الخبراء يحذرون من ضعف نمو الاقتصاد العالمي
ظل النظام الاقتصادي والمالي الأمريكي الذي تشكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية مستقراً لأكثر من ثلاثة عقود، وظل البنك المركزي الأمريكي طوال هذه الفترة هو المتحكم الرئيس في صعود وهبط الدورات الاقتصادية من خلال تفعيل احدي أدواته المتاحة وهي التحكم في أسعار الفائدة بالبنوك خفضاً أو رفعاً، وذلك بهدف التحكم في معدل التضخم السائد بالمجتمع، والذي يمثل أحد أهم الأهداف التقليدية الرئيسة للبنوك المركزية حول العالم.
إلا أن هذا النظام قد أصيب بالعديد من المشاكل والصعوبات في أعقاب إلغاء السلطات النقدية الأمريكية لقاعدة الذهب وفض الارتباط بين الدولار والذهب، بالإضافة إلى صدمتي أسعار النفط في عامي 1974،1979 على التوالي، وقد تواكب مع ذلك وجود كميات ضخمة من رؤوس الأموال سهلة الحركة والتي تكونت خلال سنوات طويلة سابقة نتيجة لعمليات التحرير وإعادة الهيكلة، وقد أصبحت هذه الأموال ورؤوس الأموال العالمية فيما بعد هي المتحكم الرئيس في صعود أو هبوط الدورات الاقتصادية.
هذا وقد أستدعى قرار البنك المركزي الأمريكي الخاص بإلغاء سياسة وبرنامج التيسير الكمي في نهاية عام 2014 إلى الأذهان من جديد مظاهر الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997 والذي تكرر بصورة أوسع نطاقا وأكثر بلورة مره أخرى في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008 حين قام المستثمرين بالتخلص من النصيب الأكبر من مقتنياتهم من الأوراق المالية سريعة التسييل “التحول إلى أموال سائلة” بالأسواق الناشئة، وإن لم يقم البنك المركزي الأمريكي بإلغاء برنامج التيسير الكمي بشكل فجائي وإنما قام بالتمهيد لهذه الخطوة من خلال خفضه التدريجي لحجم الأموال التي يضخها من خلال هذا البرنامج.
ومما زاد من حدة ضعف نمو الاقتصاد العالمي، تباطؤ معدلات النمو في الصين وجميع دول الأسواق الناشئة “باستثناء الهند” وانعكاس ذلك سلبياً على إيرادات صادرات العديد من الدول المصدرة للمواد الأولية وما يترتب على ذلك من حدوث عجز كبير في موازينها التجارية وضعف موازناتها، وخروج الكثير من رؤوس الأموال من هذه الأسواق الناشئة وبصفة خاصة في أعقاب بدء الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ سياسة التهدئة المالية والنقدية، لتزيد بذلك من معاناة اقتصاد الكثير من الدول النامية والناشئة، ليدلل بذلك على أن فترات الوفرة في رؤوس الأموال عادة ما يعقبها أزمة مالية.
ويرى الكثير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين أن دورات الهبوط أصبحت مؤخراً أسوأ وأطول كثيراً عن الفترات السابقة، وذلك في ظل معاناة الاقتصاد العالمي ومروره بحالة من الركود غير الاعتيادي الذي لا يحدث إلا مرة كل عشرات السنين، وفي ظل معدل نمو منخفض للغاية نتيجة لتوافر مدخرات عائلية أكثر من الفرص الاستثمارية المربحة المتاحة بالأسواق، ويرجع ذلك لميل الكثير من المستهلكين لادخار جانباً كبيراً من دخلهم والتخلي عن الميل التقليدي للإنفاق بعد المعاناة القاسية التي واجهوها في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008، بالإضافة إلى شعور النسبة الأكبر من أبناء هذه الدول خاصة الفقراء منهم بعدم المساواة، وهم الذين ليس لديهم ما ينفقونه، فيما تتوفر الأموال لدى من تشبعوا بالإنفاق.
هذا ومن المسلم به أن وفرة المدخرات تعد مدخلاً طبيعياً لبيئة مثالية لنشوء الفقاعات، وأن حالات عدم الاستقرار المالي تزيد من فترة الركود غير الاعتيادي المترتب على استقرار سعر الفائدة التوازني عند مستوى شديد التدني..... وهو الأمر الذي أدركته الكثير من شعوب دول الأسواق الناشئة، فعمدوا بعد الأزمة الآسيوية في عام 1997 إلى تعظيم مدخراتهم من خلال خفض استهلاكهم واستثماراتهم ومن ثم تكوين احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي يمكن أن تقيهم مستقبلاً من أية أزمات مستقبلية.
ومع مرور سنوات عديدة دون حدوث أزمات مالية أو اقتصادية كبرى عادت هذه الشعوب والدول الناشئة إلى ما كانت عليه من سلوك اقتصادي وتوسعت هذه الدول في اقتناء سندات الخزانة الأمريكية وانتعشت بها أسواق المضاربة، لتجيء بعد سنوات الأزمة المالية العالمية في عام 2008 ثم في أعقاب توقف البنك المركزي مؤخراً عن تطبيق برنامج التيسير الكمي الذي كان كفيلاً بضخ سيوله عالية واستثمارات كثيفة بالأسواق الناشئة لتعيد هذه الدول والاقتصادات عند نفس نقطة بداية الأزمة.
ومع اتفاق الكثير من الخبراء على ترجيح حدوث أزمة مالية عالمية مقبلة، فقد ظهر العديد من وجهات النظر الخلافية حول أفضل سبل مواجهة هذه الأزمة المحتملة، حيث يرى بعض الخبراء أن على كل دولة معالجة أوجاعها بنفسها، فيما يرى البعض الآخر ضرورة التنسيق والتعاون الدولي في هذا الصدد، بينما يرى خبراء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن على الجميع ضرورة البدء فوراً بالإصلاح خاصة في الدول النامية كأسلوب أمثل لمكافحة الأزمة المتوقعة، وكذا لاتقاء الآثار السلبية لفيضانات رؤوس الأموال التي تجوب العالم دون توقف، والتي يمكن أن تتسبب في إحداث المزيد من دورات الهبوط الاقتصادي.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-04-08)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews