ قريبا مجلس الاحتياطي الأمريكي رفع معدلات الفائدة المتدنية حاليا. وحذر صندوق النقد الدولي الولايات المتحدة من رفع معدلات الفائدة قبل النصف الأول من عام 2016، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي خلال الفترة الحالية، والتأثيرات القوية التي تتسبب بها القرارات النقدية الأمريكية في الاقتصاد العالمي. وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد الأمريكي لهذا العام من 3.1 في المائة إلى 2.5 في المائة، كما خفض النمو المتوقع للعام المقبل من 3.1 في المائة إلى 3 في المائة. ويتخوف المراقبون من التأثيرات القوية لرفع معدلات الفائدة الأمريكية في الاقتصاد العالمي، الذي أنعشته سياسات التيسير الكمي والسيولة الفائضة التي نتجت عنه خلال الأعوام الماضية.
وتشير تطلعات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث سيرتفع معدل الفائدة الأساسي من 0.1 نقطة مئوية حاليا إلى نحو 0.8 نقطة مئوية في عام 2016. وسترتفع معدلات الفائدة طويلة الأمد بالنسبة نفسها خلال العام المقبل لتصل على السندات الحكومية لمدة عشر سنوات إلى نحو 3 في المائة. وستواصل معدلات الفائدة على هذه السندات الارتفاع خلال السنوات المقبلة لتصل إلى 4.8 في المائة في عام 2020، بينما ستصل معدلات الفائدة الأساسية في العام نفسه إلى 3.5 في المائة. وعلى الرغم من محدودية ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية إلا أنه سيؤثر بشكل واسع في الاقتصاد العالمي، حيث سيعزز معدلات صرف الدولار الأمريكي، كما سيرفع من تكاليف الائتمان على مستوى العالم، خصوصا بالنسبة إلى الدول التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي.
ويقود ربط أي عملة بالدولار الأمريكي ـــ أو بأي عملة أخرى ــــ إلى فقدان بلدان الدول الرابطة عملاتها لاستقلالية سياساتها النقدية. ففي حالة تراجع معدلات الفائدة الأمريكية أو زيادتها تقوم الدول الرابطة عملاتها بالدولار الأمريكي بشكل فوري بخفض أو زيادة معدلات الفوائد على عملاتها وبالنسبة نفسها. وتقوم الدول الرابطة عملاتها بتتبع السياسات النقدية للدولة المربوطة عملاتها بها، لمنع ما يسمى بالتجارة المحمولة. وتقود التجارة المحمولة إلى تدفقات ضخمة لرؤوس الأموال من داخل البلدان بسبب فروقات معدلات الفائدة. فعند رفع معدلات الفائدة في الدولة المربوطة العملة الوطنية بعملتها، يمكن تحقيق مكاسب آنية بالاقتراض بالعملة الوطنية والاستثمار في الدولة المربوطة العملة بعملتها، ما ينتج عنه تدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد. ويحدث النقيض عندما تكون معدلات الفائدة على العملة الوطنية أعلى من معدلات الفائدة على العملة المربوطة العملة الوطنية بها، حيث تتدفق رؤوس الأموال إلى أسواق الأموال المحلية لتحقيق مكاسب فروق معدلات الفائدة. وتلغي سياسة ربط العملة من مخاطر تقلبات العملات على المقترضين والمستثمرين في العملتين، ولهذا تحقق التجارة المحمولة مكاسب شبه مؤكدة من أي فروقات في معدلات الفائدة بين عملتي معدلات صرفهما مثبتة. وبهذا تضطر الدول الرابطة عملاتها بالدولار إلى تتبع السياسة النقدية الأمريكية لمنع تدفقات الأموال الضخمة، خصوصا من قبل المؤسسات المالية.
ويعتبر فقدان استقلالية السياسة النقدية أبرز مساوئ سياسات ربط العملة، حيث تقود إلى خفض قدرات الدول الرابطة عملاتها على تبني سياسات نقدية مواتية ومناسبة للتطورات الاقتصادية الداخلية. فعند حدوث تراجع في النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة وتبني سياسات نقدية توسعية أمريكية، تضطر الدول الرابطة عملتها بها إلى خفض معدلات الفائدة، ما يقود إلى سياسات نقدية توسعية في هذه الدول التي قد تكون في حاجة إلى سياسات نقدية مقيدة، للحد من معدلات التضخم المرتفعة أو الفقاعات في أسواق المال والعقار. وفي المقابل فإن الأسوأ من ذلك هو وجود سياسات مالية انكماشية في الولايات المتحدة بسبب التخوف من التضخم في الولايات المتحدة، واضطرار الدول الرابطة عملاتها بالدولار الأمريكي إلى تبني سياسات نقدية تقييدية حتى لو كانت تعاني انكماشا اقتصاديا، ما يعمق الانكماش في هذه الدول.
وسيعزز ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية من قوة الدولار القوي حاليا، ما ستكون له تأثيرات قوية في التجارة العالمية، كما سيؤثر سلبا في الصادرات الأمريكية الذي سيخفض بعض الشيء من معدلات النمو الاقتصادي الأمريكي. وسترفع زيادة الفائدة الأمريكية من جاذبية السندات الأمريكية، ما سيرفع من التدفقات الرأسمالية إلى الولايات المتحدة التي ستكون على حساب كثير من الدول الأخرى، ما سيخفض من الاستثمارات في هذه الدول ويدفعها إلى رفع معدلات الفائدة الذي سيقود إلى خفض معدلات النمو الاقتصادي بعض الشيء. ونتيجة لذلك سينخفض الطلب العالمي على المواد الأولية ويطيل من فترة تعافي الأسواق النفطية العالمية.
وسينتج عن رفع معدلات الفائدة الأمريكية زيادة معدلات الفائدة العالمية بشكل عام، ما سيقود إلى رفع مخصصات خدمات الديون الحكومية في الولايات المتحدة وفي كثير من البلدان، وقد يقود هذا إلى معضلات مالية في الولايات المتحدة وفي كثير من الدول. ومن المؤكد أن يأخذ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الحسبان مخاطر تزايد مخصصات الفوائد على الدين الحكومي وعلى النمو الاقتصادي، ولهذا سيكون حذرا جدا في عمليات رفع الفائدة لتجنب مخاطر بروز انكماش اقتصادي أو ضائقة مالية حكومية قد تثير الرأي العام ضده.
(المصدر: الاقتصادية 2015-07-26)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews